الصحف الإيرانية فرِحة لخسارة ترامب: "هزيمة قاتل سليماني"

08 نوفمبر 2020
الصحف الإصلاحية وجدت في فوز بايدن فرصاً (آتا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

أبدت الصحافة الإيرانية، الورقية والإلكترونية، من مختلف التوجهات السياسية، منذ أشهر، اهتماما غير مسبوق بالانتخابات الأميركية، زاد هذا الاهتمام في الأيام الأخيرة، سواء يوم إجراء الانتخابات أو الأيام التي أعقبتها مع تواصل عمليات الفرز وظهور النتائج الأولية إلى أن أعلن عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، مساء أمس السبت.

وكان هذا الاهتمام الواسع مدفوعا بتأثيرات نتائج هذه الانتخابات على معيشة الشارع الإيراني. فضلاً عن خطورة المرحلة التي دخلها الصراع الإيراني الأميركي المستمر منذ أربعين عاما في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يعتبر أشد الرؤساء الأميركيين خصومة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقام بما لم يقم به أسلافه، بدءا من فرض عقوبات تاريخية غير مسبوقة على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، ما وضعها أمام أزمة اقتصادية مستفحلة، ووصولا إلى اغتيال أبرز جنرالاتها قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" الإيراني.  

وتناولت الصحف الإيرانية، اليوم الأحد، نتائج الانتخابات الأميركية وفوز بايدن، من منطلقات مختلفة، لاختلاف توجهاتها السياسية والحزبية، فركزت الصحافة المحافظة على خسارة ترامب في الانتخابات مع التقليل من أهمية فوز بايدن، لكن الصحافة الإصلاحية ركزت على فوز المرشح الديمقراطي والفرص التي يمكن أن يخلقها لإنهاء التوترات بين طهران وواشنطن، وسط تفاؤل صحف إصلاحية وتشاؤم أخرى بأن يؤدي هذا الفوز إلى انفراجة كبيرة في العلاقات بين الطرفين. 

ووسط هذا الاهتمام المختلف في أشكاله ودلالاته، تبادلت صحف محافظة وإصلاحية اتهامات، لتتهم الأولى الإصلاحيين بالسعي لتوظيف فوز بايدن لتوجيه المعادلات الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المزمع عقدها خلال أيار/مايو 2021 لصالحهم والفوز بها، بينما اتهمت صحف إصلاحية جهات محافظة بأنها كانت راغبة بفوز ترامب لمكاسبها من العقوبات والسيطرة على الرئاسة المقبلة. وهنا لا يخفى أن شخصيات من تيار الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، لم تخف انزعاجها من انهزام ترامب، حيث اتهم مستشاره السابق، عبدالرضا داوري، صراحة الديمقراطيين في تغريدات عدة، بسرقة الانتخابات وتزويرها، معلناً عن دعمه الصريح لترامب.  

واشتركت الصحافة المحافظة والإصلاحية في التعبير عن الفرح لانهزام ترامب في الانتخابات الأميركية، اليوم الأحد، وذلك خلافا لتصريحات المسؤولين الإيرانيين بأنه لا يهم إيران من سيفوز بالانتخابات.  

وتنوعت مانشيتات الصحف الإيرانية بين "كأس النصر في يد جو بايدن" لصحيفة "إيران" الرسمية التابعة للحكومة، و"تم رمي قاتل الحاج قاسم (سليماني) ومهندس سياسة الضغط الأقصى" لصحيفة "جوان" المقربة من الحرس الثوري الإيراني، و"أميركا غيرت القناع" لصحيفة "خراسان" المحافظة، و"رفض الشعوبية".  


فرصة ثمينة 
صحيفة "كيهان" المحافظة المعروفة بمواقفها المتشددة، عبرت في افتتاحيتها بقلم مديرها حسين شريعتمداري عن فرحتها لخسارة ترامب الانتخابات، معتبرةً أن انهزامه "هزيمة لأميركا حتما"، ومؤكدة أن ذلك "أمر جيد للجمهورية الإسلامية الإيرانية وجبهة المقاومة".  

وقال شريعتمداري إن "هذه الهزيمة الأميركية هي هزيمة للسعودية المعتدية على اليمن أيضا، والجبهة السعودية الأميركية في لبنان"، مشيراً إلى أن "انهزام ترامب للفلسطينيين يعني انهزام نتنياهو وفشل السياسات المعادية للفلسطينيين المتمثلة في صفقة القرن". 

كما اعتبرت "كيهان" أن "انهزام القاتل الخبيث للواء سليماني ستكون له نتيجة جيدة للجمهورية الإسلامية. هذه الهزيمة تمنحنا فرصة لانتهاز فرصة أميركا الفاشلة الغارقة في المشاكل المتعددة للتخلص من الضغوط الراهنة من خلال تخطيط صحيح"، موضحةً أن "فشل سياسة الضغط الأقصى الأميركية سيقلل ثقة الإدارة الأميركية الجديدة بهذه السياسة وهذا يخلق لنا وضعا افضل في الفضاء الدولي".  


استراتيجية موحدة 
أما صحيفة "آفتاب يزد" الإصلاحية، فدعت افتتاحيتها بقلم السفير الإيراني السابق لدى لندن، جلال ساداتيان، إلى إعداد استراتيجية موحدة للاستفادة من الفرصة التي يخلقها فوز بايدن لإيران للدخول في المفاوضات المحتملة معه بـ"صوت واحد وموحد"، قائلا إن "الوحدة لها أهمية قصوى في هذا التوقيت، وليس أن تقول الحكومة شيئا والبرلمان شيئا آخر".  

وأكد ساداتيان أنه "في حال وحود سياسة إيرانية موحدة تجاه إدارة بايدن يمكن لإيران أن تنتزع تنازلات جيدة من بايدن بغض النظر عن توجهاته"، داعيا إلى إعداد إيران "خارطة طريقها قبل أن يشكل بايدن فريقه لتتمكن من تحصيل امتيازات مناسبة منه"، غير أنه قال في الوقت ذاته، إنه "لا ينبغي أن يتوقع أي من الطرفين (طهران وواشنطن) امتيازات كاملة لنفسه دون أي امتياز للآخر".  

وأشار ساداتيان إلى أن ثمة رأيا قائلا بأن بايدن على عكس رئيسه السابق باراك أوباما ينتمي إلى طيف من الديمقراطيين لن يبدي انعطافا كالذي أبداه أوباما، مؤكدا صحة هذه القراءة، لكنه قال أيضا إن "الأهم من ذلك هو أن إيران في هذه الدورة الجديدة ماذا يمكن أن تفعل".  

الاهتمام بالداخل 
أما صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية، فدعت في افتتاحيتها إلى ضرورة التركيز على الداخل والاهتمام بالقدرات الداخلية بدلا من الرهان على فوز بايدن، معتبرةً أن وصوله للسلطة في الولايات المتحدة "مسكّن (مخدر) موقت". ودعت إلى معرفة أن الإدارة الديمقراطية الجديدة "إلى أي حد يمكنها رفع العقوبات الظالمة وثانيا ما هي الضمانات لأن لا تكون الإدارة الأميركية المقبلة (بعد بايدن) تابعة للترامبية ومسار ترامب السياسي؟ ليتكرر المشهد"، في إشارة إلى الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع واشنطن ودول أخرى، وانسحب منه ترامب. 

وقالت "آرمان إمروز": "إننا لم نتمكن من فصل اقتصادنا عن النفط ويجب إجراء عملية جراحية لإخراج هذه الغدة السرطانية ولكل عملية جراحية تكاليفها ومعاناتها. علينا أن نتجه نحو الاقتصاد البديل أي اقتصاد التقنيات والإبداعات"، معتبرة أن "معضلة إيران الأساسية هي الفضاء الداخلي وليس الخارج". 

ودعت الجمهورية الإسلامية إلى الحصول على ضمانات قانونية ملزمة تحد جدا من إمكانية انسحاب أي من الأطراف من الاتفاق، في حال وصلت إلى قناعة بشأن الدخول في المفاوضات مع إدارة بايدن"، معتبرة أن ذلك آلية مناسبة لعدم تكرار تجربة الاتفاق النووي.  


منبر بايدن 
لكن صحيفة "وطن أمروز" المحافظة اتهمت الإصلاحيين الذين وصفتهم بأنهم "تيار موال للغرب بأنهم لا يألون أي جهد لربط مصير المجتمع الإيراني بنتائج الانتخابات الأميركية"، وبأنهم "منبر الحزب الديمقراطي في إيران ويسعون لربط أي انفراجة اقتصادية بوصول بايدن للسلطة".  

واتهمت الصحيفة الأصولية التيار الإصلاحي في إيران بـ"تحويل فوز بايدن إلى كلمة سر لترميم صورتهم لدى الشارع" في إيران، قائلة إن "عدم عودة بايدن إلى الاتفاق النووي من دون شروط مسبقة من شأنه أن يشكل تحديدا جادا لمزاعم الإصلاحيين في ربط مصير الاتفاق النووي بترامب نفسه"، معتبرة أن ما فعله ترامب لم يخصّه هو وحده، وإنما كانت سياسة الولايات المتحدة. 

الانتخابات الإيرانية 
ثمة قراءة لدى مراقبين في إيران أن نتائج الانتخابات الأميركية تؤثر على معادلات الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المزمع إجراءها خلال مايو/ أيارالمقبل، حيث يقول البعض إن فوز بايدن يربك حسابات المحافظين الانتخابية وخصوصا المتشددين منهم، الذين صوبوا جل جهودهم على الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران لانتزاعها من خصومهم "الاعتداليين" والإصلاحيين، بعد سيطرتهم الكاملة على البرلمان خلال انتخابات فبراير/ شباط الماضي، لإكمال قبضتهم على السلطة، حيث سيدفع وجود المرشح الديمقراطي على رأس السلطة في الولايات المتحدة صناع القرار الإيراني إلى دفع شخصيات معتدلة إلى الواجهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا يكون لديها مواقف متشددة من خوض تجربة المفاوضات مرة أخرى مع واشنطن.  وفي السياق، كتبت صحيفة "جمهوري إسلامي" المقربة من الإصلاحيين والتيار "الاعتدالي" في إيران، أن "قضية الانتخابات الأميركية من شأنها أن تؤثر شيئا فشيئا على رغبة شعب أدار ظهره لصناديق الاقتراع"، في إشارة إلى تراجع مشاركة الإيرانيين في الانتخابات، والتي وصلت إلى أدنى مستوى لها خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة بعد تراجعها إلى 43 في المائة. 

وأضافت الصحيفة أنه "ربما لن يكون ما تبقى من الطريق حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة (في إيران) سالكا وسهلا كما يتصور تيار خاص وأنه ربما يكون من الوهم التصور أنه من خلال مشاركة أدنى مثل ما حدث في الانتخابات البرلمانية يمكنه السيطرة على رئاسة الجمهورية".  

لكن "جمهوري إسلامي" في الوقت ذاته، اعتبرت أن "الأفق لنجاح التيار السياسي المستقل في البلاد ليس واضحا بعد وعلينا أن ننتظر التطورات المقبلة"، داعيا الحكومة والخارجية الإيرانيتين إلى "عدم الاهتمام بتهديدات المتطرفين... واغتنام فرصة الشهور التسعة المتبقية (لولايتها) لإعادة الأمل إلى الشارع الإيراني بحكمة".  

ودعت الصحيفة الحكومة الإيرانية إلى اتباع المسار نفسه قبل مجيء ترامب، أي الدخول في مفاوضات مع إدارة بايدن، معتبرة أنه "في حال تابع الجهاز الدبلوماسي الإيراني باستقلال وصلابة المسار الذي كان متاحا قبل مجيء ترامب وحصل انفراج في مشاكل الشعب الاقتصادية، حينئذ يمكننا أن نعقد آمالنا على أن انتخابات 1400 (الاستحقاق الرئاسي الإيراني المقبل) ستكون ملحمة كبيرة".  

واعتبرت الصحيفة أن "هذا ما يحتاجه النظام ويضمن له بقاءه بعزة"، داعيةً "التيارات السياسية المختلفة والمؤسسات الانتخابية والأجهزة المؤثرة لإدراك هذه الفرصة الذهبية والتحرك في اتجاهها". 

المساهمون