عدّت منظمة فريدوم هاوس، هذا العام، ليبيا دولة "حرة جزئياً" على شبكة الإنترنت، في مؤشرها الصادر قبل أيام، إذ حلّت البلاد في المرتبة 44، علماً أن المراتب توضع على مقياس من 0 (الأقل حرية) إلى 100 (الأكثر حرية). وتصنف الدول "حرة"، أو "حرة جزئياً"، أو "غير حرة". وأشارت "فريدوم هاوس"، وهي منظمة غير حكومية تدعم بالأبحاث حول الديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان وتنفذها، إلى أنه "وسط تشكيل حكومة وحدة مؤقتة في مارس/آذار 2021، تراجعت حرية الإنترنت في ليبيا. أوقفت السلطات المحلية خدمة الهاتف المحمول أثناء الاحتجاجات ضد الفساد وتدهور الظروف المعيشية في سبتمبر/أيلول 2020. كما يستمر الصحافيون والناشطون والمدونون في مواجهة المضايقات عبر الإنترنت والاحتجاز التعسفي، وفي بعض الحالات العنف الجسدي، بسبب نشاطهم على الإنترنت (...) وظل انتشار الإنترنت منخفضاً".
إذ يوظف الإنترنت ووسائل التواصل في العملية القمعية المُمنهجة تجاه المعارضين للواء المتقاعد خليفة حفتر وقواته، وتتعدّد الأساليب المُتبّعة التي تصب جميعها في خانة انتهاكات حقوق الإنسان الرقمية، وبينها حجب الإنترنت الذي وصفته مديرة السياسات والمناصرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة أكساس ناو، مروة فطافطة، في بيان صدر في أغسطس/آب الماضي، بأنه "أسلوب قمعي جديد يُضاف إلى القائمة الطويلة لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات لتقييد الوصول إلى الإنترنت في ليبيا".
وتعمد القوات المسلحة والمليشيات التابعة لحفتر إلى تفتيش هواتف المواطنين أثناء عبورهم الحواجز العسكرية، ويطلب منهم كلمات المرور الخاصة بحساباتهم على منصّات التواصل، ويُجرى التدقيق بها والاطلاع على محتواها، مما خلق هاجساً وخوفاً لدى المواطنين ودفعهم للابتعاد عن المشاركات الرقمية أو التعبير عن الرأي على هذه المنصّات التي باتت تعتبر مصدراً أساسياً لوسائل الاعلام المحليّة والعالمية، إضافةً للمنظمات الانسانية وجماعات الضغط الناشطة. ويشكل غياب المادة التفاعلية على هذه المنصات تغييباً لصوت المواطن الليبي.
في المقابل، امتدّت الى الفضاء الرقمي حسابات تابعة للمليشيات التي تسيطر على أرض الواقع في مناطق نفوذ حفتر، وهي تمارس التحريض على كل من يعارض سياساته، وتستهدف المرأة الناشطة تحت ذريعة التجاوزات الدينية وخروجها إلى المحفل العام.
هذه الأعمال التحريضية أنتجت أفعالاً جرمية طاولت العديد من الناشطين المعارضين لحفتر وسياساته، ومنهم الناشطة والمحامية الليبية حنان البرعصي التي اغتيلت بالرصاص في وضح النهار، في أحد شوارع مدينة بنغاري قبل عامين، بعد حملة تحريضية رقمية عليها نتيجة انتقاداتها الصريحة والحادة للانتهاكات المرتكبة على يد المليشيات المنتشرة في مدينتها، فضلاً عن دعمها لقضايا النساء وحديثها المستمر عن الاعتداءات التي تواجههن شرقي ليبيا.
لم تقتصر هذه الممارسات على حنان البرعصي. الناشطة إفتخار بوذراع اعتقلت في 10 ديسمبر/كانون الأول 2018، من قبل عناصر تابعة لجهاز الأمن الداخلي فرع بنغازي، بسبب نشرها بثاً مسجلاً على حسابها الشخصي على منصة فيسبوك، انتقدت فيه الأوضاع الأمنية والاقتصادية في مدينة بنغازي. حوكمت عسكرياً بالإعدام رمياً بالرصاص، قبل أن يخفف الحكم إلى 10 سنوات سجناً، ولا زالت قيد الاعتقال. وتعاني وضعاً صحياً حرجاً، بعد تعرّضها لحروق من الدرجة الأولى خلال فترة الاعتقال، إضافةً إلى العنف الجنسي والجسدي والنفسي.
وفي السياق نفسه، تذهب السلطات في تشريع القمع الرقمي لملاحقة وكم أفواه كل المعارضين من خلال القوانين تحت مُسمّى قانون الجرائم الإلكترونية، إذ أصدر مجلس النواب الليبي في مدينة البيضاء، في سبتمبر/أيلول الماضي، القانون رقم 5 لسنة 2022 بشأن "مكافحة الجرائم الإلكترونية". يأتي هذا القانون في ظل تعثر الاتفاق السياسي الموقع في جنيف 2020.
يرجع العمل على قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2017، كنتيجة مقترح من قبل أكاديميين من جامعة بنغازي تماشياً مع السياق العام في المنطقة من موجة تشريعات لقوانين تنظم الفضاء الإلكتروني والجرائم الإلكترونية المتوازية مع حملات إلكترونية عدة تستهدف رئاسة المجلس وأعضاءه، ليرتكز المشروع في نسخته السابقة وحتى الأخيرة المعتمدة من قبل مجلس النواب على خدمة أعضاء المجلس والشخصيات العاملة في القطاعات الحكومية، لتحصينهم من أي نقد أو سخرية.
وعلى الرغم من جهود المنظمّات الإنسانية وحركة المجتمع الدولي التي تجسّدت في تصريحات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الأخيرة حول الانتهاكات الإنسانية المُستمرة في مناطق نفوذ خليفة حفتر، فإن الجهود تبقى متواضعة في الحديث عن الانتهاكات الرقمية للمواطن الليبي وتوظيف الشبكة العنكبوتية في ممارسة القمع الرقمي في القوانين والتشريعات التي تصدر عن مجلس النواب. وكانت مؤسسات حقوقية دولية ومحلية عدة قد دعت إلى سحب القانون وعدم تطبيقه، مشيرة إلى أنه "يحد بصفة كبرى من حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني، كما يسمح بالرقابة الشاملة على الجمهور والصحافيين والصحافيات، ويبيح للسلطة التنفيذية حجب المواقع والمحتوى من دون إذن قضائي".