تأتي الزلازل الكبيرة، مثل زلزال تركيا وسورية، فجأة من دون سابق إنذار، مع خسارة كبيرة في الأرواح والممتلكات. لكن العلماء يحاولون تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي على رصد الزلازل الكبيرة من خلال دراسته للصغيرة.
ورغم قدرتها التدميرية، فإن الزلازل الكبيرة نادرة، وفي المقابل تحدث زلازل صغيرة (هزات أرضية) بشكل غير محسوس بشكل دائم، وهي كنز من المعلومات غير المستغلة حول كيفية تطور الزلازل.
وتبرز ورقة بحثية منشورة في دورية Nature Communications كيف يمكن لاستخدام الذكاء الاصطناعي رصد ملايين التحولات الطفيفة في الأرض.
ويقول عالم الجيوفيزياء في جامعة ستانفورد، وأحد معدّي الورقة العلمية، غريغوري بيروزا: "من خلال تحسين قدرتنا على اكتشاف وتحديد موقع هذه الزلازل الصغيرة جداً، يمكننا الحصول على رؤية أوضح لكيفية تفاعل الزلازل أو انتشارها على طول الصدع، وكيف تبدأ، وحتى كيف تتوقف".
وفي مختبر بيروزا في ستانفورد في عام 2017، بدأ التفكير في كيفية حل هذه المشكلة باستخدام التعلم الآلي، وأنتج سلسلة من أجهزة الكشف القوية بشكل متزايد.
نموذج 2018 يسمى PhaseNet، وهو ذكاء اصطناعي تدرّب على تحديد البداية الدقيقة لنوعين مختلفين من الموجات الزلزالية.
وصدر عام 2019 نموذج آخر للتعلم الآلي أُطلق عليه اسم CRED، استلهم فكرته من خوارزميات المشغل الصوتي في أنظمة مساعدات الذكاء الاصطناعي، وأثبت فعاليته في الكشف كذلك. وتعلّم كلا النموذجين الأنماط الأساسية لتسلسل الزلازل من مجموعة صغيرة نسبياً من مخططات الزلازل المسجلة فقط في شمال كاليفورنيا، يقول موقع ستانفورد.
وفي الدراسة الأحدث، أفاد المعدون بأنهم طوروا نموذجاً جديداً لاكتشاف الزلازل الصغيرة جداً ذات الإشارات الضعيفة التي تتجاهلها الأساليب الحالية عادةً. ويستطيع النموذج، المسمى "محول الزلازل"، أيضاً تحديد التوقيت الدقيق للمراحل الزلزالية باستخدام بيانات الزلازل من جميع أنحاء العالم.
ووفقاً للعالم في كلية الأرض والطاقة والعلوم البيئية بجامعة ستانفورد، مصطفى موسوي، يعتمد "محول الزلازل" على PhaseNet وCRED. وعلى وجه التحديد، يحاكي "محول الزلازل" الطريقة التي ينظر بها المحللون البشريون إلى مجموعة الاهتزازات ككل، ثم التركيز على جزء صغير أهم.
ويرصد الذكاء الاصطناعي في "محول الزلازل" مع الخبراء البشريين نوعين من الموجات:
- المجموعة الأولى: المعروفة باسم الموجات الأولية أو الموجات P، تتقدم بسرعة وتدفع وتسحب وتضغط الأرض مثل لعبة سلانكي.
- ثم تأتي بعد ذلك موجات القص أو موجات S، التي تنتقل ببطء أكثر، ولكن يمكن أن تكون أكثر تدميراً لأنها تحرك جانب الأرض نحو الأعلى والأسفل.
وخلال اختباره، أثبت "محول الزلازل" فعاليته على الزلازل الصغيرة التي يصعب على البشر التقاطها وتسجيلها. وباستخدام جهاز كمبيوتر بسيط، قام المحول في ثلث ساعة بعمل يقوم به الخبير البشري خلال شهور.
ويمكن أن يكون فهم أنماط تراكم الزلازل الصغيرة على مدى عقود أو قرون مفتاحاً لتقليل المفاجآت، والأضرار، عند وقوع زلزال أكبر. ويقول بيروزا: "كلما حصلنا على مزيد من المعلومات حول هيكل الصدع العميق ثلاثي الأبعاد، من خلال تحسين مراقبة الزلازل الصغيرة، صار توقع الزلازل أفضل في المستقبل".