يَرِد ذكر اغتصاب زينب دياب في رواية "الكرنك" (1974) عَرَضاً، من خلال حوارها مع الراوي، وبأقل قدر من الكلمات، ومواربةً لا صراحةً، على خلاف مشهد الاغتصاب في الفيلم الذي اعتبره بعضهم الأكثر شهرة وجرأة في تاريخ السينما المصرية، إذا استثنينا ما يُعرف بأفلام المقاولات. فعلى خلاف وصفه الحيي في الرواية، يبدو مشهد الاغتصاب في الفيلم حسياً، ومباشراً، وعنيفاً، ويكاد يكون واقعياً. لا يقتصر الاختلاف بين الرواية والفيلم المأخوذ عنها على هذا المشهد، بل يشمل كثيراً من المشاهد. وهناك ما هو أكثر؛ فالمخرج علي بدرخان والسيناريست ممدوح الليثي، أدخلا عناصر رئيسية في الفيلم لم تكن موجودة أصلاً في الرواية، فالعمل السينمائي يبدأ بمشهد العبور التاريخي عام 1973 وينتهي به، وهو حدث في عصر الرئيس الراحل أنور السادات وليس الرئيس عبد الناصر الذي تدور أحداث الرواية كلها في عهده، وتحديداً في السنة التي سبقت هزيمة حزيران عام 1967، والسنة التي أعقبتها، ولم تتطرق الرواية من قريب أو بعيد إلى حرب أكتوبر، بل إنها كُتبت أصلاً عام 1971، أي قبل عامين من العبور.
من يقرأ الرواية التي صدرت قبل إنتاجها سينمائياً بعام واحد، لن يجد كبير عناء في معرفة أنها خضعت لرقابة مشددة وحُذف منها الكثير، وهو ما أكده نجيب محفوظ نفسه. وذهب بعض النقاد إلى أن النسخة المطبوعة (نحو 80 صفحة) تشكّل قرابة نصف الرواية الأصلية، ما يفسّر ربما كونها أضعف روايات محفوظ، والوحيدة ربما التي تبدو فيها المعالجة السينمائية أفضل من النص الأدبي المأخوذة عنه. المدهش أن خلاصة كهذه قيلت بُعيد السماح بعرض الفيلم بأمر خاص من السادات نفسه، وكتب ما يشبه ذلك القاص يوسف إدريس الذي لم يعجبه مشهد الاغتصاب؛ إذ اعتبره أسخف وأضعف مشاهد الفيلم، خصوصاً أنه رأى أن الفيلم "رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى"، واعتبر إدريس أن "الكرنك" أشبه بريبورتاج صحافي، وأن محفوظ وإنْ كان سيد الرواية، إلا أنه يُنتج "فناً كبيراً أحياناً و'كرنكاً' في أحيان أخرى". ما يعني أن الرواية ضعيفة وذات دور وظيفي لا جمالي، وأن محفوظ أخطأ بنشرها.
ورأي كهذا له وجاهته، نظراً إلى أن الناقد ما لم يكن مؤرخاً أدبياً، يُعنى بالنص الذي بين يديه وليس ذاك الذي حُذِف ولا توجد نسخة عنه. ويبدو أن تدخّل الرقيب كان كبيراً، ففرّغ أسلوب محفوظ من عمقه وقدرته الفذة في بناء شخصياته ورصد تحولاتها، ما عوّضته المعالجة السينمائية على الأغلب.
وإضافة إلى "الكرنك"، فإن رواية محفوظ "الحب تحت المطر" (1973)، تعرّضت أيضاً لعمليات حذف قاسية، ما يجعلهما الروايتين الوحيدتين في مسيرة محفوظ الإبداعية اللتين تختلفان عن نصيهما الأصلييْن، مع فارق حاسم يتمثل في أن الحذف في "الكرنك" ألحق ضرراً فادحاً في بنية الرواية، بينما احتفظت "الحب تحت المطر" ببنيتها، وهي تتناول بالمناسبة تحوّلات المجتمع المصري ما بين هزيمة يونيو/ حزيران والعبور، أي أن زمن أحداثها يبدأ من حيث انتهت "الكرنك".
ثمة ما يجدر ذكره هنا، فبالإضافة إلى الضرر الذي ألحقته الرقابة بالرواية؛ فإن الفيلم كاد يقع ضحية هذه الرقابة أيضاً، فوزير الثقافة في حينه، الروائي يوسف السباعي، طالب منتجي الفيلم بحذف شخصية حلمي، المثقف اليساري الذي أدى دوره محمد صبحي، رغم أن الشخصية محورية في بناء الشخصيات الأخرى ومصائرها، فلو حُذفت لانتفى مبرر الشعور بالذنب لدى بطلي الفيلم، زينب دياب (سعاد حسني) وإسماعيل الشيخ (نور الشريف)، الذي شكل مقتل حلمي في السجن جرحاً في ضمير كل منهما، ودفع زينب إلى اللامبالاة فالدعارة، وبإسماعيل إلى الزهد في الدنيا وعزلة الناس، فمقتل حمدي تحت التعذيب (في الرواية)، وخلال ضرب جماعي لمعتقلي الرأي (في الفيلم)، يعتبر أساسياً في الرواية والفيلم، تماماً مثل مشهد الاغتصاب. ومن المدهش حقاً، آنذاك واليوم وغداً، أن يطالب بحذف هذه الشخصية روائي ووزير ثقافة، وليس مدير أمن وطني أو رئيس جهاز استخبارات.