الدراما الرمضانية التونسية في ميزان النقد الفني
انتهى عرض كل المسلسلات التي أنتجتها القنوات التلفزيونية التونسية الرسمية والخاصة لعرضها خلال رمضان الحالي، وهو تقليد دأبت عليه الشركات المنتجة التي صارت تكتفي بإنتاج عشرين حلقة من كل عمل درامي، وذلك لتراجع نسب المشاهدة خلال الأيام العشرة الأخيرة من الشهر، وبالتالي تراجع العائدات المالية من الإعلانات التجارية.
الاستثناء هذه السنة هو ما قامت به الشركة المنتجة لمسلسل "الجبل الأحمر" الذي يُعرض على القناة الأولى في التلفزيون التونسي، إذ أعلنت مساء الأربعاء إضافة أربع حلقات بعد الحلقات العشرين المتفق عليها مع التلفزيون التونسي، لضرورات فنية. لكن إدارة التلفزيون التونسي رفضت عرضها، وأعلنت أن الاتفاق مع الشركة المنتجة نص على إنتاج 20 حلقة فقط، وبناء على ذلك كان الاتفاق مع شركات الإعلانات التجارية، وأن إضافة أربع حلقات غير منتظرة قد يسبب تعطل الإجراءات الإدارية وخسارة مادية.
الأعمال الدرامية التونسية التي عُرضت في رمضان 2023 اختلفت الآراء فيها، غير أن هناك اتفاقاً شبه مطلق على تميز ونجاح مسلسل "فلوجة" للمخرجة سوسن الجمني الذي عُرض على قناة الحوار التونسي الخاصة. هذا المسلسل أثار نقاشاً وغضباً وصل إلى حدّ المطالبة بإيقاف بثه، لكنه حقق نجاحاً كبيراً، فالحلقة الأخيرة منه حصدت أعلى نسب مشاهدة في تاريخ الدراما التونسية، وفقاً لمكتب سيغما كونساي المختص بسبر الآراء وقياس نسب الاستماع والمشاهدة. شاهد 4 ملايين تونسي هذه الحلقة، أي بنسبة مشاهدة تقدر بـ87.4 في المائة من إجمالي النسبة العامة للمشاهدة في توقيت بث الحلقة.
عن مسلسل "فلوجة" قال الناقد والصحافي رمزي العياري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الدراما التونسية لا تزال تعاني من ندرة الأعمال، ففي رمضان هذا العام لم يتجاوز عدد الأعمال الدرامية عملين وأكثر من 4 سيتكوم، لكن ما يلاحظ أن الأعمال الدرامية تتميز بجرأة الطرح والتطرق إلى المسكوت عنه في مجتمعنا، مثل مسلسل فلوجة الذي نجح في طرح موضوع صعب ومعقد يمسّ كل الأسر التونسية، وهو مسألة المؤسسات التربوية وانهيار المنظومة القيمية وتفشي مظاهر من الانحرافات الخطيرة".
الصحافي محمد رمزي المنصوري شارك العياري رأيه. وتحدث لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "إلى جانب طرح مواضيع مسكوت عنها في الأعمال الدرامية، هناك تطور في مستوى استعمال التقنيات الفنية الجديدة في طرح هذه المواضيع، فالمخرج ربيع التكالي، في مسلسل الجبل الأحمر، حاول مخاطبة الجمهور بلغة درامية جديدة وجد البعض صعوبة في فهمها، لكنه حقق اختراقاً جيداً لأفق انتظار المتلقي، وجعله يعيد تركيب الأحداث بعد كل حلقة". وأضاف: "الممثلون التونسيون تميزوا في جلّ الأعمال الدرامية، كذلك حافظت قناة الحوار التونسي على تقليدها في منح الفرصة لوجوه فنية جديدة عبر مسلسل فلوجة، وهي وجوه قد يصل البعض منها إلى مستوى عال".
الناقد السينمائي والفني خميس الخياطي أشاد ببعض الأعمال الدرامية، معتبراً أن هناك تحسناً، خصوصاً على مستوى الصورة والإضاءة، مثلما هو الحال في "للا السندريلا" التي عرضت على القناة الأولى في التلفزيون التونسي". أما عن المسلسلات الفكاهية التي قدمت في القنوات التونسية، فأشار المنصوري إلى أن "تحويل فيلم سبق الخير إلى سلسلة نجح وشدّ إليه الجمهور وحقق نسب مشاهدة محترمة، فيما لم يحالف النجاح سلسلة كابتن ماجد، رغم مشاركة عدد هام من نجوم التمثيل فيها، مثل كمال التواتي وكوثر الباردي ويونس الفارحي".
سنة أخرى من الدراما التونسية تمضي، لكن ما يتفق عليه الجميع أن الإعداد للأعمال الدرامية الرمضانية لسنة 2024 يُفترض انطلاقه مباشرة بعد رمضان 2023، خصوصاً لما لاحظه البعض من ضعف في السيناريو، نتيجة الضغط وانطلاق التصوير قبل شهرين فقط من رمضان، مثلما حصل مع مسلسل "الجبل الأحمر".