الصحافة التونسية في 2022: ملاحقات واعتداءات ورقابة

23 ديسمبر 2022
مخاوف على مصير المؤسسات الإعلامية المصادرة (ياسين محجوب/Getty)
+ الخط -

هل انتهت سنوات العصر الذهبي لحرية الصحافة في تونس؟ سؤال يطرحه المتابعون والصحافيون في البلاد التي شهدت انتكاسة مقلقة في المجال خلال العام الحالي، وسط تصاعد الاعتداءات على الصحافيين، وملاحقتهم قضائياً، وقرار قانون يستهدف النشر عبر الإنترنت. معالم الانتكاسة لاحت مع إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد قراراته "الاستثنائية" في 25 يوليو/تموز 2021.

خلال العام الحالي، تصاعدت الاعتداءات على الصحافيين التونسيين، ووصل عددها إلى 244 بحلول نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفقاً لتقرير أعدته النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. وبلغت ذروة هذه الاعتداءات خلال تغطية الاستفتاء على الدستور التونسي الجديد في 25 يوليو الماضي.

وقال نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي، لـ"العربي الجديد"، إن تصاعد هذه الاعتداءات "مؤشر خطير على الظروف الصعبة التي يعمل فيها الصحافيون". وأضاف: "تونس لم تشهد هذا الكم من الاعتداءات منذ الثورة عام 2011، ما يترجم السعي للعودة إلى مربع الاستبداد الأول، وهو أمر نرفضه وسنتصدى له".

وتواصل السلطات التونسية ملاحقة الصحافيين بسبب قضايا تتعلق بالنشر، وآخرها الحكم على مراسل إذاعة موزاييك أف أم، خليفة القاسمي، بالسجن مدة سنة، لرفضه الكشف عن مصادره، بعد نشره خبراً يتعلق بتفكيك "خلية إرهابية" وتوقيف عناصرها. هذا الحكم استنكرته مؤسسات حقوقية تونسية ونقابات، ورأت فيه تهديداً جديداً لحرية الصحافة، خاصة أنه لم يستند إلى المرسومين 115 و116 المنظمين القطاع الإعلامي في البلاد.

الملاحقة طاولت أيضاً مدير "بزنس نيوز" نزار بهلول، الذي مثل في نوفمبر أمام فرقة مكافحة الإجرام على خلفية مقال نشره الموقع بالفرنسية، وعنوانه: Najla Bouden, la gentille woman (نجلاء بودن، المرأة اللطيفة)، بعدما قدمت وزيرة العدل ليلى جفال شكوى ضده، متهمة إياه بـ"نشر أخبار غير صحيحة وثلب (شتم) رئيسة الحكومة نجلاء بودن والادعاء بالباطل".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

كما يقبع عدد من المدونين والصحافيين في السجن في القضية المعروفة بقضية شركة إنستالينغو المختصة في إنتاج المحتوى الرقمي. إذ وجهت إليهم تهم تتعلق بـ"تبديل هيئة الدولة، وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً، وإثارة الهرج والقتل والسلب، وارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة، والاعتداء على أمن الدولة الخارجي"، وهي تهم قد تصل عقوباتها إلى الإعدام.

التضييق على حرية الصحافة والتعبير في تونس يقنن عبر المرسوم الرئاسي عدد 54 الصادر في سبتمبر/أيلول الماضي، المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. واعتبرته أكثر من 46 منظمة مهنية وحقوقية تونسية "خطراً داهماً"، كما دعت أكثر من 200 شخصية سعيّد للتراجع عنه. المرسوم ينص على عقوبة السجن مدة خمسة أعوام وغرامة مالية تصل إلى أكثر من 15 ألف دولار، "لكلّ من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال، لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذباً للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني". وتُضاعف العقوبة إذا كان المتضرر موظّفاً أو مسؤولاً في الدولة. وينص الفصل التاسع منه على أنه يمكن "لوكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق أو مأموري الضابطة العدلية المأذونين في ذلك كتابياً أن يأمروا بتمكينهم من البيانات المعلوماتية المخزّنة بنظام، أو حامل معلوماتي، أو المتعلّقة بحركة اتصالات، أو بمستعمليها، أو غيرها من البيانات التي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة".

وكانت النائبة السابقة بشرى بلحاج حميدة قد نبهت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحريات العامة والفردية وحرية الصحافة في تونس تواجه اليوم أخطاراً حقيقية، بعد تتالي المحاكمات بحق الصحافيين والناشطين السياسيين، وهي مؤشرات خطيرة عن تراجع تونس عن أبرز مكاسب ثورتها".

إلى ذلك، لا تزال المؤسسات الإعلامية تئن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية مع تراجع إيراداتها من الإعلانات. والأوضاع الاجتماعية الأصعب يعيشها العاملون في المؤسسات الإعلامية التي صادرتها الدولة بعد نجاح الثورة التونسية، وهي "كاكتوس برود" و"شمس أف أم " و"دار الصباح". هذه المؤسسات مهددة بالاندثار التام نتيجة عدم رغبة الحكومة التونسية في إيجاد حلول عملية لأزماتها المالية، ما قد يدفع أكثر من 700 موظف نحو البطالة.

في مقابل كل ذلك، يؤكد سعيّد في كل ظهور إعلامي احترامه الحريات العامة والفردية وحرية الصحافة. لكن تونس تراجعت 21 نقطة هذا العام في مؤشر حرية الصحافة الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود.

المساهمون