استمع إلى الملخص
- تحديات أمنية ومبادرات رقمية جديدة: مع تصاعد التوترات في غزة، زادت التحديات الأمنية للفلسطينيين، مما دفع الحطاب لتطوير تطبيق خاص بالطرق يهدف إلى توفير تجربة آمنة، ويضم حالياً 20 ألف مستخدم في مرحلته التجريبية.
- مخاطر الإبادة الرقمية والحاجة إلى حلول فلسطينية: استخدام خرائط غوغل يحمل مخاطر للفلسطينيين، حيث تعزز السردية الإسرائيلية وتغيب المناطق الفلسطينية، مما يتطلب حلولاً رقمية فلسطينية ودعماً من الجهات الرسمية والمؤسسات الدولية.
يواصل تطبيق خرائط غوغل تجاهله للفلسطينيين وتعزيز خدماته للمستوطنين الإسرائيليين، في جزء إضافي من "الإبادة الرقمية" التي تمارسها شركات التكنولوجيا الكبرى، الأميركية خصوصاً، ضد الفلسطينيين، ما أدى إلى ظهور مبادرات محلية تسعى لتطوير تطبيقات فلسطينية تُعالج هذا التجاهل وتوفر حلولاً آمنة للمستخدمين.
الشاب أنس الحطاب، من مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية، كان من بين المبادرين في هذا المجال، إذ بدأ مع مجموعة من أصدقائه العمل على تطوير تطبيق بديل لـ"خرائط غوغل" مخصص للهواتف النقالة. وجاءت الفكرة في رد فعل على إهمال شركة غوغل للمناطق الفلسطينية، وتركيز خدماتها على المستوطنات الإسرائيلية، وفق ما رصد أكثر من تحقيق حقوقي في السنوات الأخيرة.
مبادرات رقمية فلسطينية
يعد تطبيق أحوال طرق فلسطين، الذي دخل مرحلته التجريبية أخيراً، أحدث المبادرات الفلسطينية في هذا المجال. لكن هذه المحاولة ليست الأولى من نوعها، إذ سبقها إطلاق تطبيق دروب في عام 2019، بالإضافة إلى مجموعة على تطبيق "تليغرام" أسسها الحطاب تحت اسم "أحوال الطرق وحواجز الاحتلال". حظيت المجموعة، التي تأسست عام 2019، بشعبية واسعة ووصل عدد أعضائها إلى نحو 280 ألف مشترك، يعتمدون عليها للحصول على معلومات دقيقة حول حالة الطرق والحواجز.
يقول الحطاب لـ"العربي الجديد" إنه في عام 2019، أثناء عمله في تصميم وتوزيع النسخ الورقية لجريدة الأيام على الوكلاء شمال الضفة الغربية، كان يواجه صعوبات كبيرة بسبب الإغلاقات المتكررة التي يفرضها جيش الاحتلال، بالإضافة إلى اعتداءات المستوطنين على الطرق والحواجز، خاصة حول نابلس. حاول استخدام "خرائط غوغل" لإيجاد طرق بديلة، لكنها لم تكن تساعده، بل كانت توصله غالباً إلى طرق مغلقة أو خطرة بسبب تجمعات المستوطنين.
قصور "خرائط غوغل"
"هذه التطبيقات العالمية لا تدعم الشوارع الفلسطينية، بل تركز على الطرق التي يستخدمها المستوطنون"، يقول الحطاب، موضحاً أن الضفة الغربية تحتوي على نوعين من الطرق: شوارع فلسطينية بحتة، وأخرى مُخصصة للمستوطنين ومحرّمة على الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، هناك طرق رئيسية بين المدن الفلسطينية أو بين المدن وقراها، وهي طرق يستخدمها الفلسطينيون والمستوطنون معاً. بعض هذه الطرق تعود لفترة ما قبل الاحتلال، فيما شقّ الاحتلال أو وسّع أخرى لخدمة المستوطنين، وتُعرف باسم "الطرق الالتفافية". تهدف هذه الطرق إلى تسهيل حركة المستوطنين وتقسيم الضفة الغربية إلى مناطق معزولة صغيرة، فيما يسيطر عليها جيش الاحتلال، وتكثر فيها اعتداءات المستوطنين.
يشير الحطاب إلى أن الأزمات الناتجة من هجمات المستوطنين تظهر على خرائط غوغل كأزمات سير عادية، لكنها لا تقدم حلاً سريعاً أو فعالاً للفلسطينيين. يقول: "قد يصل السائق الفلسطيني إلى مكان الأزمة قبل أن تُظهره الخرائط". لذلك، أسس مجموعة "تليغرام"، التي أصبحت مصدراً مهماً للمعلومات المباشرة عن إغلاقات الطرق وهجمات المستوطنين.
تحديات أمنية جديدة
مع تصاعد حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ظهرت مشكلات أمنية جديدة، إذ بدأ جنود الاحتلال بتفتيش هواتف الفلسطينيين بحثاً عن تطبيقات ومجموعات يعتبرونها داعمة للمقاومة. يشمل ذلك مجموعات تُستخدم لرصد تحركات الاحتلال أو توثيق اعتداءات المستوطنين. العثور على أي من هذه المجموعات أو القنوات على "تليغرام" قد يؤدي إلى اعتداء الجنود على أصحاب الهواتف.
"هروب الناس من تليغرام"، كما وصفه الحطاب، دفعه إلى التفكير في تطوير تطبيق خاص بالطرق، يوفر للمستخدمين الفلسطينيين تجربة أكثر أماناً. يضم التطبيق، الذي لا يزال في مرحلته التجريبية، 20 ألف مستخدم، ويسعى لتطوير خرائط دقيقة تُرشد السائقين إلى الطرق الأفضل وتساعدهم على تجنب الإغلاقات أو الهجمات.
مخاطر الإبادة الرقمية
يؤكد مصطفى جرار، أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة بيرزيت، أن استخدام "خرائط غوغل" يحمل مخاطر كبيرة على الفلسطينيين. ويقول: "الخرائط تفترض أن المستخدم إسرائيلي، ما قد يدفع الفلسطينيين إلى طرق خطرة أو مستوطنات." ويضيف أن هذه التطبيقات تسهم في تعزيز السردية الإسرائيلية على حساب الفلسطينية، حيث تبرز المستوطنات غير الشرعية كجزء من المشهد الطبيعي، فيما تُغيّب المناطق الفلسطينية.
يشير جرار إلى أن "غوغل" تمنع الفلسطينيين من إجراء تعديلات على الخرائط، بينما تتيح ذلك للإسرائيليين. كما أن الإرشادات تظهر للمستخدمين الفلسطينيين تنبيهات غير دقيقة، مثل الإشارة إلى أن الطريق "قد يعبر حدود الدولة"، ما يُعد تعدياً على السيادة الفلسطينية.
ازدادت هذه المخاطر بعد العدوان على غزة، حيث فرض الاحتلال قيوداً إضافية على الفلسطينيين من خلال زيادة عدد الحواجز والبوابات إلى 872، منها 156 بوابة حديدية أُقيمت بعد أكتوبر 2023، وفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية. هذا التصعيد يفاقم الحاجة إلى حلول رقمية فلسطينية لمواجهة القيود.
تشير تقارير إلى أن "غوغل" استحوذت على تطبيق الخرائط الإسرائيلي Waze عام 2013، في صفقة بلغت 1.3 مليار دولار. يُذكر أن التطبيق طُوِّر في وحدة 8200 التابعة للمخابرات الإسرائيلية، ما يضيف رقابة أمنية مضاعفة على مستخدميه.
يقول جرار: "الإبادة الرقمية تشمل محو المحتوى الفلسطيني من الإنترنت، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو محركات البحث." ويُضيف أن المسميات الإسرائيلية تهيمن على المشهد الرقمي، ما يعزز الرواية الإسرائيلية عالمياً على حساب السردية الفلسطينية.
على الرغم من هذه التحديات، تستمر الجهود الفلسطينية لتطوير تطبيقات بديلة قادرة على توفير حلول آمنة ومستقلة للمستخدمين. ومع ذلك، تواجه هذه المبادرات صعوبات تمويلية وتقنية، ما يتطلب دعماً من الجهات الرسمية والمؤسسات الدولية لتعزيز حضورها وتأثيرها في المشهد الرقمي. في ظل الإقصاء المستمر، تبقى هذه المبادرات أداة حيوية في معركة الفلسطينيين للحفاظ على هويتهم وحقوقهم الرقمية.