اتفقت المؤسسات الإعلامية التركية في موقفها إزاء عودة السوريين إلى بلادهم، في انعكاس للحملات التحريضية في البلاد على لسان شخصيات سياسية عدة، بينها رئيس حزب النصر المعارض أوميت أوزداغ، ورئيس بلدية بولو المتحدر من حزب الشعب الجمهوري تانجو أوزجان.
تأثرت وسائل الإعلام التركية، على اختلاف مموليها وتبعيتها السياسية، بالخطاب العنصري المتنامي، بعد تحميل اللاجئين السوريين الذين يفوق عددهم 3.7 ملايين في تركيا وزر غلاء أسعار المواد الغذائية وإيجار المنازل وما آل إليه وضع معيشة الأتراك، إثر تراجع سعر صرف عملتهم من 7.4 ليرات في مطلع العام الماضي إلى أكثر من 16 ليرة مقابل الدولار الأميركي اليوم.
زاد الإعلام من التحريض، وإن تختلف المواد المنشورة بين دعوات صريحة للطرد، كما تطرح صحيفتا سوزجي أو جمهوريات المعارضتان، أو ضرورة عودة السوريين طوعاً، لأن الحكومة التركية تقف إلى جانبهم منذ اندلاع الثورة عام 2011، كما تشير صحف يني شفق وصباح وحريات وغيرها من تلك التابعة للحكومة أو المقربة منها. حزب الشعوب الديمقراطي اليساري وحده يقدم طروحات مختلفة، علماً أنه يذهب إلى إنصاف اللاجئين عامة عبر وسائل الإعلام المحدودة التابعة له، وليس السوريين تحديداً.
يقول الصحافي التركي هشام جوناي، لـ"العربي الجديد"، إن "تعاطي الإعلام التركي تبدّل بالتوازي مع حملات الكراهية وتراجع الوضع الاقتصادي في البلاد، وتعاظمت الدعوات بين الطرد كما في بعض وسائل إعلام المعارضة، أو العودة الآمنة كما في إعلام الحكومة، بالتزامن مع الحملات الانتخابية العام المقبل، فالكل يريد كسب الشارع والناخب عبر ورقة السوريين".
يشير جوناي إلى أن معظم الوسائل الإعلامية، المرئية منها تحديداً، "تمنح المعارضين للوجود السوري مساحات زمنية كبيرة على الهواء، ليزيدوا بث الكراهية وتحميل اللاجئين وزر ما يحصل، فلو راقبنا ظهور أوميت أوزداغ على وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي، أو نقل الإعلام لتصريحات رئيس بلدية بولو، الذي طالب بطرد السوريين، بعدما ضيّق عليهم الخدمات ورفع أسعارها، لرأيناها أضعاف ظهور غيرهما ممن ينظرون برؤية شمولية للوضع التركي وأثر اللاجئين الحقيقي"، منبهاً إلى أن "ظهور أوزداغ أو غيره بشكل مستمر ساهم في تكوين رأي عام في الشارع التركي، وجدنا أثره عبر حوادث كثيرة في الشارع أو المنازل أو حتى خلال لقاءات الجمهور عبر قنوات منصات التواصل أو استطلاعات الرأي. وضمن مجتمع مؤيدي الحكومة تبدل رأي حواضن حزب العدالة والتنمية بالنسبة لوجود السوريين".
يضيف أن وسائل الإعلام التابعة للحكومة أو القريبة منها بدأت ببث الدعوات للعودة الطوعية ونقل رأي حزب العدالة والتنمية الذي تبدل، فمثلاً "اخترع" الحزب الحاكم مقولة العودة الطوعية رداً على دعوات المعارضة بالعودة الإجبارية أو الطرد، "فرأينا الصحف والقنوات تروّج للمقولة، وتتبناها، وتنقل ما تقوله الحكومة عن تأمين مساكن وبيئة آمنة من أي أخطار"، ويؤكد أنهم "ينفذون أجندة الحكومة أياً كانت".
تركز صحيفة يني شفق على عودة السوريين الطوعية، وتعرض تهافت اللاجئين إلى المنافذ الحدودية، إذ نشرت في منتصف الشهر الماضي، بعد إعلان الحكومة التركية التحضر لنقل مليون سوري إلى شمال غرب سورية، الآتي: "يواصل السوريون المقيمون في تركيا تحت الحماية المؤقتة العودة إلى بلادهم من ولايات كلس وشانلي أورفا وهاتاي وغازي عنتاب، وذلك إلى مناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام التي تتوفر فيها البنية التحتية والخدمات العامة". كاميرا قناة سي أن أن تورك زارت المنازل الحجرية التي بنتها تركيا للسوريين في المناطق الآمنة في إدلب، وغطت صحف تتبع للقناة التركية دخول صحافيين أتراك لمنزل عائلة مهجرة من مدينة حمص، و"امتنان العائلة لتركيا حكومةً وشعباً، لمنحهم المنزل وإنقاذهم من معاناة الخيام".
كما أفردت صحيفة صباح مساحة واسعة نشرت فيها مراحل مشروع "العودة الطوعية" التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي تستهدف إعادة "مليون" لاجئ سوري في تركيا إلى مناطق الريف الشمالي في الداخل السوري، وسيكون قائماً على بناء تجمعات سكنية تتوزع جغرافياً على مناطق أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين.
يرى الصحافي التركي عدنان جان أن الإعلام التركي يتعاطى بغالبه مع قضية اللاجئين السوريين من وجهة نظر الحكومة، فهو يغطي القرارات ويركز على ما تريد الحكومة تسويقه. يشير جان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن وسائل الإعلام التابعة للمعارضة كانت سباقة، ومنذ سنوات، بنقل تصريحات رؤساء الأحزاب، وفي مقدمتهم رئيس حزب الشعب كمال كليجدار أوغلو، بضرورة عودة السوريين، وكان ذلك فتحاً لهذا الموضوع الذي تعاظم بعد حملات كراهية وعنصرية، قادها رؤساء أحزاب، في مقدمتهم رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ، لافتاً إلى استمرار تشدد صحيفتي المعارضة جمهوريات وسوزجي تجاه اللاجئين السوريين واستخدامهم ورقة ضمن الحملة الانتخابية لكسب الشارع بعد العزف على أوتار معيشته.
لكن النشاطات التي قامت بها بعض الجمعيات المدنية وتنظيمات سورية وتركية بدلت من بعض "المزاج الشعبي"، وغيرت من تشدد الشارع التركي تجاه اللاجئين السوريين. وسلط الناشط طه غازي الضوء على المزاعم الكاذبة التي انتشرت على لسان مسؤولين، بينهم النائب عن حزب الشعب الجمهوري جورسيل تكين، الذي قال إن "ثلث اللاجئين السوريين لم يعودوا من المهاجرين، بل أصبحوا مواطنين أتراكاً ويحق لهم التصويت أيضاً"، في حين أن وزير الداخلية سليمان صويلو قال، في مايو/أيار، إن "عدد السوريين الحاصلين على الجنسية 200 ألف و950 شخصاً، بينهم 87 ألفاً و296 طفلاً، ومن يحق لهم التصويت الآن بلغ 113 ألفاً و654 شخصاً في كل الولايات".
يؤكد غازي، لـ"العربي الجديد"، أن اللقاءات والمؤتمرات الصحافية التي أقامتها هيئات ومنظمات تركية، خاصة ما كان منها في المقر المركزي لمنظمة İHH، أثرت، ولو بشكل محدود، على رأي الشارع. وتشير صحيفة ملييت التركية إلى تبدل بعض الآراء، عبر نتائج دراسة ميدانية تناولت فيها قضية تعاطي المواطنين الأتراك مع ظاهرة الهجرة الداخلية والخارجية واللجوء في بلادهم، وانعكاس تلك الظاهرة على مختلف الأوضاع وخاصة الاقتصادية منها.
وحول اللاجئين السوريين، نقلت "ملييت" أن الدراسة أوضحت أن هناك اختلافاً في المفاهيم لدى الأتراك تجاه السوريين مقارنة بنتائج دراسة أجريت قبل عامين. وجاء فيها: "يمكننا أن نرى استمرار الحياة في تركيا، وهناك تغيرات في منظور المجتمع تجاه اللاجئين السوريين، إذ من بين كل 10 مواطنين أتراك، يعتقد واحد فقط أن للسوريين والأتراك العادات والتقاليد والقيم نفسها، وهذه النسبة كانت نفسها قبل عامين. في حين ارتفع في العامين الماضيين معدل الذين لديهم صديق سوري بمقدار 1.5 مرة. ونرى اليوم أن من بين كل 5 أتراك هناك شخص واحد لديه صديق سوري. على الرغم من الاختلاف، فإن هذا لا يمنع تكوين الصداقات، وهذا يبدو مثالاً جيداً جداً للحس الاجتماعي السليم". بينت الدراسة نفسها انخفاضاً في نسبة الذين يعتقدون أن وجود السوريين في البلاد سيشكل مشكلة أمنية في المستقبل، من 68 إلى 62 في المائة. كما انخفضت نسبة أولئك الذين يعتقدون أنه يجب على السوريين العودة إلى بلادهم من 77 إلى 70 في المائة.