الدراما العربية والتركية: موجة من التقلبات والتبادلات الفنية

02 مارس 2022
ظافر العابدين في مسلسل "عروس بيروت" (فيسبوك)
+ الخط -

لم تبدأ علاقة المشاهد العربي مع الأعمال التركية حديثاً، بل تجاوز عمرها عشر سنوات، تحديداً منذ عام 2008، حين عرضت قناة MBC المسلسل المدبلج "نور"، من بطولة كيفانش تاتليتوغ وسونغول أودن، وكانت دبلجته بأصوات نجوم الدراما السورية، مثل مكسيم خليل ولورا أبو أسعد، وحقق رواجاً كبيراً؛ إذ حصل على أعلى نسبة مشاهدة، بأكثر من 85 مليون مشاهدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتكرّ وراءه سبحة الأعمال المدبلجة، مثل "سنوات الضياع" و"وادي الذئاب" و"العشق الممنوع" وغيرها. وأصبح الممثل التركي يماثل الممثل العربي، بل يتفوق عليه، شهرةً، حتى إن بعض المهرجانات العربية كرّمت الممثلين الأتراك، مع أن الأعمال كانت تتناول قصصاً عاطفية بسيطة.
مع بداية مرحلة ثورات الربيع العربي وعدم الاستقرار الذي أثّر على صناعة الفنون الدرامية التي توقفت عن التطور، حلّت الأعمال المدبلجة بدور البديل، خاصةً مع تعلّق المُشاهد العربي الذي وجد ضالته فيها، كونها طرحت المشاهد والأفكار المحرّمة وقتذاك، فمشاهد القبلات والأحضان وعرض العلاقات الغرامية بشكلها الاجتماعي المفتوح لم نعتد عليها.
هكذا، أُعجب المشاهدون بمشاهد القصور والبيوت الفخمة والديكورات باهظة التكاليف. كما أن هذه الأعمال أخلّت بمفهوم الرقابة في أعمالنا العربية، التي كانت تسيطر على الحكايات، ولا تتقبل العلاقات قبل الزواج في الدراما.
كما كانت أعمال المافيا والأسلحة تجذب محبي الأكشن والإثارة، بسبب غياب هذا النوع عن الأعمال العربية التي بدأت متأخرة في دخول هذا المجال. كما أن طول عمر هذه الأعمال التي لا تقل عن ستين حلقة، من دون وجود أحداث تفصيلية تتطلب مياومة المشاهدة، جعل منها مادة مناسبة لمن يرغب في التسلية أو إمضاء الوقت، من دون أن يشغل فكره كثيراً، ناهيك عن وسامة الممثلين وجمال الممثلات، والاهتمام بالأناقة والأزياء التي هي نفسها كانت محظورة في الأعمال العربية.
وكانت مجموعة MBC قد فتحت الباب أمام الدراما التركية لتدخل بيوتنا، لتصبح تركيا، وفقاً للإحصاءات، ثاني مُصدّر للدراما في العالم بعد الولايات المتحدة، وهي اليوم تصدر مسلسلاتها إلى أكثر من 90 دولة بالترجمة أو الدبلجة، كما باتت معظم المحطات العربية، وخاصةً اللبنانية، تعرض الأعمال المدبلجة في وقت الذروة حتى، وذلك بسبب الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالقنوات. لذا، تعتبر هذه الأعمال الحل البديل والأرخص من الأعمال العربية، فقد يصل سعر الحلقة أحياناً إلى أقل من مئة دولار أميركي.

لا يمكن فصل العلاقات السياسية وصراعاتها عن النواحي الفنية

من جهة أخرى، لا يمكن فصل العلاقات السياسية وصراعاتها عن النواحي الفنية، فكل مرحلة معينة قد تأخذ مواضيعها الدرامية من شكل العلاقات بين الدول، وهذا ما تمكن ملاحظته خلال فترة التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، حين كانت العلاقات السورية التركية منقطعة، فكانت معظم الأعمال الشامية التي تتناول فترة السلطنة العثمانية تحاول إبراز الأطماع التركية في المنطقة، وسوء معاملة الولاة والجنود للشعب، كمسلسل "الخوالي" الذي يعرض الظلم الذي وقع على نصار ابن عريبي، ومحاصرة الحارة وقطع الغذاء عنها، وما هي إلا أعوام قليلة، حتى تحسنت العلاقات؛ فكان البديل عرض الأعمال الشامية التي تتحدث عن فترة الانتداب الفرنسي، وحتى لو عرضت الأعمال أيام العثمانيين، كانت تبتعد عن نقد السياسة وقتها، بل على العكس باتت تمدح بالقادة الأتراك، مثل مسلسل "أهل الراية"، الذي عرض إنصاف القائم مقام لرضا الشامي حين اشتكى من معاملة مدير السجن له.
ومع اضطراب العلاقات السعودية التركية، تقرّر عرض عمل تاريخي يهاجم الاحتلال العثماني، متخذاً من "ممالك النار" اسماً لوصف تلك المرحلة، كما صُوّر، العام الماضي، عملاً بعنوان "السفر برلك"، يتحدث عن تلك المرحلة وكيف كان تأثيرها على منطقة الحجاز وتهجير الناس من المدينة المنورة.
وعلى النقيض، حاولت الدراما التركية تقديم صورة معاكسة، من خلال سرد السيرة العثمانية بشكلٍ يتوافق والانتماء القومي التركي عبر مسلسلي "قيامة أرطغرل" و"المؤسس عثمان"، الذي تحدث عن تأسيس الدولة ونقلها من الضياع والفقر إلى القوة والصلابة. وكذلك مسلسل "باربروس"، الذي تناول قصة خير الدين باربروس وبطولاته لحماية البحر المتوسط، ليصبح الموضوع أشبه بالحرب الباردة الدرامية، والحائر الأكبر هو المشاهد الذي لا يعرف من يصدق بين الروايتين.
لم تكتفِ الفضائيات العربية بعرض الأعمال التركية المدبلجة، بل بدأت بموجة استنساخ الأعمال التركية المعروضة عن طريق تقدم نسخة عربية طبق الأصل عنها، إذ أصبح انتشار الدراما التركية شأناً لا يمكن إغفاله، وبالتالي قد يكون نجاح النسخة العربية مضموناً. وفي نفس الوقت، قد يكون الأمر يبتعد عن الدبلجة لتجنب المشاكل السياسية الحاصلة. بدأ الأمر مع تقديم نسخة من مسلسل "عروس إسطنبول"، الذي لعب بطولته أوزجان دنيز وأصلى إنقر، وجاءت النسخة العربية بعنوان "عروس بيروت"، من بطولة ظافر العابدين وكارمن بصيبص، التي كانت عروساً مزيفة، لتتسم النسخة بالثرثرة والتطويل والتقليد، من دون مراعاة الخصوصية العربية بما فيها من عادات وتقاليد، أو حتى مواقع تصوير مقنعة لأن تكون في مدينة عربية، مع أن العمل حظي بنسبة مشاهدة جيدة، ووصل اليوم إلى عرض الجزء الثالث الذي كان استجراراً للنجاح ومحاولة للحفاظ على المشاهد.

وتحاول مجموعة MBC مع شركة O3 ميديا، التابعة لها، تقديم نسخ عربية مطوّلة، مثل مسلسل "ع الحلوة والمرة"، الذي عرضته MBC4 ومنصة شاهد، من إخراج التركي فكرت قاضي، علماً أن النسخة التركية التي كانت بعنوان "في السراء والضراء" توقفت عند الحلقة الثامنة بعدما اكتشف المنتجون أنه لم يحقق نسبة مشاهدة كافية، وجاءت النسخة التي لعب بطولتها نيكولا معوض ودانا مارديني باهتة أكثر من الأصلية. وتلقت بطلة مسلسل "الندم" الهجوم الأكبر بسبب غيابها أكثر من عام عن تقديم أعمال درامية، وكان من المتوقع أن تعود بالغنائم، ولكنها عادت بالشكل الذي لم يُرضِ الجمهور، واعتبر العمل خطوة ناقصة في مسيرتها الفنية، التي لم تشكّل درعاً منيعاً لها في باب الانتقادات الذي فُتح ولم يغلق بعد.
وأصبح الأمر سهلاً اليوم، لا يتطلب سوى شراء المحتوى، مهما يكن، وتحويله إلى العربية بشكلٍ ببغائي، واختيار مخرج يتقن الأمر ليقنع المشاهد بأن التصوير الذي يجرى في إسطنبول هو في بيروت. وهذا ما لم يقنع المشاهد في "ع الحلوة والمرة"، وبدأ فعلاً تصوير النسخة العربية من مسلسل "جرائم صغيرة"، لتأتي بعنوان "جنايات صغيرة"؛ إذ يشترك النجوم السوريون واللبنانيون في بطولته، مثل كاريس بشار، وديمة قندلفت، وقيس الشيخ نجيب، وبديع أبو شقرا، وكارلوس عازار وغيرهم، علماً أن العمل توقف عن التصوير مؤقتاً بسبب الحادثة التي تعرضت لها الممثلة ريتا حرب، ليُعلن مؤخراً عن تصوير نسخة عربية من مسلسل "حرب الورود"، الذي عُرِض في عام 2014، وستشارك في النسخة العربية قائمة كبيرة من النجوم مثل محمود نصر، وباميلا الكيك، وصباح بركات، ولين غرة، وأنجو ريحان. وتفتح المجموعة السعودية اليوم باباً سيبقى مُشرعاً لمدة طويلة؛ فالجمهور اعتقد سابقاً أن الأعمال المدبلجة موضة كالأعمال المكسيكية، ولكنها لا زالت مستمرة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

والملفت أن الدراما التركية، بدورها، تعتمد على الاقتباس أيضاً من الدراما الأجنبية، لكنها تقوم بإضافات لجوهر العمل تصل إلى حد تتريكه، ليبدو أنه تركي الأصل، على عكس الطريقة العربية، خاصةً مع تشابه القضايا غير المحسومة في مجتمعهم، كالهوية والانتماء والعنف. كما أنها ستقوم بتقديم نسخة تركية من مسلسل "الهيبة"، كما أعلنت شركة الصّباح، ولكن من دون معلومات عن مدى التغيير الذي ستحدثه النسخة التركية ليصبح العمل يناسب مجتمعهم، ليكون جبل شيخ الجبل برداءٍ تركي.

المساهمون