الـ "ترند" قد يقود إلى المحاكم في مصر

12 فبراير 2022
حوكمت حنين حسام ومودة الأدهم بسبب فيديوهات على "تيك توك" (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

في آخر مستجدات القضية الشهيرة بمحاكمة فتيات "تيك توك"، قُبل الاستئناف المقدم من ريناد عماد، على حكم حبسها 3 سنوات وتغريمها 100 ألف جنيه، وإلغاء حكم الحبس، الثلاثاء الماضي. كذلك حُكم على صانع محتوى آخر بالسجن المشدد 3 سنوات وغرامة 10 آلاف جنيه، بتهمة "تزوير محرر رسمي"

وبينما كان هذان وغيرهما من صناع المحتوى في مصر، على منصات التواصل الاجتماعي، مثل "تيك توك" و"لايكي" و"يوتيوب"، يسعون لجذب المشاهدين وزيادة تداول المحتوى الذي يقدمونه والتفاعل معه، لتحقيق الشهرة والربح من الإنترنت، كان دخولهم عالم "الـ "ترند" يمهّد طريقاً لدخولهم السجن.

الأمثلة على سجناء الـ "ترند" كثيرة جداً، لكن تبقى قضية "فتيات تيك توك" التي بدأت عام 2020، وما زالت مستمرة، أشهرها، إذ استهدفت الشرطة عدداً من مستخدمات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، في ما عُرف بقضايا "تيك توك"، واعتمدت إحالة صانعات المحتوى في تطبيق "تيك توك" إلى المحاكمة على المادة (25) من قانون جرائم تقنية المعلومات. وأحالت النيابة العامة المصرية عدداً من المتهمين والمتهمات إلى المحكمة الاقتصادية ومحكمة الجنايات، بعد اتهامهم بارتكاب جرائم من خلال حسابات شخصية، في ما اعتبر مخالفة لقوانين، منها ما يختص بالنشاط الرقمي مباشرة، إلى جانب جرائم أخرى قد تتم عبر أي وسيط بخلاف الإنترنت، ومنها جرائم تقنية المعلومات، والعقوبات، ومكافحة الدعارة، ومكافحة الاتجار بالبشر، وأخيراً قانون الطفل.

محاكمات فتيات "تيك توك" التي بدأت قبل نحو عامين بمحاكمة تسع نساء، على خلفية بلاغات قدّمها ضدهن رجال لاتهامهن بـ"إهدار قيم المجتمع والاعتداء على قيم الأسرة المصرية"، شهدت توسعاً كبيراً في عدد المتهمين على مدار الفترة الماضية. ومن بعدها ازداد عدد النساء اللاتي يواجهن احتمالية العقوبة الجنائية، لـ "إهدار قيمة الأسرة المصرية"، باتهامات ثابتة، وهي "الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري، وإنشاء وإدارة حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية بهدف ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام"، ليتحول السعي نحو الـ "ترند" إلى طريق مختصر نحو السجن.

يؤكد "المركز الإقليمي للحقوق والحريات" أن محاكمة صناع المحتوى في مصر أو "ضحايا الترند" تمثل تعدياً على المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (65) من الدستور المصري. ويشير المركز إلى كثافة تداول المحتوى الذي قدمه عدد من صناع المحتوى على الإنترنت، ومطالبات بعض مستخدمي تلك المواقع بمحاكمتهم لاختلافهم في الأفكار، والدور الذي قامت به وحدة الرصد والتحليل التابعة للنيابة العامة دفع ببعض صناع المحتوى للسجن، ومنهم حنين حسام، ومودة الأدهم، وسما المصري، والمصوّر عبد الله جمعة، وغيرهم.

ويناقش المركز في ورقة بحثية صدرت أخيراً تغوّل قطاع من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على من يخالفونهم في الآراء والأفكار وطرق التعبير عنها، والدور الذي مارسته النيابة العامة في دعم التوجه لمراقبة المواطنين بعضهم البعض، ومواجهة اختلافات الرأي بالبلاغات الإلكترونية التي قد تصل بضحاياها إلى السجن. كذلك تتناول الورقة آلية تقديم البلاغات في حالة وقوع الجرائم، وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية، وتلفت إلى أن "وقوع ضرر والتقدم بشكوى من المتضرر أو من ينوب عنه هي آلية الإبلاغ القانونية، ولكن الدور الذي قررت النيابة القيام به في الرقابة على المجتمع وبروز قطاع من مستخدمي التواصل الاجتماعي يدعم هذا التوجه منحا التعليقات والمطالبات على صفحة النيابة العامة على موقع فيسبوك قوة البلاغ القانوني".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويتتبع المركز إنشاء وحدة الرصد والتوجيه التابعة لإدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي التي أنشأتها النيابة العامة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والهدف منها الرصد والتحليل لما يدور في المجتمع. ورغم إشادة المركز بـ"الدور الإيجابي" لوحدة الرصد، في رصد عدد من الجرائم، ومنها قضية هتك عرض طفلة المعادي، وقضية أحمد بسام زكي، ولكنها في المقابل "قامت بدور سلبي في الرقابة على أخلاق المجتمع والتضييق على حرية الرأي والتعبير والإبداع عبر تقاريرها عن بعض المواطنين وصانعات المحتوى، والتي تم الاستناد إليها للتحقيق والإحالة للمحاكمة"، بحسب الورقة البحثية.

وتشير الورقة، كذلك، إلى قضايا عدد من صناع المحتوى التي انتهت بحبس وتغريم بعضهم، مع استمرار محاكمة آخرين، للتأكيد على تحوّل خلافات الرأي وطرق التعبير وقضايا الـ "ترند" إلى طريق للمحاكمة والسجن، ومنها قضايا حنين حسام، وسما المصري، وأشرف حمدي، ومنة عبد العزيز.

وتخلص الورقة إلى مجموعة من التوصيات التي تستهدف تعزيز احترام الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في الاختلاف مع محتوى ما من دون أن يكون سبيلاً لمحاكمة صاحبه وسجنه، واحترام الحق في الخصوصية، وعدم استخدام نصوص قانونية مطاطة لملاحقة صنّاع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي.

وكانت ورقة حقوقية صادرة عن المجموعة المتحدة للقانون (بيت خبرة قانوني عربي يضم عدداً من المحامين والخبراء القانونيين وأساتذة العلوم السياسية والمحللين الماليين) قد وصفت المادة (25) من القانون (175) لسنة 2018 التي نصّت على "عقاب لكل من ينتهك مبادئ وقيم الأسرة المصرية"، بأنها "معيبة دستورياً"، و"نص عقابي غامض" و"مخالفة صريحة لنص المادة العاشرة من الدستور التي تتحدث عن قوام الأسرة المصرية وليس قيم الأسرة المصرية.

وأوضحت الورقة القانونية أن "هناك فرقاً بين الأمرين، فالقِيَم هي الأمور التي لها قيمة، أما القِوَامُ فمعناه عِمادُ كل شيء ونظامه؛ وبالتالي فلا يمكن الاستناد إلى نصّ المادة العاشرة من الدستور لإضفاء صفة دستورية كاذبة على نص المادة". كذلك توصّلت الورقة القانونية إلى أن "نص المادة 25 يخالف مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي فسّرته المحكمة الدستورية العليا بضرورة أن يكون النص القانوني أولاً ضامناً للحرية الشخصية، وثانياً أن يكون النص القانوني واضحاً ومحدداً، بما يجعل حدود المباح والتجريم واضحة، وهما أمران خلا منهما تعبير مبادئ وقيم الأسرة المصرية، بما يجعله غير دستوري من هذه الناحية".

المساهمون