الـ"ماكينغ أوف": أيحتاج المُشاهد إلى هذا الكَمّ من المعلومات؟

02 يونيو 2021
ألفونسو كوارون أمام "روما": سيرة فيلم ومدينة وتاريخ (ستيفان كاردينالي/ كوربيس/ Getty)
+ الخط -

 

الـ"ماكينغ أوف (Making Of)" استكمالٌ للفيلم المصنوع عنه. هذا تقليدٌ غربيّ يعود إلى زمنٍ قديم، يُضمُّ إلى "أشرطة مُدمَجة". في علبة واحدة، هناك أسطوانتان، واحدة للفيلم وثانية للـ"ماكينغ أوف"، الذي يعني، كمصطلحٍ، "فيلماً وثائقياً يروي حكاية تصوير فيلمٍ وإنتاجه، أو تصوير وإنتاج عمل سمعي بصري، كالفيلم التلفزيوني والمسلسلات، وأيضاً إنتاجاً فنياً آخر، كالأشرطة المرسومة".

رواية هذا كلّه متنوّعة الأساليب: لقطاتٌ مُصوّرة، لكنّها غير مُولَّفة في النسخة النهائية للفيلم. حوارٌ، مع المخرج تحديداً، يتناول تفاصيل تتعلّق بالفيلم، وبكيفية تصويره واشتغاله، وبخبرياتٍ لن ترتبط كلّها بالصنيع الفني نفسه، فهناك حكايات تحصل خارج الكادر أيضاً، في مرحلة التصوير. مقتطفاتٌ من أحداثٍ تجري في الكواليس أثناء التصوير والاستراحة. هذه أساسيات صناعة الـ"ماكينغ أوف"، عادةً.

كثيرون يهتمّون بهذا الجانب. بعضهم لا علاقة له بالمهنة، صناعة وتوزيعاً ونقداً. كثيرون يرغبون في معرفة مسائل متعلّقة بكيفية تنفيذ مشروعٍ سينمائيّ، له عندهم مكانة خاصة، قبل تحوّله إلى فيلمٍ جاهزٍ للمُشاهدة. المكانة مرتبطة بعلاقة مُهتمّ بالسينما، أو "سينيفيليّ"، بمن يصنع المشروع، تمثيلاً وإخراجاً، أولاً. شغف السينما يكتمل بمُشاهدة شريط الـ"ماكينغ أوف"، بل بوثائقيّ الـ"ماكينغ أوف". هذا تعبير تصعب ترجمته إلى العربية، رغم أنّ ترجمة حرفية له ربما تعكس معناه. فالـ"ماكينغ (Making)" تعني "صناعة"، أو "كيف يُصنع"، والـOF يسبق التتمة: الصنيع الفني (كيفية صناعة نتاج فني).

 

 

هذا معروفٌ. مُشاهدو الأفلام بفضل "دي. في. دي." (وأشباهه) يُدركون المقصود بالـ"ماكينغ أوف". يطلبونه غالباً. يُشاهدونه عند حصولهم على نسخة منه. هذا حاصلٌ قبل تحوّله إلى إنتاجٍ متكامل، تبثّه أقنية تلفزيونية ومنصّات افتراضية، والجهتان قابلتان لإنتاج أفلامٍ وثائقية كهذه، وإنْ بمستويين إنتاجيين، يختلف أحدهما عن الآخر. مع نشوء منصّات عدّة، يزداد الاهتمام بهذا الجانب البصريّ، فالمنصّات ـ المستعدّة أصلاً لتمويل/ إنتاج مشاريع تحتاج إلى ميزانيات كبيرة ـ ترى في هذا النوع السينمائيّ دافعاً إلى مُشاهدة، أو إعادة مُشاهدة إنتاجاتها، أو بعض تلك الإنتاجات. منصّات تنبش في ذاكرة السينما عن أفلامٍ غير مُنجزة، فتُكمل إنجازها ربما، أو تنصرف إلى إنتاجٍ وثائقيات الـ"ماكينغ أوف"، لسرد حكاية غير المُنجز.

التوقّف عند الـ"ماكينغ أوف" متأتٍ من مُشاهدةٍ متأخّرة لـ"الطريق إلى روما"، لأندرس كلاريون وغبريال نونثيو (إنتاج "استديو نتفليكس" 2020)، الذي يتابع تفاصيل جمّة عن كيفية إنجاز "روما" (2018)، في حوار طويل مع مخرجه المكسيكي ألفونسو كوارون (توزيع دولي لـ"نتفليكس" أيضاً). رغم أهمية تلك "الطريق"، وأهمية أفلامٍ مشابهة لها، يُطرح سؤال: إلى أيّ حدّ يحتاج مهتمّ بالسينما إلى تفسيرٍ دقيقٍ لجوانب وهوامش ومتون أساسية في صناعة فيلمٍ؟

هذا لن يُقلِّل من قيمة الـ"ماكينغ أوف". لكنّ السؤال مطروح، رغم أنّ الإجابة عليه مرهونةٌ بإحساس المُشاهد وتفكيره ورغباته، وعلاقته الشخصية بهذا الفيلم أو ذاك، أو بهذا المخرج أو ذاك. خصوصاً أنّ الـ"ماكينغ أوف" يُبثّ، غالباً، بعد عرض الفيلم بأشهرٍ أو أعوامٍ، ما يعني أنّ المُشاهِد الشغوف مُشبعٌ بفيلمٍ يستهويه. فهل يستهويه الـ"ماكينغ أوف" أيضاً؟

المساهمون