الـ"برليناله الـ73": تغييرات مُربكة لكنْ للمهرجان حضور فاعل

22 فبراير 2023
شون بن في افتتاح الـ"برليناله 73": إعلان حب لأوكرانيا سينمائياً (جيرالد ماتزكا/Getty)
+ الخط -

افتتاح الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/شباط 2023) لـ"مهرجان برلين السينمائي" مُثير لتساؤلات، بعضها مطروح في الدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/أيار 2022) لمهرجان "كانّ". الأبرز بينها مرتبطٌ بآليات تنظيمية جديدة، يفرضها تفشّي كورونا مطلع عام 2020، الذي يحول دون تنظيم دورات العام نفسه لمهرجانات كثيرة، وابتكار نمطٍ آخر في إقامة دورات لاحقة، ستكون معظمها افتراضية. تفشي الوباء يؤدّي، لاحقاً، إلى تقليص عدد مقاعد الصالات، التي تُعرض فيها الأفلام المشاركة، وفرض حجز بطاقات دخول عبر الـ"أونلاين"، للنقّاد والصحافيين السينمائيين والإعلاميين، ولغيرهم أيضاً.

في "كانّ الـ75"، يحصل ارتباكٌ في شبكة الإنترنت، سببه الضغط الكبير على الموقع لحجز البطاقات. تُصبح الأمور أفضل، في الأيام اللاحقة على ذلك. في "برلين الـ73"، يُفترض بالمهتمّ/المهتمّة البدء بحجز بطاقات اليوم التالي، بما فيها بطاقات أفلام المسابقة الرسمية، عند السابعة صباحاً (بتوقيت برلين). اللافت للانتباه أنّ إدارة المهرجان البرليني تخصّص أكثر من عرضٍ واحد (في اللحظة نفسها، كما في يومٍ آخر) لكلّ فيلمٍ، فعدد مقاعد الصالات الجديدة في مجمّع "سينماكس" يقترب من نصف عدد الصالات سابقاً. رغم هذا، يقول زملاء المهنة إنّ عروضاً سابقة، للنقاد/الصحافيين السينمائيين كما للمشاهدين/المشاهدات (حجز البطاقات بالنسبة إليهم يحصل عبر الإنترنت أيضاً، والدفع "أونلاين"، وثمن البطاقة الواحدة يبدأ من 5 يورو ونصف)، غير متمكّنةٍ من ملء المقاعد كلّها، ما يعني أنّ هناك، دائماً، "إمكانية دخول" لغير الحاجزين.

تفاصيل تقنية كهذه مُتعِبة. الدعوات الصحافية، إلى هذه الدورة، غير متشابهة. هناك دعوات تُقدِّم 5 ليالٍ في الفندق مجّاناً، وهناك أخرى لـ3 ليالٍ فقط. هذا يعني أنّ الراغبين في عملٍ مهني وثقافي ونقدي، في متابعة الأيام الـ10 للدورة الحالية، مُضطرّون إلى حجز الأيام المتبقية، لأنّ 3 ـ 5 أيامٍ فقط غير كافية، في مهرجان مُصنَّف "فئة أولى". يستتبع هذا تحمّل المدعو/المدعوّة المصاريف الأخرى كلّها، علماً أنّ أحد تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا يتمثّل بارتفاع أسعار المواد الغذائية تحديداً، ومسائل يومية أخرى. يقول زميلٌ إنّ تقليص عدد الأيام، واختيار فنادق ذات نجمة واحدة، سببهما التخفيف، قدر المستطاع، من الإنفاق، فالميزانية تتراجع، وتلك الحرب تُفرز ضغوطاً مختلفة.

"بعد عامين من الجائحة (كورونا)، ظنّنا (في البداية) أننا سنعود إلى الروتين نفسه، الذي نعرفه مع أول "برليناله" لنا عام 2020"، تقول مارييت ريسنّبيك، مديرة الـ"برليناله" مع كارلو شاتريان: "لكنّ كلّ شيءٍ متغيّر. مفروض علينا إعادة التفاوض مع الجهات كلّها، وشركات الخدمات التقنية والفنادق والمطاعم"، تُكمِل ريسنّبيك، موضحةً أنّه "بسبب حرب أوكرانيا، وأزمة الطاقة، نبدأ التفاوض في أغسطس/آب، وعند حلول ديسمبر/كانون الأول، تكون الأسعار مرتفعةً. هذا يجعل الأمور أصعب" (حوار مع مايكل روسّر، "سكرين إنترناشونال"، فبراير/شباط 2023).

 

 

تلك الحرب نفسها تُثير، ولو قليلاً، غضب زملاء مهنة. فمنذ اندلاعها في 24 فبراير/شباط 2022، تلتزم مهرجانات سينمائية دولية موقفاً مناهضاً لروسيا فلاديمير بوتين، وداعماً لأوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، إلى حدّ أنّ الأخير حاضرٌ في افتتاح أكثر من دورة، في أكثر من مهرجان. صديق يُعلّق بسخرية: "زيلينسكي ويُسرا الوحيدان في العالم اللذان تتمّ دعوتهما إلى المهرجانات، من دون أنْ يكون لهما أي فيلمٍ جديد". دعوته إلى إلقاء كلمةٍ، في افتتاح الـ"برليناله 73" يترافق، مع عرض فيلمٍ جديد للأميركي شون بن كمخرج، بعنوان Superpower، يُعتَبر "صرخةً من القلب" و"إعلانَ حبّ من شون بن إلى أوكرانيا وشعبها ورئيسها"، كما في تعليقٍ صحافي لدلفين نرْبولييه، في Le Temps، منشور في 19 فبراير/شباط 2023.

في حواره مع روسّر نفسه، يقول شاتريان إنّ إدارة الـ"برليناله" مستلمةٌ أفلاماً روسية عدّة، "خاصة لمخرجين مستقلّين"، وإنّ مشاهدتها حاصلةٌ بـ"اهتمام"، من دون اختيار فيلمٍ روسي واحد، يكون إنتاجه روسيّاً بالكامل؛ مشيراً في الوقت نفسه إلى مشاهدته "القفص يبحث عن طائر"، لماليكا موسْأَيْفا، الروسية المُقيمة في برلين، المُصوَّر في بلدها، الشيشان: "حالياً، صعبٌ دعم فيلمٍ روسي، وإنْ يُصنع بشكل مستقلّ بالكامل، لأنّ سؤالاً يُطرح: أين سيُعرض بعد إطلاقه الأول؟". يُنهي كلامه بالقول إنّ هذا "أحد أسباب حصولنا على أفلامٍ روسية أقلّ من السابق".

كلامٌ كهذا غير محرِّض روسّر على نقاشٍ أعمق وأهم، يتناول مسألتين اثنتين، يُمكن اعتبارهما "مهمّتين للغاية": العلاقة بروسيا اليوم، والأزمة المالية. ربط أفعال فلاديمير بوتين بالسينما الروسية غير سليم. مقاطعة السينما الروسية، وإنْ تكن الحجة ندرة الأفلام المستقلّة مثلاً، مُسيء لمهرجانٍ، يُفترض به أنْ يكون دولياً، وواجهة النتاجات الحديثة، ومدخلها إلى العالم. يُفترض به أنْ يكون أكثر ديمقراطية وانفتاحاً. الاكتفاء بالتساؤل عمّا بعد العرض الافتتاحي الأول (أين سيُعرض الفيلم الروسي؟)، يبدو كأنّه تغطية باهتة لمخبّأ ما. الأزمة المالية؟ لن يكون سهلاً حلّها، لكنْ المعمول به حالياً غير كافٍ.

رغم هذا، لن يكون سهلاً القول إنّ "مهرجان برلين" متعَبٌ. لعلّ الشيخوخة ضاربة به، كمهرجانات أخرى: "يبدو أنّ المهرجانات الثانية والثالثة سيكون لها دورٌ أكبر من ذي قبل"، يقول صديقٌ، يُفضِّل اتّجاه المهرجانات إلى اختصاصات واضحة. هذا نقاشٌ مطلوب. لكن الـ"برليناله"، كـ"كانّ" و"فينيسيا وغيرهما، مستمرّ في فرض حضور وهيبة، يحتاجان إلى تأهيل، بالتأكيد.

المساهمون