المسرح الروسي يحاول الصمود أمام القمع

13 يونيو 2024
المخرجة بيركوفيتش والكاتبة بيترشوك أثناء المحاكمة (ألكسندر نيمينوف/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ظل التوجهات المحافظة المتزايدة بروسيا، يواجه المسرح الروسي تحديات كبيرة، حيث تمت محاكمة مخرجة وكاتبة بتهم "تبرير الإرهاب"، مما يعكس محاولات الحكومة للسيطرة على الفضاء الثقافي.
- الضغوط الحكومية أدت إلى هجرة مخرجين وإلغاء مسرحيات، مع توجه المسارح نحو تقديم الكلاسيكيات كوسيلة للبقاء، رغم تعرضها لانتقادات بـ"كره روسيا" أو "تشويه سمعة الجيش".
- المسرح يبقى منبراً للتعبير الأيديولوجي، مع محاولات لدعم الخط الرسمي للدولة، لكن الغالبية العظمى من المسارح تجنبت دعم الهجوم على أوكرانيا، مما يعكس التوتر بين الحفاظ على الاستقلال الفني والضغوط الحكومية.

في مواجهة القمع وعودة القيم المحافظة، يحاول المسرح الروسي الذي كان يشكّل قبل حرب أوكرانيا فسحة من الحرية النسبية، البقاء على قيد الحياة من دون التنازل عن طابعه هذا.

وأبلغُ مثلٍ على هذه التهديدات، المحاكمة الحاصلة للمخرجة إيفغينيا بيركوفيتش، والكاتبة المسرحية سفيتلانا بيتريشوك، اللتين قدمتا مسرحيات نالت استحسان النقاد حتى توقيفهما في مايو/أيار 2023. وقد تصل عقوبة الفنانتين الروسيتين اللتين تُحاكَمان بتهمة "تبرير الإرهاب" إلى السجن سبع سنوات. يتعلق الاتهام بعرض مسرحي أُنتج عام 2020، يروي قصة روسيات يتزوجن عبر الإنترنت عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية ثم يلتحقن بهم في سورية. ومع ذلك، اعتُبرت هذه المسرحية إدانة لـ"الإرهاب"، ورأى من يدافعون عنها أن معارضة إيفغينيا بيركوفيتش لحرب أوكرانيا هي السبب الحقيقي لمشاكلها. ورأت الناقدة إيرينا كوزمينا أن محاكمة الفنانتين تهدف إلى أن تكونا "أمثولة للآخرين"، وتشكّل بالتالي تحذيراً للفنانين، إذ "للمرة الأولى" يكون عمل فني هو السبب الرسمي لسجن فنانين.

وأفادت المجلة الإلكترونية المتخصصة "تياتر" التي حُظرت نسختها الورقية، بأن 30 مخرجاً على الأقل، من بينهم مشاهير كدميتري كريموف وكيريل سيريبنيكوف، غادروا روسيا أو استُغنِي عن خدماتهم خلال العامين الأخيرين، فيما أُلغِيَت نحو 60 مسرحية على الأقل.

وسعياً منها إلى مواصلة العمل، تلجأ المسارح إلى الكلاسيكيات. ولكن حتى هذه يمكن أن تكون هدفاً لإدانات دعاة القيم القومية والمحافظة. وتقدّم أحد المشاهدين بشكوى ضد مسرح ألكسندرينسكي في سان بطرسبورغ، متهماً إياه بـ"كره روسيا"، بسبب بعض العبارات في النسخة الأصلية التي تضمنتها مسرحيته "الغراب" للمؤلف الإيطالي كارلو غوزي (من القرن الثامن عشر)، على ما روى لوكالة فرانس برس ناقد آخر طلب عدم ذكر اسمه. واضطر المسرح نفسه في مايو 2023، إلى إلغاء مسرحية مقتبسة من "سيرانو دو برجوراك" بعد اتهامها بـ"تشويه سمعة الجيش" الروسي.

يشكّل المسرح سلاحاً أيديولوجياً مهماً في روسيا، إذ تضمّ البلاد نحو ألف قاعة يحضر عروضها بانتظام واحد من كل أربعة روس، وفقاً لاستطلاع أجراه معهد VTsIOM في فبراير/شباط الماضي. وبعد ستة أشهر من اعتقال إيفغينيا بيركوفيتش وسفيتلانا بيتريشوك، صُرف رئيس مهرجان "القناع الذهبي" الذي كافأهما، وعيّن بدلاً منه فلاديمير ماشكوف القريب من الكرملين.

وتعرض واجهة مسرح تاباكركا في موسكو حرف "زي" (Z) ضخماً، وهو رمز يعبّر عن الدعم للجيش الروسي في أوكرانيا. وتجلّت الثورة الثقافية المحافظة الجارية، بتولّيه في ديسمبر/كانون الأول 2023 رئاسة منظمة محترفي المسرح في روسيا. وعهد إليه مجلس بلدية موسكو الجمعة بإدارة مسرح شهير آخر، وهو "سوفريمينيك"، رمز مرحلة "ذوبان الجليد" عقب وفاة ستالين في الستينيات.

وإلى اليوم، تجنبت الغالبية العظمى من المسارح الروسية المجاهرة بأي دعم للهجوم العسكري على أوكرانيا، ما دفع بعضهم إلى حملة من أجل مسرح أكثر التزاماً بالخط الرسمي. ومن هؤلاء أوليغ روي الذي قدّم في العاصمة الروسية "ظلال دونباس"، وهي مسرحية تروي، وسط أصوات الانفجارات ومشاهد سفك الدماء، قصة ثلاثة روس على الجبهة الأوكرانية. وقال روي لوكالة فرانس برس، بعد عرضه الأخير أمام نحو 300 شخص، من بينهم عدد كبير من المتقاعدين والعسكريين الشباب، إن الجمهور "يجب أن يفهم أنه بفضل جنودنا يمكنهم أن يعيشوا حياة سلمية هنا".

(فرانس برس)
 

المساهمون