لا تخلو أيادي وأقدام النسبة الكبرى من نساء منطقة وجدة، شرقيّ المغرب، من نقوش الحنّاء، بأشكالها المختلفة، على مدار العام. إذ تحولت من طقس يصاحب المناسبات السعيدة كالأعراس، وحفلات اليوم السابع للمولود، وغيرها من المناسبات، إلى جزء أساسي من اهتمام النساء من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية.
وامتهنت فتيات كثيرات من الوجديات مهنة النقش. وأصبحت أسماء بعضهن مشهورة إلى درجة كبيرة، داخل المنطقة وخارجها، وبالذات اللاتي يمارسن حرفتهن في عدد من المزارات والأماكن السياحية بالمنطقة التي يزورها السياح من داخل المملكة المغربية وخارجها. زارت "العربي الجديد" بعض النقَّاشَات اللاتي أصبحن يزاولن هذه الحرفة كمهنة للعيش، إذ يخترن الأماكن السياحية للعمل فيها لأجل كسب المال، بسبب كثافة وكثرة عدد الزوار لتلك المنطقة والراغبين في نقش الحنّاء. وتحكي أمينة، وهي واحدة من أشهر النقاشات في المنطقة، حكايتها مع الحنّاء، فتقول لـ "العربي الجديد": "تعلمت هذه الحرفة من طريق الموهبة. فمنذ طفولتي وأنا أحب رسم هذه النقوش بمختلف أشكالها، وتعتبر موهبة بالنسبة إليّ، وبعدها اشتغلت عليها أكثر لتصبح مهنة لي أعيش من خلالها".
وبالنسبة إلى الإقبال على نقش الحناء، فهو قائم طوال السنة، لكن يكون أكثر في فصل الصيف، بحكم كثرة الأعراس وإقبال السياح والأجانب. ويكون الإقبال من طرف البنات الشابات والفتيات الصغيرات وتليهن النساء. وبالنسبة إلى السياح، يكون الإقبال أكثر منهم، لأنّهم من الفئة التي تحب هذا النوع من النقوش في مختلف أجزاء الجسم. هناك من يطلب نقوشاً في الظهر أو الذراع أو الركبة أو اليدين أو الرجلين أو الرقبة، كل واحدة حسب رغبتها، وكل واحدة تختار شكل النقش الذي تريده. وعن طموحاتها في هذه المهنة، تناشد أمينة الحكومة "أن تلتفت أكثر إلى هذه الشريحة من النقّاشات العاملات، بحكم أن شغلنا صعب. نظلُّ طوال اليوم جالسات في الشارع ننادي الزبائن لأجل أن ينقشوا الحنّاء، فلذلك لا توجد عندنا أي حقوق من دعم أو تقاعد أو أوراق رسمية تحمينا... هذا ما أتمناه". وتكمل أمينة: "كما دائماً أتمنى النجاح والتطوير في هذه الصنعة. وأتمنى أن أشتغل مع زبائن كبار كالفنانين وطبقات مهمة في المجتمع".
وتضيف أمينة أن نقش الحناء لا علاقة له أبداً بلون البشرة، فذلك راجع إلى الزبونة واختياراتها ورغبتها. وهناك أنواع مختلفة للنقش، منها النقش الفاسي والمراكشي والخليجي. وأخيراً أصبح النقش الهندي الأكثر طلباً من طرف الشابات، أو رسمة "تسغناس"، وهي علامة الأمازيغ الأكثر طلباً حالياً. وهناك العديد من الأنواع، كالحنّاء المغربية، إذ نجد منها المراكشي والفاسي، وهما لا يختلفان كثيراً، ويتميزان بالخطوط الدقيقة، وهناك الحنّاء الصحراويَّة والخليجيَّة بالسطور الغليظة وباللون الأسود الغامق. وتكمل أمينة: "بالنسبة إلى الدخل، هناك دخل جيد جداً بالنسبة إليّ، وذلك راجع لأنني قديمة في المهنة، فأصبح لي زبائن كلما زاروا المنطقة يأتون عندي مباشرة، وهذا ما ساعدني على كسب دخل جيد".
أما بالنسبة إلى الأدوات المستعملة، فهناك الحنّاء طبعاً، وهي الحنّاء التقليدية المعروفة عندنا هنا في المغرب، وتكون على شكل عجينة خضراء وتتحول إلى اللون الأحمر بعد وضعها. وهناك الحنّاء التي تغزو الآن الأسواق، أو ما تُسمى الحنّة الهندية، وتكون مثل الكريمة الحمراء الداكنة والسوداء حسب رغبة الزبون. والأدوات المستخدمة هي إبرة فقط لأجل رسم هذه النقوش بدقة وفنّ أكثر، والآن أصبح الطلب أكثر على الحنّة الهندية بحكم أنها سريعة الجفاف، وتعطي لوناً في أسرع وقت، ولونها أجمل.
وعن الفرق بين الحنّاء و"التاتو"، تقول النقاشة أمينة إن الحنّاء مجرد نقوش عادية تستخدم خارج الجلد ولا تسبب له أي ضرر، "وهي مرتبطة بتراثنا وعاداتنا المميزة. أما (التاتو)، فهي نقوش تنقش مباشرة على الجلد بإبرة، فهناك فرق شاسع، ويمكن أن تسبب بعض الضرر للجلد، إذا لم يكن هناك اهتمام بطريقة العمل". وتحكي السيدة فاطمة لـ"العربي الجديد"، أن نقش الحنّاء كان تقليداً يجري في طقوس مبهرة ومتنوعة حسب المناطق، وتكون مصحوبة بالفرحة والسعادة، ويُعتقَد في بعض المناطق القروية أنه يجلب الحظ السعيد ويبارك الأرض ويساعد البنات في الحصول على زوج.