لم يكن "ميثاق شرف الدراما السورية" الذي وقّع عليه كتاب سوريون قبل عامين سوى تعبير، وربما محدود، عن بعض ما يعانيه الكتاب السوريون، بعد ما يمكن أن يسمّى بـ"تغيير شرط الدراما" بالمنطقة، أو التهافت نحو الأعمال "الخفيفة وغير التنويرية". الأعمال التي غرقت في ثلاثية مكررة، وهي المخدرات والخيانة الزوجية والاغتصاب.
ولأن موقف العديد من كتاب الدراما السورية من الثورة والنظام بدمشق، وبالتالي من داعميه، حرمهم من العمل، إن لم نقل أقصاهم عن الساحة، باستقدام كتاب جدد، اعتمدوا نقل وصفات وقوالب دراما عالمية، تركية أو أميركية، أو لبوا شرط شركات الإنتاج بالأعمال الدارجة.
كل هذا يجعل سؤال أثر موقف الكاتب من الثورة وما يجري في سورية، على عمله واستمرار طرحه دراما جادة تناقش قضايا كبرى، سؤالاً مشروعاً. إذ إن شركات الإنتاج الدراميَّة، المتمركزة بجلّها بمنطقة الخليج العربي، تجعلُ من موقف الكاتب السياسي شرطاً للتعامل معه، خاصّة إذا افترضنا أنّ تلك الشركات، اشترطت ولا تزال، الابتعاد عن أعمال تناقش الثورة السورية أو الثورات العربية عموماً.
السيناريست السوري، عدنان العودة، يعترض على كلمة "حظر" شركات الدراما "للأعمال التنويرية والكبيرة"، بل يرى أن المسألة هي وقت مستقطع لهم، وتجريب شروط جديدة، مستدلاً باستمرار بعض الشركات في إنتاج أعمال جادة، بل وتحاكي الثورة بالعمق، مثل "قلم حمرة" ليم مشهدي، و"غداً نلتقي" لرامي حنا وإياد أبو الشامات، معتبراً خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الدراما المختلفة أو الهادفة بشكل عام، لم تعد هدف الشركات وحتّى المنصّات والمعارضة. والقصة، بالغالب، بحسب تعبيره، لا تتعلق بمواقف سياسية أو بالثورة السورية، إذ "عرفت مواقف العديد منهم عن قرب، ويمكنني تلخيصها بكفانا دم وصراع... نشرات الأخبار تكفي".
ويلفت العودة إلى أن الدراما السورية، بكل مكوناتها، أي الكتاب والفنيين والمخرجين، هي صناعة ازدهرت لفترة، لكنها تدمرت بعد تدمير البلد، ولم تعد هناك وحدة جغرافية أو حتى فنية، يقول العودة: "تشتتنا وتهدمت البلد وصناعة الدراما. وعلينا النظر للدراما كصناعة كما أي صناعة أخرى، لها مدخلات ولها مخرجات، وتلك الصناعة تتأثر بالتمويل والكادر البشري ومدى المنافسة".
لكن الدراما السورية، في رأي الكاتب السوري، تعرضت، فضلاً للتدمير الناتج عن تدمير البلد، إلى أربع ضربات موجعة، وهي وفاة أديب خير وغياب شركة "سما"، كبرى شركات الإنتاج والتوزيع بالمنطقة، ووفاة حاتم علي، كصانع ورافع لسورية والدراما السورية وجودتها، ووفاة المخرج شوقي الماجري صانع "دقيقة صمت"، وعشرات الأعمال الخالدة، وخروج المخرج هيثم حقي "شيخ المخرجين"، وتوقف شركته.
ولكن صناع الدراما السوريين محكومون بشروط الإنتاج، وقد تُفرَض عليهم مشاريع لا تتناسب مع الهموم الثقافية التنويرية أو الثورية الأخلاقيَّة. عن هذا يقول العودة: "لا أنكر أن بعض الكتاب محكومون بشروط الشركات، إذْ يكتبون في مواضيع لا تهم حتى المتلقي الخليجي، محاورها الخيانة الزوجية والمخدرات والاغتصاب. هذه الأعمال قد تكون مطلوبة للأسف، لكنها لا تفرض علينا، ربما تقترحها الشركة، ولنا كامل الحق والخيار، نقبل أو نرفض، ولكن كوننا اليوم من دون وطن، ونعاني من التشتت وعدم الاستقرار، صرنا، بعد تهديم سورية والدراما السورية، نعمل لدى الدول الأخرى كمصر ولبنان والخليج".
أما حول إمكانية وجود مواقف سلبية لدى شركات الإنتاج أو المحطات الخليجية من الثورة السورية والدراما التنويرية الثورية، إن جازت التسمية، قال العودة من دون وقفة وتفكير: "لا أعتقد، إن لم أقل ليس صحيحاً، بدليل عرض (قلم حمرة) و(غداً نلتقي)"، معتبراً أن المسألة لها علاقة بتوجه دراما المنطقة نحو "دراما ربات المنازل"، وهذا شرط طال الجميع وليس السوريين فحسب.
ولكن بعض الكتاب أثبتوا بالأدلة بأنّه جرى إقصاؤهم لمواقفهم السياسية أو لطرحهم أعمالاً تنويرية كبرى، يقول العودة حول ذلك: "لم يجر إقصاؤنا. نحن الكتاب التنويريون أو أصحاب المشاريع، لا نصلح لهذا النوع من الأعمال، ونحن لم نعمل. أنا رفضت أعمالاً عدة عرضت عليّ، وكذلك الزملاء فؤاد حميرة وسامر رضوان ويم مشهدي. نحن من رفض الشكل الجديد للدراما. ولكن حينما تكرر رفضنا، لم تعد الشركات والمنتجون يتواصلون معنا، لأنهم عرفوا موقفنا وصاروا يبحثون عن كتاب جدد".
وكانت مجموعة من كتاب الدراما السورية، قد أصدروا بياناً هو الأول من نوعه ضد شركات الانتاج الدراميَّة، بسبب تحوُّل الأعمال الدرامية السورية أخيراً من صناعة إلى مجرد تجارة تتوسّل العرض على المحطات التلفزيونية. وطالَب الموقِّعون على البيان بمنع الاعتداء على نصِّ الكاتب، وعدمِ العبثِ بشخصياته، التي كتبها وفق تصوُّرٍ صارمٍ يُحيلُ إلى موقفٍ ودلالة لا يجوزُ المساسُ بها. وكشف هؤلاء الكتاب الموقِّعون على البيان أن شركات الإنتاج تقوم باستقدام كتّاب وتكلّفهم بتبديل أو تعديل النص الدرامي الأصلي، والخروج بنَصٍ لا يشبه المحتوى المتفقَ عليه، والذي قد يخالف موقف كاتِبه الأصلي بزج كلام الآخرين وأفكارِهم فيه. طالبين من زملائهم التعهّد باحترام نصوص زملائهم، وعدم التدخل في نصوصهم أو تعديل النص، وتغيير صيغة العقد الذي تُبْرِمُهُ شركات الإنتاج مع الكاتب، من صيغة عقدِ وصفوها بالإذعان إلى صيغة عقد يضمن حقوقه وحقوق جميع الأطراف الأخرى.