الدراما المشتركة... واقع وشخصيات هُلامية

03 يونيو 2024
كاريس بشار وجورج خباز في "النار بالنار" (تويتر)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انتقلت الدراما المشتركة بين سوريا ولبنان من الأعمال التقليدية إلى إنتاج مسلسلات قصيرة مستوحاة من الدراما الأجنبية، لكنها واجهت تحديات في تجاوز الثغرات الإخراجية والحبكاتية.
- تطورت الدراما لتعكس الواقعية أكثر، مع مسلسلات مثل "الهيبة" التي تجسد التحديات الاجتماعية والاقتصادية في سوريا ولبنان، محاولة الإجابة على تساؤلات الجمهور حول قضايا جوهرية.
- شهدت الفترة الأخيرة تزايد اهتمام شركات الإنتاج بتقديم أعمال تقترب من الواقع، معالجة قضايا مثل العنصرية بشكل مباشر وجريء، رغم التحديات في تقديم تحليل عميق للمجتمعات العربية.

فتحت الدراما المشتركة (السورية ــ اللبنانية) أمام كوادرها باباً جديداً للإنتاج، وهو باب منصات المشاهدة والدراما القصيرة غير المقيدة بثلاثين حلقة رمضانية. أغلب هذه الأعمال تتكون من مسلسلات بعشر حلقات، وأغلبها مقتبس من أعمال أجنبية، حبكاتها تشويقية، مثل مسلسل "عالحدّ"، و"الغريب" الذي بُثّ نهاية العام الفائت.
ولكن حتى هذا النوع لم يستطع الخروج عن حدود "المقبول" في الدراما المشتركة بل حاول أن يمزج بين مكونات هذه الدراما على صعيد الحبكة والإخراج، ما جاء بمنتج هشّ لا يخلو من الثغرات التي بإمكان أيّ مشاهد رصدها.
لاحقاً، بدأت هذه الدراما بأشكالها المختلفة بمحاولة التقرب من الواقع والإجابة عن استفسارات الجمهور حول الإشكاليات الجوهرية التي تعانيها؛ فظهر البطل الشعبي المبررة خلفيته ولهجته مع مسلسل "الهيبة"، الذي تحول إلى سلسلة فانتازيا لاحقاً.
اليوم، لم يعدّ هذا النموذج صالحاً ضمن قطاع الإنتاج الدرامي، إذ سرقت الدراما المعرّبة من دراما البان أراب الحبكات الفانتازية، لتغرق الدراما المشتركة في ضرورة اقترابها من الواقع ومحاكاته، بفعل عدد من العوامل وتحت ضغط الظروف في كلا البلدين (سورية ولبنان).
نشهد اليوم دراما مشتركة مزدهرة مع عدد من شركات الإنتاج التي قررت رعاية هذا النمط، أشهرها شركة الصباح. ونرى هذه الدراما تنزلق لتقترب من الواقع أكثر، خصوصاً بعد الانهيار الاقتصادي الحاصل في لبنان منذ عام 2020، والذي لا يمكن التهرب منه، فكل من السوري واللبناني يعيش واقعاً صعباً في بلد ضاق بكل من يقطنه.
هكذا، نرى الدراما خرجت على مهلها من الحديث عن القصور المغلقة والعائلات الثرية، لتقترب أكثر من الشارع وتحكي لأول مرة عن العنصرية بشكلها الفجّ والمباشر، كمسلسل "النار بالنار" للمخرج محمد عبد العزيز. يتمحور العمل حول العنصرية المتبادلة، لكنه وعلى غرار باقي المسلسلات يبقى على الحياد في مساحة عامة لا مساءلة فيها حول حقيقة هذه العنصرية وحقيقة هذا الواقع؛ إذ تغدو العنصرية التي يقدمها جزءاً درامياً جذاباً يساعد حبكة العمل لا أكثر.
تتشارك الدراما المشتركة ودراما منصات البث الإلكترونية بسمات وملامح واضحة؛ فهي خلطة ما بين قصص التشويق والإثارة وقصص الحب الخفيفة. تحاول هذه الأعمال تحقيق هذه التركيبة لتقدم حبكة غير مترابطة وتضعف بعناصر الحبكة الأساسية التي تستند عليها من شخصيات ومكان وزمان، ولماذا الآن هنا؟ يراود المشاهد العديد من الأسئلة أثناء متابعته العمل، فيصبح المسلسل في لحظة وقد ركّب القصة والأحداث على واقع لا يتجانس معها، ما يجعل الواقع يغدو هجيناً بُني خصيصاً ليتوافق مع الحبكة، فقد قدمت الشخصيات من دون عمق درامي حتى. وقدّم الواقع السوري واللبناني الإشكالي بخفّة، وجُرّد من أبعاده السياسية والاجتماعية. والشخصيات تبدو أقرب إلى أنماط كما نراها في أغلب المسلسلات المشتركة، فالحي اللبناني التقليدي يضم صاحبة محل ودودة وثرثارة ورجلاً عجوزاً يذكّرون المشاهد بماضي لبنان، وكذلك على الشاب مفتعل المشاكل "الأزعر". ويحوي أيضاً الفتاة اللعوب العاشقة، وبضعة سياسيين فاسدين، وبطلاً شعبياً عاشقاً.

العمل المشترك موجه لجمهور عريض، ويعتمد خلال صناعته على هدف أساسي وهو الترفيه وهذا ليس بالأمر السيئ، ولكن وسط ضخامة الإنتاج وكثافته بات الواقع يتشوه مع الوقت، حتى يمكننا القول إن مجموع هذه المسلسلات قدمت صورة لواقع مواز أصبحت راسخة عند متابعي هذه الدراما، وأصبحت تعتمد كأنها صورة عن لبنان وسورية وصورة عن العلاقات العائلية والإنسانية. بشكل أو بآخر، كثافة الإنتاج هذه من دون مراعاة معايير جودة الصنعة ومن دون وضع هدف فعلي، إلى جانب الترفيه، صارت قادرة على زرع صورة مغلوطة عن الواقع.
ما الذي تحاول الدراما المشتركة قوله؟ هو سؤال يطرحه أغلب من يشاهد هذه الدراما؛ فإلى جانب القصص التشويقية لا نرى أي عمق درامي كفيل بتفضيل القصة على الواقع، وفي ظلّ الإشكاليات المتصاعدة في كلا البلدين والصراعات التي بلغت أوجها بدايات إبريل/ نيسان 2024، نرى هذه الدراما لا تزال تقف على الحياد مقدمة شخصيات هلامية.

المساهمون