الكرة قبل أن تتراكلها الأقدام: سيرة فنية

20 نوفمبر 2022
تحمل كرة المونديال الحالي اسم "الرحلة" (جيانغ كيمينغ/Getty)
+ الخط -

لم يعد من الصعب اليوم تخيّل "شكل" الكرة المستخدمة للعب كرة القدم، بل يمكن القول إن الكرة نفسها ليست ضرورية في كثير من السياقات، فأي "غرض" يتناقل بين الأرجل يصلح لأن يكون "كرةً" تقسم اللاعبين فريقين، فيتراكضون حولها في سعي لتسجيل الأهداف. لكن، ما يصعب تخيّله هو إمكانية اللعب بكرة مصنوعة من "المثانة المطاطيّة" للحيوانات، تلك التي يعود تاريخها إلى منتصف القرن التاسع عشر، والتي تبدو عند مشاهدة صورها ثقيلة وأشبه بكتلة جلدية لا يمكن التلاعب بها بسهولة.

الكرة نفسها ذات تاريخ مثير للاهتمام. أشكالها الأولى تحفز المخيلة. بعكس ما تبدو عليه حالياً، إذ أصبح لها شكل واحد شهير، ومقاييس لا يمكن الخروج عنها. مع ذلك، سببت بعض الكرات كثيراً من المشكلات. ويقال إن روبيرتو كارلوس، صاحب الركلة المستحيلة عام 1997، دفع القائمين على اللعبة إلى إعادة النظر في تصميم الكرة. الأمر نفسه مع الهدف الذي سجله رونالدينيو لمنتخب البرازيل ضد إنكلترا عام 2002. إذ يقال إنه سجله بسبب عطب في الكرة.

المثير للاهتمام في تاريخ الكرة أن شكلها الأشهر، أي المربعات البيضاء والسوداء، لا يعود إلى أسباب خاصة باللعبة، بل إلى البث التلفزيوني المباشر، فكُرة تيلستار (Telstar) التي صنعتها شركة أديداس الألمانية (ما زالت حتى الآن تصنع كرات كأس العالم)، قُدّمت لأول مرة عام 1968، وتبناها "فيفا" عام 1970، حين استخدمت في بطولة كأس العالم في المكسيك. سبب شهرة هذه الكرة أن البث التلفزيوني حينها كان بالأبيض والأسود، والكرة البنية لم تكن واضحة للمشاهدين في المنزل، كما أن اللاعبين أنفسهم في الملعب وجدوها أفضل كونها مرئية أكثر أثناء اللعب. واللافت أن مونديال عام 2018 استعاد هذه الكرة في تصميم مشابه يحمل اسم تيليستار 18.

والمونديال الحالي يعرف كرة جديدة أُطلق عليها اسم "الرحلة"، تحافظ على التمايز بين الأبيض والألوان الأخرى.

لم يقتصر تاريخ كرة القدم على القائمين على اللعبة، بل انتقلت إلى المساحات الفنيّة، فالعديد من الكرات موجودة في المتاحف. تيلستار نفسها موجودة في المتحف الوطني لكرة القدم في الولايات المتحدة، كذلك الكرة التي سجل فيها بيليه هدفه الألف محفوظة في المتحف في البرازيل.

لعب الفنانون دوراً في تكريس كرة القدم وتاريخها وأغراضها كجزء من عالم الفن. بيكاسو نفسه أنجز منحوتة باسم "لاعب كرة القدم"، موجودة في متحف كرة القدم الوطني في مانشستر. لكن أكثر الأعمال المعاصرة إثارة للاهتمام في هذا السياق، هي سلسلة منحوتات "أعمدة لا نهائيّة" التي أنجزها الفنان الأميركي هانك ويليس توماس. ترتص في هذه السلسلة 22 كرة قدم فوق بعضها بعضاً، بما يشبه طوطماً من نوع ما، يمكن عرضه في المتحف وخارجه. هذه المنحوتة علامة على أهمية الرياضة واستمرارها عبر الزمن. ويرى بعضهم أنها مقارنة بالمنحوتة التي استوحى منها توماس عمله، وتحمل العنوان نفسه، وتعود إلى عام 1938، تكريماً لضحايا رومانيا في الحرب العالمية الأولى.

لا ندري هنا إن كانت تصح مقارنة ساحة المعركة بملعب كرة القدم، لكن يمكن القول إن هناك ما يأسر المشاهد حين يحدق في طوطم الكرات، مستعيداً مقدار الجهد الذي يبذله اللاعبون في سبيل النصر. نقل الفنان البرازيلي فيليب باربوسا استخدام الكرة إلى شكل جديد، إذ يوظف الكرات لصناعة ما يشبه اللوحات أو البُسط التي يمكن تعليقها أو فردها على الأرض، مستفيداً من مكونات الكرة لصناعة زخارف تبدو للوهلة الأولى وكأنها رخامية. إعادة توظيف الكرة هنا كأساس للزخرفة مثير للاهتمام، ويكشف عن أثر "الكرة" بوصفها غرضاً يتجاوز وظيفة اللعب، ويمكن إعادة إنتاجه بأساليب متعددة تقتحم جوانب مختلفة من الحياة.

العمل الأشهر في ما يخص الكرة، أنجزه الفنان الفلسطيني خالد جرار. صنع الأخير، عام 2012، كرة قدم من إسمنت جدار الفصل العنصري في الأراضي المحتلة؛ إذ جمعه عبر تحطيم أجزاء من الجدار، وأطلق على المنحوتة اسم "كرة الاحتجاج"، مخاطراً باعتقاله أثناء جمع الإسمنت، كون تخريب الجدار يجرم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. هذه المقاربة يمكن أن تندرج تحت ما يسمى Upcycling، أي عوضاً عن تحطيم الجدار، من الممكن إعادة إنتاجه وتغيير وظيفته. لا يمكن تجاهل الكرة الإسمنتية عند التحديق بها. هي علامة على القمع الذي يمارسه الاحتلال، في ذات الوقت تحمل نوعاً من الأمل، مشابه لأمل اللاعبين أنفسهم بالنصر في لحظة ما.

المساهمون