عادةً، أمام أي نص تلفزيوني أو سينمائي، لا بد من لغة اشتغالٍ يصوغها كاتب، وتعكسها رؤية مخرجٍ. وبين كاتبٍ ومخرجٍ، هناك محددات إبداعية مطلوبة لتنسيق عمل متوازن، يحقق نتائج جيدة كأقل تقدير.
تنحو هذه العادة نحو تطور ملحوظ في العقدين الأخيرين. متطلبات الصورة كشفت عن زخم ضروري للملمة خيالات المشتغلين قدر المستطاع. فكان لا بد من طرح صيغة جديدة، قوامها رؤىً متعددة، فيُصار إلى توزيع النص الواحد على أكثر من كاتب سيناريو ومخرج في عملية اشتغاله. هذا التوجه لم يعد يشترط حصراً، رؤية كاتب أو مخرج واحد لهذا النص، سواء في سينما الأجزاء المتعددة، أو في حلقات الأعمال التلفزيونية. وهذه حاجة قلبت موازين العادة الإنتاجية، وكشفت عن مرحلة، أدواتها الخاصة تلبي طلباً وسوقاً ومهنةً من جهةٍ، ونتائج تفرض مسارات متقلبة بين نجاحٍ وفشلٍ.
في أفلام النسخة الواحدة، المخرج يتحمل نتائج عمله. هذا تقليد مستمر، لكنه مهمش، مقارنة بورشة كاملة أخذت تحدد معايير الجودة والإتقان، وتقع على عاتقها مسؤولية نجاح العمل من فشله. وبالتالي نسب التأنيب والثناء توزع على الجميع، لا على فرد واحد من كوادر المهنة. غير أن صيغة (مخرج واحد مختلف عن مخرج آخر في سلسلة واحدة من الأفلام) لن تكون وصفة غير قابلة للنقد. فالمتتاليات في النسخ السينمائية الواحدة صارت عملية نقدها تتبع نتائج سابقها. بمعنى أن كل جزء مكمّل لفيلم سيتأثر بنتائج ما قبله. وهنا خصوصية متعلقة برؤية الإنتاج وقبول الجمهور له. فإذا حقق فيلم نجاحاً جيداً، تدخّل الإنتاج وعبّر عن امتنانه بطرح جزء آخر. وعند فشله، إما يتوقف عند نسخة واحدة، وإما يُستعان بمخرج وكاتب جديدين وتُطرَح معالجات مختلفة.
هذا ما يحدث غالباً في أفلام الأبطال الخارقين وأفلام الخيال. نستطيع رؤية ذلك في سلسلة أفلام "هاري بوتر" وكذلك في عوالم "مارفل" و"دي سي" السينمائية، تحديداً أفلام "سوبرمان" و"الرجل العنكبوت" الذي شهد تغييرات جذرية في طاقم عمله بين سيناريو وإخراج وبطولةٍ، بعد أن حققت الثلاثية الأولى (2002 – 2007) للمخرج سام ريمي، وخاصة الجزأين الأول (كتابة ديفيد كوب) والثاني (كتابة آلفين سارجينت) نجاحاً ساحقاً في شبابيك التذاكر. ما لبث أن صدرت بعدها ثنائية جديدة، بسبب الانتقادات الواسعة التي طاولت الجزء الثالث من السلسلة الأولى، اعتمدت معالجة مختلفة، وهي من بطولة أندرو غارفيلد وإيما ستون، ومن إخراج مارك ويب. هذه المعالجة الجديدة لم تستطع تحقيق ما حققه ريمي في أفلامه من نجاح. اعتبرت أفلام الأخير الأفضل بين جميع الأجزاء اللاحقة.
وبعد خلافات دارت بين استديوهات "مارفل" و"سوني" حول ملكية "الرجل العنكبوت"، اتفقتا عام 2015 على محاصصة الشخصية، ما أدى إلى وضع استراتيجية جديدة نتجت منها سلسلة ثالثة، من بطولة توم هولاند، لا تزال مستمرة حتى هذا اليوم، وتشهد قبولاً جيداً، ولعل أكثرها تحقيقاً للأرباح الجزء الأخير، الصادر نهاية العام الماضي، للمخرج جون واتس تحت عنوان Spider-Man: No Way Home.
بعيداً عن أفلام الخيال والخوارق، هناك أيضاً سلسلة "هانيبال ليكتر" الشهيرة، لمؤلفها توماس هاريس. درجات النجاح بين أجزاء هذه السلسلة متفاوتة التقدير. الأفضلية لفيلم "صمت الحملان" الذي نال خمس جوائز "أوسكار"، من بينها أفضل فيلم وأفضل إخراج (الراحل جوناثان ديمي) وأفضل ممثل (أنتوني هوبكنز) وأفضل ممثلة (جودي فوستر) وأفضل نص سينمائي (تيد تالي). نتائج تقييم الأجزاء التي لحقت به لا ترقى إلى مستوى نجاح فيلم ديمي.
في التلفاز، أوجه الاختلاف تظهر دينامية أكبر في تحليل النصوص الدرامية ومعالجتها، لتحقيق توازنات إنتاجية تخدم مرونة الحلقات. فسلسلة واحدة قد تتألف من عشر حلقات، كل حلقة منها لها كاتب ومخرج يختلفان عن الحلقات الأخرى، تمنح العمل صبغة ملونة بأفكار وخيالات متنوعة (مع الالتزام بشكل القصة).
صحيح أن هذا التفاوت بالأفكار قد لا يخدم، في كثير من الأحيان، قالب العمل، إلا أنه يتيح مجالاً لمشتغلين جدد، ويمنح روحاً تشاركية تحقق توازناً معقولاً لإيقاع الحلقات بين صعود وهبوط في عملية تقييمه. ولعل ميزان النقد في هكذا أعمال يتجه لتخصيص الكتلة على حساب الفرع. لا يمكن اعتبار هذه الحالة حديثة العهد. فقد عرفناها منذ التسعينيات مع أعمال من مثل "أصدقاء" و"فريش برينس أوف بيل إير" و"ساينفيلد"، وفي العقد الأخير، في مسلسل الفانتازيا "صراع العروش"، وغيرها من أعمال تلفزيونية حققت نجاحات كبيرة بفضل طواقم عملها المتنوعة والمتعددة.