بينما تواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، تدور حرب أخرى داخل غرف الأخبار الغربية، حيث لا يزال الصحافيون الذين يدعمون فلسطين يواجهون الضغوط والطرد والتهديدات من مؤسساتهم. وتمارس المؤسسات الإعلامية الغربية الكبرى ضغوطاً على موظفيها لفرض رقابة على الرواية الفلسطينية وإخفاء الفظائع التي يرتكبها الاحتلال.
ولعلّ أول الأمثلة التي أعقبت بداية العدوان على غزة كان استقالة الصحافي التونسي بسّام بونني من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" احتجاجاً على تغطيتها، بينما طُردت زهراء الأخرس من شبكة غلوبال نيوز الكندية لرفضها إزالة منشوراتها المؤيدة للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وفُصلت أنطوانيت لطوف من "إيه بي سي" الأسترالية لنشرها تقريراً صادراً عن "هيومن رايتس ووتش" ضد إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي.
في حديث إلى وكالة الأناضول للأنباء، انتقد بونني موقف وسائل الإعلام الغربية من العدوان الإسرائيلي على غزة، ووصفه بأنه "صادم" و"مخيب للآمال". وأضاف أنه على الرغم من معاناة الشعب الفلسطيني منذ 75 عاماً، إلا أن وسائل الإعلام الغربية "فصلت القضية عن سياقها، من خلال الإيحاء بأن الصراع بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول"، مشيراً إلى أنّ "المدنيين في غزة لا يعاملون بالطريقة نفسها التي يعامل بها المدنيون في إسرائيل، بل يتعرّضون للشيطنة".
وسلّط بونني الضوء على الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها الصحافيون الداعمون لفلسطين في الدول الغربية بقوله: "كان هناك ضغط كبير تمارسه مجموعات عدة مؤيدة لإسرائيل مثل ميموري وكاميرا، التي تدّعي أنها تراقب المحتوى الإعلامي. ونتيجة لذلك صحافيون كثر اضطروا للاستقالة"، وأضاف: "لأكون صادقاً، وضعي ليس كذلك تماماً، لكن البعض طُرد من العمل. وآخر مثال على ذلك هي أنطوانيت لطوف من شبكة إيه بي سي في أستراليا. لقد فُصلت لمجرد نشرها تقريراً من هيومن رايتس ووتش على وسائل التواصل الاجتماعي".
من جهتها، انتقدت زهراء الأخرس موقف المؤسّسات الإعلامية الغربية قائلةً لـ"الأناضول": "كصحافيين مؤيدين للفلسطينيين، كثيراً ما نواجه تهديدات ومحاولات لإسكاتنا. وعندما نحاول تحدي الوضع الراهن، نُتّهم بعدم التوازن والتحيز"، وأوضحت أنه "إذا أصررنا على معارضة التغطية المتحيزة لوسائل الإعلام الغربية، فإننا نتعرض للرقابة... ويُطلب منا عدم تقديم تقارير عن فلسطين، وفي حال مضينا قدماً في موقفنا، نُطرَد من وظائفنا".
وفي وصفها لكواليس فصلها من "غلوبال نيوز"، قالت الأخرس إنها خلال السنوات الثلاث التي عملت فيها في المؤسسة، نشرت رسائل مؤيدة للفلسطينيين على حساباتها الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وإن المؤسسة دائماً ما كانت غير مرتاحة لموقفها المناهض للصهيونية. وقالت الأخرس: "لقد طلبوا مني مرتين في الماضي إزالة منشوراتي على وسائل التواصل الاجتماعي، تحديداً تلك التي تنتقد إسرائيل وتدعم الشعب الفلسطيني. لكن بعد 7 أكتوبر، عندما قُتل مئات الفلسطينيين، شعرت بأن الوضع سيئ جداً، ولا يمكنني التزام الصمت، فبدأت في نشر المزيد على وسائل التواصل الاجتماعي... طلبت مني الشركة إزالة منشوراتي، وعندما رفضت، اتهموني بعدم التوازن والتحيز كصحافية، وأنهوا بعد ذلك عملي".
وبعد إعلان إقالتها، قالت الأخرس إن صحافيين كثر دعموها، لكنهم أيضاً تعرضوا للترهيب والرقابة والضغوط. ورغم تلقيها الدعم من عشرات الزملاء من كندا والولايات المتحدة ومراكز الأخبار الغربية بشكل عام، ذكرت الأخرس أن الجميع باتوا خائفين من التعبير عن موقفهم السياسي بسبب العواقب التي واجهتها.