انطلقت حركة الترفيه والانفتاح في السعودية منذ أكثر من خمس سنوات، وهي نفس الفترة تقريباً التي أحكمت بها الدولة المصرية قبضتها على صناعة المسلسلات والفن في مصر، ونتج عن الاتجاهين صراعات وعلاقات جديدة في سوق الإنتاج العربي، وصعود وهبوط في علاقة الكيانات الإنتاجية في السوق المصري والسعودي، خاصة في علاقة منصة شاهد مع مجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، المملوكة للمخابرات المصرية.
نشوء الصراع
بعد ثلاث سنوات من بداية عصر الترفيه في السعودية، أعادت مجموعة MBC إطلاق منصة شاهد، من أجل أن تكون واجهة المجموعة والسعودية في سوق إنتاج وعرض الأعمال الفنية عربياً. نجحت المنصة، منذ عام 2020، في فرض سيطرتها على المنافسين في المنطقة، بفضل غزارة الإنتاج والتعاقد مع معظم نجوم الدراما والسينما العرب. ولكن في طريق توسعها، واجهت صداماً في السوق المصري مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي كانت تسعى في هذه الفترة إلى السيطرة على النجوم المصريين والمسلسلات، وفرض توجهاتها الاقتصادية والفنية على السوق المصرية.
دار الصراع الأول بين الجهتين، بعد فشل المفاوضات بين ممثلي الطرفين، حول استحواذ شركات سعودية على شركة المتحدة، وهو الأمر الذي أحدث انقساماً في سوق الإنتاج المصرية، وأصبحت هذه الشركات، وعلى رأسها MBC، في منافسة مباشرة مع "المتحدة". وكانت أولى نتائج هذا الصراع، انتقال الإعلامي المصري البارز، عمرو أديب، من قناة ON التابعة للمتحدة، إلى القناة السعودية. وكان رد الشركة المصرية وقتها، بمنع تعاون النجوم المصريين مع القناة، أو الظهور في برامجها خاصة برنامج عمرو أديب.
هل انتصرت "شاهد"؟
طوال تلك الفترة، أصدرت "المتحدة" قرارات بمنع نشر أي محتويات في صحفها ومنصاتها المختلفة لها علاقة بـ MBC و"شاهد". ووصل الحال إلى منع عدد من المنتجين والفنانين الرافضين لقرارات المتحدة وتدخلاتها من تصوير أعمالهم في مصر، وعلى رأسهم المنتج صادق الصباح، الذي يعد أبرز المنتجين المتعاونين مع "شاهد" وMBC. ولجأ المنتج اللبناني، في تلك الفترة، إلى تصوير أعماله في لبنان مع النجوم المغضوب عليهم في مصر، مثل غادة عبد الرازق ومصطفى شعبان وعمرو سعد وغيرهم.
حرمت "المتحدة" عدداً من نجومها الأساسيين من التعاون مع "شاهد" أو الظهور في MBC، وعلى رأسهم أمير كرارة وياسر جلال وأحمد عز وكريم عبد العزيز، ما جعل قناة MBC أيضاً تخصص برامجها لاستضافة نجوم مسلسلات "شاهد" فقط، وهو ما يفعله عمرو أديب في برنامجه عادة. وظهر انقسام واضح بين النجوم المصريين، بوجود فريقين مختلفين؛ الأول محسوب على الجهة السعودية، وهم غالباً من النجوم الشباب مثل دينا الشربيني وياسمين رئيس ونيللي كريم ودرة وآسر ياسين وغيرهم، والثاني يتمثل بنجوم "المتحدة"، أمثال أمير كرارة وأحمد عز وكريم عبد العزيز وأحمد مكي.
الأزمة الاقتصادية
لكن هذا الانقسام الشديد لم يستمر طويلاً، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي واجهت سوق الإنتاج المصرية، وأصبح غير قادر على منافسة غزارة إنتاج "شاهد"، وغير قادر على ترضية جميع العاملين في سوق الإنتاج المصري، والذين مثل لهم الانفتاح السعودي طوق نجاة من الاحتكار وانخفاض الرواتب في أعمال "المتحدة"، وظهرت أولى بوادر الأزمة الاقتصادية في توقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين العام الماضي، وذلك بعد إطاحة تامر مرسي من رئاسة "المتحدة".
تغير شكل الصراع بين الطرفين بعد هذا الاتفاق، والذي لم تكشف تفاصيله الكاملة للإعلام، واكتفت المتحدة بذكر أن المذكرة جاءت من أجل التعاون بين الكيانين في إنتاج أعمال مشتركة ومواجهة القرصنة، والسماح لـ MBC باستغلال حقوق عرض أعمال من إنتاج "المتحدة"، وكان البند الأخير هو الأكثر وضوحاً، خاصة أن "شاهد" استطاعت شراء حقوق عرض معظم مسلسلات الشركة المصرية في موسم رمضان الماضي، وهو الأمر الذي جعلها متفوقة في المنافسة بشكل كبير لعرضها أعمالا من إنتاجاتها الحصرية بجانب إنتاجات المتحدة الأصلية أيضاً.
لم يعد للصراع بين "المتحدة" و"شاهد" مبرّرٌ بعد هذا الاتفاق، وأصبحت الشركة المصرية نفسها تتعاون مع المنصة السعودية من أجل تفادي الأزمة الاقتصادية، لذلك فقدت سيطرتها على نجوم الشركة تدريجياً، الذين بدؤوا في التعاون مع "شاهد" بعد سنوات من الحرمان، وكانت البداية مع المخرج بيتر ميمي، مخرج سلسلة "الاختيار"، أهم أعمال "المتحدة"، وأخرج مسلسل "الجسر" لمنصة "شاهد"، قبل أن ينضم إليه عمرو يوسف بمسلسل "وعد إبليس" أخيراً، وهو أيضاً من نجوم "المتحدة"، وعلى تعاقد مع الشركة على عدة أعمال. وكانت المفاجأة الكبرى في تعاون نجم "المتحدة "الأول، أمير كرارة، مع "شاهد" لأول مرة؛ إذ تعاقد أخيراً على مسلسل من إنتاجها بعنوان "بطل العالم" مع دينا الشربيني، ما يشير إلى تحول كبير في العلاقة بين الكيانين المتنافسين، رغم استمرار بعض الصراعات الطفيفة بينهما، مثل استمرار تجاهل التغطية الإعلامية لأعمال "شاهد" في صحف ومواقع "المتحدة"، وحرص هذه المواقع على عدم ذكر اسم منصة شاهد، والاكتفاء بكتابة "إحدى منصات العرض الرقمية"، إضافة إلى عدم تعاقد نجوم الشركة مع "شاهد" وMBC على مسلسلات في موسم رمضان، أو الظهور في برامجها.
لم تنته أزمة تصوير أعمال "شاهد" في مصر بشكل نهائي حتى الآن، فبعض الأعمال خاصة التي تواجه تعنتاً رقابياً في مصر، أو التي من إنتاج المنتج صادق الصباح، تلجأ إلى التصوير في لبنان لتفادي هذه المواجهات، وآخرها مسلسل "بطلوع الروح" لمنة شلبي، الذي صور بالكامل في بيروت وعرض في موسم رمضان الماضي.. فهل يشهد موسم رمضان 2023 تغييرا آخر في شكل الصراع بين "المتحدة" وMBC؟