"العمران... زمان ومكان": ندوة هندسية نقدية في بيروت

25 مارس 2024
ناقش المشاركون العلاقة بين الحداثة والعمارة المحلية (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في بيروت، نظمت نقابة المهندسين واللقاء العمراني ندوة "العمران... مكان وزمان" بجانب معارض تحية لغزة والجنوب اللبناني وأخرى توثق التراث العمراني بالريف اللبناني، مع التركيز على بلدة شمسطار.
- الندوة شملت مناقشات حول الفلسفة العمرانية، تأثير التكنولوجيا، وأهمية المحافظة على التراث والهوية الثقافية أمام التحديات الراهنة.
- تم التأكيد على العلاقة بين العمران والسياسة، معتبرين العمران تعبيراً عن الهوية، الثقافة، والتاريخ، ومناقشة أهمية التوازن بين إحياء التاريخ ومواكبة التحولات المعاصرة.

نظّمت نقابة المهندسين في بيروت ندوة في "بيت المهندس" بالتعاون مع اللقاء العمراني حول أنتروبولوجيا العمران بعنوان "العمران... مكان وزمان"، بالتزامن مع افتتاح معرضين تحية لغزة والجنوب اللبناني (لكل من روي داغر وكامل جابر)، إضافة إلى معرض ثالث من إنتاج طلاب الجامعة اللبنانية يوثّق التراث العمراني في الريف اللبناني، ويصوّر أصالة التراث في بلدة شمسطار البقاعية.

استهلت الندوة بكلمة لنقيب المهندسين في بيروت، عارف ياسين، شدد فيها على أهمية المساحة التي تُشكلها النقابة، سواء للحوار وتبادل الآراء أو لتعميق وتطوير الأبحاث الهندسية في الميادين كافة. تلاه عضو مجلس نقابة المهندسين المعماري، روي داغر، الذي تناول المفاهيم العمرانية الراهنة في ضوء التطور التكنولوجي الحاصل وضرورة مواكبة ما يجري بالثورة المتواصلة على الإرث المسيء للمساحة المشتركة الجامعة بين اللبنانيين مثل ساحة الشهداء في بيروت، داعياً لاستعادة هويتها الأساسية.

وتناول داغر فلسفة العلاقة بين المكان والبناء باقتضاب، من فيلسوف التفكيك جاك دريدا وصولاً إلى زها حديد، التي تأثرت أيضاً بالمدرسة التفكيكية وتركت آثاراً معمارية في جميع أنحاء العالم العربي، متناولاً الحداثة والعمارة والصورة التي يجب أن تطاول كل مناحي الحياة.

بدوره، أثنى المصور الصحافي اللبناني، كامل جابر، المهتم بتوثيق الريف من خلال كتب متعددة، على دور النقابة في المحافظة على التراث، وقال إن الصورة التي ترصد التراث لا تغني عن الواقع الجميل المُهدّد، مشيراً إلى ظاهرة اختفاء أصول الصور التي أرّخها في الكتب التي أعدّها على سبيل الحبّ لهذه الأماكن، ودعا إلى التصدي للعدوان الذي يمارسه العدو الإسرائيلي، وكذلك للرأسمال المحلي الجشع، الذي يُهدد التراث ويُبدّده.

وتناول عميد كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية الدكتور هشام زين الدين تميّز كلية الفنون والعمارة في الجامعة اللبنانية بطلابها وأساتذتها ومشاريعها والجوائز التي نالتها في مسيرتها الطويلة.

من جهته، تحدث المهندس بسام علي حسن عن اقتران الحفاظ على الهوية بالحفاظ على التراث، وعن اقتران الجنوب بغزة في وحدة تصنع حاضراً ومستقبلاً، مشيراً إلى أهمية تأسيس مرصد دائم للحفاظ على التراث.

وقد جرى عرض إعلان مصور لشركة زين للاتصالات تقود فيه شخصية حنظلة، لناجي العلي، مجموعة من الأطفال لمحاكمة رؤساء العالم في المستقبل.

وبعدما جال الحضور على المعارض الثلاثة، تحدث رئيس مؤسسة الجادرجي للعمارة والمجتمع المهندس المعماري الدكتور حبيب صادق، مُشدداً على أنه لا يوجد أي عمل معماري من دون رؤى سياسية متطورة.

وقال صادق، وهو أستاذ في كلية الفنون الجميلة في بيروت، في حديث مع "العربي الجديد" إن الندوة "تُشكل مدخلاً لإطلاق حوار حول أنثروبولوجيا العمران خارج سياق المقاربات التقنية للعمارة والعمران، وذلك عبر المبادرة الجادّة للحوار حول بنية مجتمعاتنا وعمراننا"، مضيفاً: "نحن نعاني من عجز يتمثل في الفجوة بين وهْم الحرفة المثقلة بهوية ماضوية وقصور في مقاربة حاجات الراهن، والسعي إلى تحقيق التوازن بين إحياء التاريخي وواقع تحولات المجتمع المعاصر".

كذلك، قدم المؤرخ اللبناني الدكتور فواز طرابلسي مداخلة بعنوان "سحر التسمية ووهم الخرائط... بناية الأسود بيروت ووعد سايكس بيكو"، عرض فيها لتداخل العمارة بالسياسة ومفاهيمها ومصطلحاتها، شارحاً التسمية والخرائط انطلاقاً من "بناية الأسود" في محيط حديقة الصنائع في بيروت، والتي يوجد في مدخلها تمثالان لسيدتين عاريتين ولغزالتين.

ولفت إلى أن اسمها هو بناية الأونيون (أو "الاتحاد") نسبة لشركة الاتحاد للشرق الأدنى، التي كانت تحتل المرتبة الأولى بين شركات التأمين في العالم العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، قبل أن تأتي الحرب الأهلية وتطوي تلك الصفحة الجميلة، علماً أن من وضع تصاميم المبنى هو المهندس المعماري اللبناني الكبير أنطون ثابت، أما التمثالان الحجريان عند مدخلها الشمالي (طريق سبيرز)، فهما من صنع النحات الفرنسي الشهير ماريوس جان دورييه عام 1953.

أما المؤرخ اللبناني الديبلوماسي خالد زيادة فقد تناول في مداخلته مفاهيم العمران منذ ابن خلدون إلى يومنا الحالي، وشرح بطريقة مبسطة تاريخ العمارة منذ حملة نابوليون بونابرت على مصر والإجراءات العمرانية في العام 1801 وما أحدثته السلطة في طرابلس خلال أحداث العام 1958، مشيراً إلى أن بيروت الحداثة والعمارة "أحدثت شرخاً طبقياً وثقافياً بين بيروت القديمة وبيروت الحديثة".

وفي الختام، قدّم المعماري العراقي المهندس، معاذ الألوسي، مداخلة ألقى من خلالها الضوء على التشوهات التي أحدثتها الحداثة، والتفاوت الهائل بين الأبنية وكل ذلك في سبيل الربح الريعي، من دون انتباه للتركة الثقافية الهامة من التراث.

وتناول الألوسي التجربة العراقية التي تبدلت كثيراً في العقدين الأخيرين، وقدم نماذج حول البنى التحتية والأسواق، وأكد أن نسيج المدن منذ آشور مؤلفٌ من نسيج عمراني مترابط، وتحدث عن "المولات" في بغداد التي شوهت المكان ونظام الحركة فيه وتدرجاته.

في كتابه "المدخل إلى سوسيولوجيا التراث"، قال فريدريك معتوق: "إن الغربي يدخل إلى إرثه الثقافي من باب الحاضر، لا إلى حاضره من باب الماضي". وهذا موقف معرفي هام ومتميز عما هو عند سواه من حضارات أخرى وهذا يعني أن موقف الغربي من تراثه يخضع لعملية فصل بين ما هو ثقافي وما هو تاريخي. فيما علاقة العربي بتراثه "علاقة عضوية حيث إن هويته القومية برمتها تتغذى من التراث، لارتباطه في وعيه بأبعاد حضارية وتاريخية ودينية وسياسية على حد سواء. فعلاقة العربي بتراثه مثالية وتمجيدية، يُعبّر من خلالها عن هذا التمجيد بتغليب الشكل على المضمون في التعاطي مع هذا التراث"، وفقاً لما قاله المعماري حبيب صادق في ختام الندوة.

المساهمون