شيّع المئات من الفلسطينيين بينهم عشرات الصحافيين، اليوم السبت، جثمان المصور الصحافي في قناة الجزيرة، سامر أبو دقة، بعد استشهاده بقصف إسرائيلي أمس الجمعة، جنوبي قطاع غزة.
بدأت مراسم تشييع سامر أبو دقة من مستشفى "ناصر" في مدينة خانيونس، جنوبي القطاع. وبعد أداء صلاة الجنازة عليه في باحة المستشفى، ووري جثمانه الثرى في مقبرة خانيونس. وكان مراسل "الجزيرة" وائل الدحدوح، الذي أصيب بالقصف نفسه بجروح متوسطة، في مقدمة المشيعين مع بقية طاقم ومراسلي القناة، وفقاً لوكالة الأناضول.
وكانت "الجزيرة" أعلنت الجمعة استشهاد مصورها في قطاع غزة سامر أبو دقة بقصف إسرائيلي، فيما أصيب مراسلها وائل الدحدوح الذي كان معه خلال تغطيتهما سقوط شهداء وجرحى إثر قصف إسرائيلي طاول مدرسة "فرحانة" وسط خانيونس.
وقال المراسل وائل الدحدوح لوكالة فرانس برس، من مستشفى "ناصر" في خانيونس: "كنت أقوم بتغطية آثار غارة إسرائيلية أنا والمصور سامر أبو دقة وسط خانيونس بعدما أحدثت قتلى وجرحى. كان طاقم الدفاع المدني قد وصل قبلنا، وفي طريق عودتنا قامت مسيرة إسرائيلية بإطلاق صاروخ أصبت بشظاياه في ذراعي اليمنى وفي خاصرتي".
وكانت "الجزيرة" قد حمّلت جيش الاحتلال الإسرائيلي "المسؤولية الكاملة عن حياة سامر أبو دقة"، مشيرة إلى أن "قوات الاحتلال عرقلت وصول فرق الإسعاف للزميل سامر أبو دقة الذي يعاني من إصابة بالغة". واعتبرت أن "هذا جزء من عملية ممنهجة لاستهداف مراسلي الشبكة وعائلاتهم".
وأكد وائل الدحدوح، لـ"فرانس برس" أن "هذا استهداف مقصود". وأضاف: "سأستمر في الصحافة طالما بقي لدي نفس".
وكان قد استشهد عدد من أفراد عائلة وائل الدحدوح، بمن فيهم زوجته وابنه وابنته، بقصف إسرائيلي استهدف منزلاً نزحوا إليه في مخيم النصيرات وسط القطاع، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
من جانبه، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان، إن "الاحتلال الصهيوني النازي ارتكب الجمعة جريمة وحشية مُركّبة باستهدافه مدرسة فرحانة التابعة للأونروا، والتي تؤوي نازحين من أبناء شعبنا الفلسطيني في مدينة خانيونس". وأشار إلى "قيامه (الاحتلال الإسرائيلي) بعملية قصف ثانية متعمّدة استهدفت الأطقم الصحافية التي وصلت للمدرسة لتغطية القصف الأول، فأوقعت بينهم عدداً من الإصابات، بمن فيهم مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح، ومصور الجزيرة سامر أبو دقة" الذي استشهد في وقت لاحق.
واعتبر أن "هذا الاستهداف المتعمّد للمدنيين النازحين في مركز يحمل علم الأمم المتحدة، وللصحافيين على حدٍ سواء، يأتي في إطار حرب الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ضد شعبنا، ومحاولة لترهيب الأطقم الصحافية ومنعها من توثيق مجازره في قطاع غزة". وأكد أن الأمر "يستدعي إدانة دولية واسعة وتحركاً جاداً لحماية المدنيين والصحافيين من إجرام جيش الاحتلال النازي".
وشدد على أن "قوات الاحتلال الصهيوني قتلت سامر أبو دقة، وتركته ينزف مدة خمس ساعات، ومنعت الإسعاف من الوصول إليه أو إلى المصابين الآخرين"، معتبرة أنه "كان شاهداً وشهيداً على جرائم العدو السادي".
من جهته، أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة "استشهاد ثلاثة عناصر من طواقمنا جراء قصفهم من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي أثناء عملهم الإنساني خلال إنقاذ المواطنين في مدرسة فرحانة وسط محافظة خانيونس".
وأشاد مدير تحرير "الجزيرة" محمد معوض، على منصة إكس، بالمصور الصحافي سامر أبو دقة، قائلاً إنّ "التزامه الثابت بالحقيقة وسرد القصة ترك بصمة لا تمحى في فريقنا". وأضاف معوض: "سامر الذي التقطت عدسته واقع الحياة في غزة بواقعيتها من دون إضافات لم يكن مجرد مهني ماهر، بل كان روحاً شغوفة أدركت قوة القصة المرئية".
ودعت مؤسسة الصحافة الأجنبية الجيش الإسرائيلي إلى التحقيق في "الحادث"، واعتبرت في بيان ما حدث بأنه "ضربة لحرية الصحافة المحدودة أصلاً في غزة".
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، في مؤتمر صحافي: "لا نملك حتى الآن أي مؤشرات" على أن إسرائيل "تتعمد استهداف الصحافيين الذين يحاولون تغطية هذه الحرب".
الاعتداء على مصطفى الخاروف
في القدس الشرقية المحتلة، قام حرس الحدود الإسرائيليون، الجمعة أيضاً، بالاعتداء على الصحافي مصطفى الخاروف الذي يعمل مع وكالة أنباء الأناضول التركية، وذلك أثناء تغطيته منع المواطنين المقدسيين من الوصول إلى المسجد الأقصى.
ووثقت لقطات فيديو لمصورين من قنوات مختلفة الاعتداء على مصطفى الخاروف، وأظهرت قيام أحد عناصر شرطة حرس الحدود الاسرائيلية بدفعه مع صحافي آخر وضربهما، فسأله الخاروف باللغة العبرية: "لماذا تضربنا وتدفعنا ونحن صحافيان؟". وما لبث الشرطي أن وجه إليه لكمات عدة على وجهه. وقبل أن يتحسس الخاروف مكان اللكمة، عاد الشرطي شاهراً سلاحه في وجهه، وضربه ببندقية على رأسه، ثم قام شرطي آخر بمحاولة خنقه، قبل أن يطرحاه أرضاً ويشبعاه ضرباً على رأسه بأحذيتهما العسكرية.
وزار عضو الكنيست الإسرائيلي عوفر كسيف، من الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، الخاروف في المستشفى، وقال لـ"فرانس برس" إن "اسرائيل قتلت عدداً كبيراً من الصحافيين في قطاع غزة، إنها سياسة تنتهجها، وليست حادثاً عرضياً". وأضاف كسيف: "على العالم أن ينهض ويوقف هذه الحكومة المجنونة التي تستمر بجرائمها ضد الفلسطينيين أو ضد الصحافيين أو الأطباء وغيرهم". وتابع أن الحكومة الإسرائيلية "تريد إخفاء جرائمها، لذا تستهدف الصحافيين، خصوصاً وسائل الإعلام الدولية. لا يريدون أن يعرف العالم ماذا يجري في القدس المحتلة كما حدث مع مصطفى (الخاروف)، أو ماذا يحصل في هجومهم على غزة".
وتعليقاً على الاعتداء على الصحافي مصطفى الخاروف، قال الناطق باسم الشرطة الإسرائيلية دين إلسدون: "أعلمكم بأن قائد شرطة حرس الحدود قد أوقف على الفور الضباط المتورطين، في انتظار إجراء تحقيق شامل في تفاصيل الحادث".
سامر أبو دقة ينضم إلى عشرات الصحافيين الشهداء
وفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، تجاوز عدد الشهداء من الصحافيين والعاملين في المجال الإعلامي 85، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، عقب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح المسلح لحركة حماس، والتي أسفرت عن مقتل 1200 إسرائيلي.
خلال الفترة نفسها، قتلت قوات الاحتلال ثلاثة صحافيين لبنانيين على حدود البلاد مع فلسطين المحتلة، هم عصام العبدالله (رويترز) وفرح عمر وربيع المعماري (الميادين).
وبينما هناك صحافيون مفقودون، يعتقل الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 32 صحافياً من غزة والضفة الغربية، من بينهم مدير مكتب "العربي الجديد" في القطاع الزميل ضياء الكحلوت.
وأكدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين أنها بدأت مرحلة الإعداد القانوني لتقديم شكوى للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم الإسرائيلية بحق الصحافيين الفلسطينيين.
وأفاد الاتحاد الدولي للصحافيين، قبل أسبوعين، أن العدوان المتواصل على غزة "حصد أرواح صحافيين أكثر من أي صراع آخر منذ أكثر من 30 عاماً"، مشيراً إلى أن 68 صحافياً استشهدوا في غزة، منذ السابع من أكتوبر، أي أكثر من صحافي واحد في اليوم، وهو رقم يشكل 72 في المائة من إجمالي وفيات الإعلاميين في أنحاء العالم كافة (94 صحافياً).
هل تبيّض "مراسلون بلا حدود" صورة الاحتلال؟
في الوقت الذي أعلنت فيه نقابة الصحافيين الفلسطينيين والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتفاع عدد الصحافيين والعاملين في المجال الإعلامي الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية، منذ السابع من أكتوبر، إلى أكثر من 80، اكتفت "مراسلون بلا حدود" بالإشارة إلى مقتل 13 صحافياً في القطاع، في حصيلتها السنوية الصادرة الخميس.
وأوضحت المنظمة أن الحصيلة العالمية "لا تشمل الصحافيين الذين قتلوا خارج إطار أداء مهامهم، أو الذين لم يُستهدفوا بصفتهم صحافيين، أو أولئك الذين لا تزال ظروف مقتلهم مجهولة".
لكن نقابة الصحافيين الفلسطينيين رأت أن التقرير السنوي الذي صدر عن المنظمة "متواطئاً مع الاحتلال الإسرائيلي وجرائم الحرب الفظيعة التي يرتكبها يومياً ضد الصحافيين الفلسطينيين في عموم الأراضي الفلسطينية، وخاصة خلال عدوانه وحربه الإجرامية المتواصلة ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة". وأكدت النقابة، في بيان الجمعة، أن "إحصائياتها دقيقة وموثقة، وتستند إلى توثيق مهني وقانوني يتبع أعلى المعايير في توثيق الجرائم بحق الصحافيين". وشددت على أن الصحافيين الذين قتلوا بقصف بيوتهم "قتلوا لأنهم صحافيون وليس بالخطأ"، وأن "كل الجرائم بحق الصحافيين تجري بشكل ممهنج وبقرار رسمي من حكومة الاحتلال"، ولذلك اعتبرت أن تقرير المنظمة "يهدف لتبييض صورة الاحتلال، وحمايته من المحاسبة في القضاء الدولي".
تجدر الإشارة إلى أن "مراسلون بلا حدود" رفعت شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب "جرائم حرب" بحق صحافيين خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
ومنذ 7 أكتوبر الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حرب إبادة على غزة خلّفت 18 ألفاً و800 شهيد و51 ألف مصاب، معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقاً لمصادر فلسطينية وأممية. كما يتعمد الاحتلال قصف البنى التحتية، ليقطع الاتصالات والإنترنت عن القطاع لست مرات منذ بدء عدوانه المتواصل، في إطار سعيه للتعتيم على جرائمه بحق الفلسطينيين.