اتخذ التضامن مع قطاع غزة أشكالاً تعبيرية متعددة، مثل التظاهرات ودعوات المقاطعة وحملات المناصرة على منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب مشاركة صور الشهداء والجرحى، ونشر مقاطع الفيديو لآثار قصف الاحتلال الإسرائيلي. ومن بين تلك الأشكال أيضاً، حضرت السخرية كأحد أشكال التعبير الأكثر نقداً وكشفاً لدعايات الاحتلال ورواياته الملفقة حول عدوانه على القطاع.
كان المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري في مقدمة من تعرضوا للسخرية، وذلك بسبب حجم الكذب الذي يظهر في مقاطع الفيديو التي ينشرها، ففي إحدى المرات، نشر هاغاري مقطع فيديو من داخل مستشفى الشفاء، زعم فيه أن عثر على ورقة كانت معلقة على الحائط مكتوبة عليها "قائمة أسماء عناصر حماس الذين يحرسون الرهائن"، إلا أن الورقة لم تكن أكثر من جدول بأيام الأسبوع، ليحذف هاغاري الفيديو بعد حملات سخرية واسعة استهزأت بغبائه. وصار المتحدث مادة لصناعة "الميمز" (Memes) ومدعاة للسخرية كلما ظهر في فيديو جديد يستعرض فيه أدلة جديدة من أرض المعركة، مثل حفاضات الأطفال وعبوات الحليب.
كما تحول رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مادة للسخرية، عندما أعلن أن قواته تحاصر بيت يحيى السنوار في قطاع غزة، مبدياً أهمية هذا الإنجاز، إلا أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قابلوا هذا الخبر بتعليقات ساخرة لا ترى في هذا الإنجاز إلا نوعاً من عجز جيش الاحتلال عن تحقيق أي حسم حقيقي على الأرض لصالحه. وعبّرت تعليقات أخرى عن غباء الاستخبارات التي تظن أن قادة المقاومة لا يزالون في بيوتهم حتى الآن.
هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها نتنياهو محط سخرية، ففي بداية العدوان، ولتبرير حربه، قدّم للعالم صورة زَعم أنها لطفل إسرائيلي أحرقته المقاومة، لكن اتضح لاحقاً أنها ليست صورة حقيقية، وإنما صورة كلب عند طبيب بيطري عُدّلت عبر الذكاء الاصطناعي.
بالطبع، لم يسلم المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي من الاستهزاء به بسبب كثرة المغالطات التي يقع فيها عند مداخلاته بشأن ما يحدث، وخلال مشاركته الصور على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل صورة النفق التي نشرها وأفاد بأنها أحد أنفاق المقاومة المتكشفة في غزة، بيد أن الصورة كانت لأحد الأنفاق في السويد، ما جعل أدرعي مادة للسخرية في أوروبا.
مشاركة الصور الخاطئة كانت سبباً لإحراج عدد من مشاهير السياسة والعسكر والفن، مثل ما نالت الممثلة الأميركية جيمي لي كيرتيس، المؤيدة للاحتلال، حظها من التهكم، نتيجة نشرها صورة ظنت أنها لأطفال إسرائيليين، وكانت الصورة للفوتوغرافية سمر أبو العوف؛ إذ توثق فيها رعب مجموعة أطفال غزيين وهم ينظرون إلى السماء حيث الطائرات الحربية تستعد للقصف.
عندما تتجاوز السخرية مجال التنكيت لأجل التنكيت فقط، فإنها تسجل نقاطاً وأهدافاً في مرمى الاحتلال، الذي اعترف في أكثر من تقرير عن كم الأذى والضرر اللذين يلحقان بجنود جيش الاحتلال جراء الاستهزاء بهم في ظل ما يمرون به، إذ نشرت القناة 12 العبرية تقريراً ذكرت فيه أن هناك ظاهرة جديدة تنتشر وأصبحت رائجة في جميع أنحاء العالم، وهذه الظاهرة هي فيديوهات تتهكم بجنود جيش الاحتلال. وذكر التقرير أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة فقط على "الأعداء"؛ إذ انتقلت إلى أوروبا وأميركا.
وعند حديث القناة عن أسباب انتشار هذه الظاهرة، قالت إن الإعلامي الأميركي جاكسون هينكل، المعروف بعدائه لإسرائيل، هو أحد أسباب نشوء الظاهرة، لدرجة أنه جرى حظر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي في الداخل المحتل.
ربما أصدق ما قيل عن السخرية وأهميتها كنوع من المؤازرة والتضامن، حتى ونحن في أشد اللحظات التزاماً، ما كان قد كتبه الراحل غسان كنفاني ذات مرة تحت اسم فارس فارس: "السخرية ليست تنكيتاً ساذجاً على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعاً خاصاً من التحليل العميق".