الفن... للخلف در

05 ديسمبر 2021
أفلام مثل "ثرثرة فوق النيل" رفعت الوعي الجمعي نحو النضج وتذوق الجمال (تويتر)
+ الخط -

أسئلة تطرح نفسها بقوة على الساحة الثقافية والفنية، بل المجتمعية بشكل عام: هل تخلّف الفن ورجع إلى الوراء خطوات وخطوات؟ هل فن التمثيل سيرجع إلى مصطلح مشخصاتي الذي لا تقبل شهادته في المحكمة؟

هل سيرجع الفن السابع برمّته إلى أيام الوعظ والتلقين، بدلاً من كونه فناً وصناعة رفيعة المستوى فكرياً وتقنياً؟ أسئلة تتزاحم في ذهني وتلحّ عليّ، حتى أصبحت تشكل هاجساً.

نحن، مع الأسف، أمام كمّ من الانحطاط والتفاهة، وتسطيح الفن لم يسبق له مثيل. لقد تحولت الساحة الفنية من ساحة تنتصر لقيم الحق والخير والجمال، من خلال أعمال فنية رفيعة المستوى، إلى ساحة تعج بالخلافات غير المبررة.

أصبح الجميع يتبارى ليكون تحت الأضواء، ليس من خلال عمل فني معقول، حتى لا نقول أخاذاً كالسابق، وإنما أصبح التباري يعبر عن وجهه بتصريحات مستفزة، سواء عن حياة هذا الفنان المتنطح أو عن اختياراته الشخصية، أو تطاوله على زملائه، أو الزج بنفسه في معارك الآخرين والتعقيب على خلافاتهم، بحثاً عن دور تحت الضوء، حتى ولو حصد رد فعل سلبياً من مواقع التواصل الاجتماعي.

موقف
التحديثات الحية

على سبيل المثال لا الحصر:

فنان شاب في مقتبل حياته يطلق تصريحات تفيد بأنه ينتمي إلى الفن النظيف أو يقصد الفن الخالي من القبلات والأحضان. كأنما كل ما كان يقدم في تاريخ الفن المصري، كان فناً قذراً. كأنما هو يجهل أو يتجاهل أن مهنة التمثيل مرتبطة بفلسفة الفن بشكل عام، وهي مسألة يصعب شرحها في هذا المقال.

ويطلع علينا فنان كبير آخر ويجيب بمنتهى الثبات، عند سؤاله هل يسمح لابنته بالتمثيل؟ وتأتي الإجابة القاطعة بـ"لا".

وإذا افترض جدلاً ووافق على أن تُمثل ابنته، فإنه لا يسمح لها بالقبلات. مثل هذا الفنان يقدم إهانة للفن من داخله، بل ويتناقض تناقضاً صارخاً مع ما قدمه وما سوف يقدمه.

ويأتي فنان آخر ليسأل هذا السؤال: هل توافق لابنتك على التمثيل؟ وتأتي أيضاً الإجابة بمنتهى السرعة والثبات والثقة بالنفي.

تظهر علينا فنانات في بداية حياتهن الفنية ويكررن بشكل يدعو إلى الاستفزاز أنهن يرفضن أدوار الإغراء، وأنهن متحفظات في قبول الأدوار والمشاهد ذات الطبيعة الحميمية.

تسري هستيريا الرفض هذه، كما النار في الهشيم، يباركها الجانب المتحفظ الكاره للفنون بشكل عام، معتبراً أنها رجس من عمل الشيطان. بينما على الوجه المستتر نفسه تجري في المجتمع كل أنوع الاستهتار بالقيم الخلقية الفاضحة، ليحظى الفنانون/ت بذلك الصعود المزيف.

ضاع وسط هذا السعار دور السينما والفن، من أفلام بحجم "زوجتي والكلب" لسعيد مرزوق، و"المومياء" لشادي عبد السلام، و"ثرثرة فوق النيل" لحسين كمال، و"حمام الملاطيلي" لصلاح أبو سيف، وغيرها من الأعمال التي ساهمت بلا شك في دفع الوعي الجمعي إلى النضج وتذوق الجمال.

يبدو أن هناك أيضاً من يريد الدفع إلى الخلاف مرة أخرى، للوصول إلى عهد كاد يغلق معهد التمثيل، بدعوى مخالفته للتقاليد والآداب العامة.

أرجو أن أكون مخطئاً في تقدير حجم المشكلة، والتي- لا شك- لا أتمناها على الإطلاق، لا للفن المصري، ولا الفن العربي على حد سواء.

المساهمون