الرقيب الروسي لا يتعب: السجن للجميع

31 مارس 2023
أليكسي موسكاليوف خلال محاكمته (رويترز)
+ الخط -

بعد مرور أكثر من عام على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، يبدو أن موسكو أطلقت من جديد يدها الحديدية على كل ما ينشر ويقال ويصوّر على أراضيها. فبعدما تراجعت (وإن بشكل نسبي) حملة الاعتقالات التي تطاول المواطنين والمدونين وغيرهم في الأشهر الأخيرة، ها هو الأمن الروسي يستعيد نشاطه الداخلي.

إذ كشف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (إف إس بي)، الخميس، أنه احتجز مراسل صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إيفان غيرشكوفيتش، أثناء قيامه بمهمة وسط مدينة يكاترينبورغ، وفقاً لوكالة ريا نوفوستي الحكومية. وأفادت "ريا نوفوستي"، نقلاً عن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، بأنّ غيرشكوفيتش، وهو مواطن أميركي، "متورط في جمع معلومات سرية" حول شركة دفاع روسية. وفتحت قضية جنائية ضده بتهمة التجسس. في حال إدانة غيرشكوفيتش بهذه التهمة، فإنه يواجه السجن لمدة تصل إلى عشرين عاماً. وكانت تقارير إعلامية محلية أشارت سابقاً إلى أنّ غيرشكوفيتش كان في يكاترينبورغ لكتابة تقارير حول الحرب الروسية في أوكرانيا ومجموعة مرتزقة فاغنر.

غادر غالبية الصحافيين المستقلين روسيا العام الماضي بعد إقرار قوانين رقابة صارمة، بينما واصل عدد من المراسلين الأجانب العمل داخل البلاد.

اعتقال غيرشكوفيتش جاء بعد أيام من إعلان المدوّنة والممرضة الأوكرانية الشهيرة إيرينا دانيلوفيتش إضرابها عن الطعام، في سجنها في منطقة القرم التي تحتلها روسيا. وكانت دانيلوفيتش قد اكتسبت شهرة كبيرة مع إطلاق صفحات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي توثق فيها لواقع الفرق الطبية في القرم بعد الاحتلال الروسي، وتنتقد بشكل واضح ممارسات القوات الروسية، لتعتقل في إبريل/ نيسان 2022 نتيجة لهذه التدوينات. وذكر مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان أن دانيلوفيتش بدأت إضرابها في 22 مارس/ آذار، احتجاجًا على رفض السلطات تقديم المساعدة الطبية لها في مركز الاحتجاز رقم 1 في سيمفيروبول في القرم، رغم تدهور وضعها الصحي.

لكن الاعتقالات لا تطاول الصحافيين والمدونين فقط، بل أي مواطن يعلن عن رأيه المناهض للحرب، ولعل القصة الأشهر، هي قصة أليكسي موسكاليوف. وهذا الأخير أب روسي خضع لتحقيق من الشرطة العام الماضي بشأن صورة مناهضة للحرب رسمتها ابنته ماشا في المدرسة، ثمّ تعرّض للاعتقال. لكن الرجل نجح أخيراً في الهروب من منزله قبل ساعات من الحكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة تشويه سمعة القوات المسلحة الروسية، لتجنب إرساله إلى مستعمرة عقابية. وإثر هروبه، الثلاثاء الماضي، تعرّض لانتقادات من الكرملين، لكنه حظي بتأييد رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة.

وكان لقضية أليكسي موسكاليوف صدى واسع النطاق في جميع أنحاء روسيا وخارجها، منذ وضع الأب رهن الإقامة الجبرية هذا الشهر ونقل ابنته إلى دار لرعاية الأطفال. ومما زاد الإثارة المحيطة بالقضية نشر رسالة من ماشا البالغة من العمر الآن 13 عاماً لوالدها الذي يربيها بمفرده. وطلبت منه ألا يستسلم وحثته على "الإيمان والحب والأمل".

ورداً على سؤال لأحد المراسلين الأربعاء، أشار المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى أن موسكاليوف كان أباً سيئاً، وعبّر عن أسفه لما سماه "الوضع المؤسف للغاية فيما يتعلق بأداء الآباء والأمهات لواجباتهم". ورفض التعليق على تدخّل مفاجئ من يفغيني بريغوجين، مؤسس جماعة فاغنر العسكرية الخاصة الذي وصف الحكم على موسكاليوف بأنه "غير عادل، خصوصاً في ضوء حقيقة أن ابنته ماشا ستضطر لأن تعيش في دار للأيتام". وطلب بريغوجين من المدعي العام مراجعة الحكم، وطلب أيضا السماح لمحامي فاغنر بالعمل مع دفاع موسكاليوف.

وأكد فلاديمير بيلينكو، محامي موسكاليوف، لوكالة رويترز، أنه يؤيد كلا الطلبين، حتى لو لم يكن يعلم يقينا دوافع بريغوجين. وقال: "أنا مستعد لقبول أي مساعدة من شأنها أن تساعد موكلي".

لكن موسكاليوف اعتقل في بيلاروسيا، بعدما هرب من الإقامة الجبرية في روسيا، وفق ما أعلنت السلطات البيلاروسية الخميس. ونقلت وكالات أنباء روسية عن متحدّثة باسم وزارة الداخلية البيلاروسية قولها إن "موسكاليوف اعتُقل بناء على طلب الشرطة الروسية"، وهو موقوف حالياً في بيلاروسيا.

ولفت موسكاليوف (54 عاماً) انتباه السلطات في إبريل الماضي، بعدما رسمت ابنته ماشا (12 عاماً آنذاك) صورة في المدرسة تظهر صواريخ روسية تسقط كالمطر على أم وطفلها. واتصل مدير المدرسة بالشرطة التي بدأت تتبّع نشاط موسكاليوف على الإنترنت، وفرضت عليه غرامة بسبب تعليقات تنتقد الجيش الروسي، ثم تم التحقيق معه للمرة الثانية في ديسمبر/ كانون الأول، للاشتباه في تشويه سمعة القوات المسلحة، وهي جريمة بموجب القوانين التي مررت بعد وقت قصير من غزو روسيا لأوكرانيا العام الماضي.

المساهمون