الذكاء الاصطناعي في خدمة إسرائيل: ماكينة للاغتيال الجماعي (1/3)

06 ديسمبر 2023
يحدّد الذكاء الاصطناعي منازل المدنيين وعددهم (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -

كشف تحقيق صحافي، أنجزه يوفال أبراهام، عن توظيف جيش الاحتلال الإسرائيلي الذكاء الاصطناعي من أجل توليد أهداف لقصفها في غزّة. العنوان الذي قد يبدو بسيطاً يكشف كيف تُجمع المعلومات وتُلقّم للذكاء الاصطناعي، لقتل أكبر عدد ممكن من المشتبه بهم، وهذه الكلمة هي المفتاح، كون الأهداف بداية ليست بالضرورة عسكرية، بل إن معظمها من المدنيين الذي يحتمون في بيوتهم. وهذه الأخيرة تتحوّل بلمح البصر إلى دمار، يرزح تحته سكّانه قبل أن يصبح دماراً.
سياسة القتل عالية التقانة هذه تستهدف الأبنية المرتفعة التي يقطنها المدنيون، وذلك من أجل تحريضهم ضد حركة حماس، والمقاومة، وخلق ضرر مستمر في الزمن، يحتاج إعادة إعماره إلى مدة طويلة. لكن المرعب في هذا التحقيق أن الذكاء الاصطناعي هنا يُلقن كميات كبيرة من المعلومات، ويولّد أهدافاً بسرعة تفوق سرعة القصف. أي بصورة ما، ماكينة حساب من يجب أن يقتل، أسرع في عملها من ماكينة القتل نفسها.
الذكاء الاصطناعي هنا يتجاوز في المقتلة التي يسببها العشوائية المرتبطة بالمجازر التقليديّة، أو البيروقراطيّة المرتبطة بالتصفيات العرقيّة. هو يقدم نموذجاً لمقتلة ذات دقة متناهية، خصوصاً أنه بعكس ما يدعي الجيش الإسرائيلي، فإن عدد "الضحايا الجانبيين" معروف ومضبوط بدقة، بل يُوافق على أساسه على قرار القصف أو لا.
هناك ما يثير القشعريرة عند قراءة ذلك التحقيق، كون عملية جمع المعلومات وتصنيفها غير واضحة، لكن لا يخفى على أحد أن إسرائيل كانت تدّعي أنها تمتلك أفضل أنظمة دفاع وتجسس في العالم، بالتالي عملية تلقين الذكاء الاصطناعي من دون التدخل البشري تترك للآلة نفسها حرية القرار، وهذا ما كشفته الشهادات التي أوضحت أن هناك مناطق استهدفت من دون أن يكون فيها أي هدف عسكري. بل وحسب أحد رجال المخابرات في التحقيق، لا يموت طفل في غزة من دون أن يكون أحد قد أمر بذلك.
تسمية هذا النوع من جرائم القتل الجماعي غير معروفة بعد، خصوصاً أنها غير إنسانيّة أبداً. يقول البعض إنها "إنسانية"، كونها تحافظ على حياة من يقوم بالقتل، كونه مواطناً، سواء عبر الدرون أو الطائرة، لكنها تحرم المدنيين من حق الاستسلام، والدفاع عن النفس. هي أساليب قتل بناء على الشبهة. بصورة ما، يتحول الغزيون أنفسهم إلى كتلة بشرية، تجرى "معالجة البيانات" الخاصة بها، وتوليد قائمة بالأهداف التي لا نعرف بدقة كيف يجرى اختيارها، سوى الاشتباه بأنهم من حماس، أو تحرك أعضاء حماس بينهم. ولا تُستثنى طبعا منازل أسر ما تزعم إسرائيل أنها لمشتبه بهم، بوصفها الهدف الأكثر تكراراً.
استخدمت هذه التقنية في الحرب على غزة في عام 2008، لكنها بلغت أوجها في الحرب الحاليّة، خصوصاً أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أكد أن الهدف من العملية هو الكمّ لا النوع، وهذا ما يفسر هوس إسرائيل بمفهوم "ًصورة النصر"، تلك التي، إلى الآن، لم تتحقق فلا شيء يدل على النصر الإسرائيلي سوى صور الأطفال الموتى، وما يفسر أيضاً كثافة القصف على القطاع المحاصر، إذ بلغ عدد الأهداف التي قصفت قرابة ثلاثة آلاف، أقل من نصفها بقليل مولّد عبر الذكاء الاصطناعي.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

يبدو الأمر وكأننا نتحدث عن الخيال العلمي. لكن الذكاء الاصطناعي في هذا العدوان على غزّة كشف عن المخاوف التي لطالما ترددت في عالم التكنولوجيا عن توظيفه في الحروب. وها نحن الآن أمام مثال حيّ وواضح، عن نتائج المراقبة الشاملة والبيانات التي تجرى معالجتها بالذكاء الاصطناعي، تلك التي جاءت نتيجتها حربٌ قد نظن أنها عشوائية، لكنها مُحَوسبة بدقة لامتناهية. القتل عمداً هنا لا ينطبق على حالة واحدة، بل كتلة بشرية بأكملها. نحن نشهد اغتيالاً بالجملة بناء على معطيات دقيقة، أو كما قال أحد رجال الاستخبارات الذين التقى بهم أبراهام: "لا أحد يموت في غزة مصادفةً".

المساهمون