ينظر بعض الأثرياء إلى الفن كوسيلة سهلة لمن يرغب منهم في تحويل ثروته إلى أصول عالية القيمة وقابلة للنقل. ولأن تجارة الفن تتيح إمكانية عدم الكشف عن هوية المشترين، كان من الطبيعي أن يستثمر الأثرياء الخاضعون للعقوبات في الفن، وذلك لسهولة نقله عبر الحدود، وإخفائه بعيداً عن أعين المتطفلين. هذه السرية التي تتمتع بها سوق الفن، جعلتها أرضاً خصبة لغسل الأموال والتهرب من الملاحقة.
لتجاوز هذه الميزات التي يتمتع بها جامعو الأعمال الفنية، ويستغلها بعضهم في إخفاء ثرواتهم، أطلقت الحكومة الأوكرانية، أخيراً، منصة إلكترونية جديدة من أجل هذا الغرض. تهدف المنصة تحديداً إلى تضييق الخناق على رجال الأعمال والأثرياء الروس المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين. اسم المنصة "الحرب والفن" ويمكن الوصول إليها عبر موقع الوكالة الوطنية الأوكرانية لمحاربة الفساد (NACP).
المنصة الجديدة عبارة عن قاعدة بيانات توفر قائمة شاملة من الأعمال الفنية المملوكة للشخصيات البارزة ورجال الأعمال الروس الخاضعين للعقوبات. انطلقت المنصة، وهي تحمل أكثر من 300 عمل فني، بهدف منع أصحاب هذه الأعمال من التصرف فيها بالبيع أو التداول عبر صالات المزادات الدولية. ومن المرجح أن يتزايد هذا الرقم خلال الأشهر القادمة، إذ ترحب المنصة بأي بلاغات متعلقة بالثروات الفنية لرجال الأعمال الروس، وتعتبر الحكومة الأوكرانية أن تجارة الفن إحدى الوسائل المتبعة حالياً لتهرب الأشخاص الخاضعين للعقوبات المفروضة عليهم من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
قالت الوكالة الأوكرانية في بيانها المصاحب لإطلاق المنصة إن الأوليغارشيين الروس لا يزال بإمكانهم إخفاء أموالهم بسهولة عن طريق الفن. وستساهم هذه المنصة، بحسب البيان، في العمل على منع التحايل على العقوبات المفروضة على هؤلاء الأشخاص بهدف المزيد من التجميد والمصادرة لصالح أوكرانيا.
تضم قائمة الأعمال التي تضمنتها قاعدة البيانات الأوكرانية أعمالاً مُهمة لفنانين مشهورين، بينها مثلاً لوحة "المخلص" لليوناردو دافنشي، والمعروفة باسم سالفاتور مندي. ولا يُعرف على وجه التحديد سبب إدراج لوحة دافنشي في هذه القائمة، سوى أن مالكها السابق هو الملياردير الروسي دميتري ريبولوفليف. اللوحة نفسها مملوكة حالياً لهيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وحصلت هذه الأخيرة عليها لقاء مبلغ 450 مليون دولار عبر دار كريستيز للمزادات في عام 2017. من الأعمال الفنية الأخرى المهمة، تأتي لوحة "من أجل مارلين"، وهي إحدى أكثر الأعمال شهرة للفنان الأميركي البارز آندي وارهول. بحسب قاعدة البيانات، يملك لوحة وارهول حالياً ميخائيل فريدمان، أحد أبرز المقربين من بوتين.
تضم قاعدة البيانات أعمالاً فنية أخرى لفنانين من عصر النهضة والعصر الحديث. سنجد أعمالاً لفرانسيس بيكون وداميان هيرست وكلود مونيه وبابلو بيكاسو وغيرهم، مع ذكر تفاصيل كل عمل، كتاريخ تنفيذه وقيمته التقديرية ومالكيه الأصليين.
تسعى أوكرانيا إلى جعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للشخصيات الروسية القريبة من بوتين، إذ تتعامل معهم كشركاء له في الحرب. ولا يقتصر الأمر هنا على الأعمال الفنية فقط، بل يشمل كذلك قطع المجوهرات الثمينة والنادرة. وبحسب ما جاء في الكلمة التعريفية للموقع، سيساهم نشر هذه المعلومات وتحديثها باستمرار في تتبع المقتنيات الفنية للشخصيات الخاضعة للعقوبات. وتضم القائمة أسماء كثيرة في عالم المال والتجارة وحتى الموسيقى والموضة. بين هذه الأسماء نجوم وشخصيات بارزة مثل بيتر آفين وفياتشيسلاف كانتور وأندريه ميلنيشينكو وأركادي روتنبرغ وعارضة الأزياء داريا جوكوفا ومغني الراب تيمور يونسوف.
إلى جانب هؤلاء، هناك أشخاص بارزون في عالم الفن، أُدرجوا في قاعدة البيانات على الرغم من عدم خضوعهم للعقوبات. من بين هؤلاء، مثلاً، داشا جوكوفا، مؤسسة متحف غراج للفن المعاصر في موسكو.
جوكوفا واحدة من الشخصيات المرموقة على ساحة الفنون الدولية، إذ عملت لسنوات عضوا في مجلس إدارة متروبوليتان ومتحف لوس أنجليس للفنون. وأدرجت جوكوفا في قاعدة البيانات بسبب زواجها السابق من الملياردير الروسي رومان إبراموفيتش، الذي تربطه علاقة وطيدة بالرئيس الروسي.
تفتح منصة "الحرب والفن" بلا شك جبهة جديدة ومختلفة من الصراع الروسي الأوكراني. ولكن رغم هذه الجدية البادية على هذه الواجهة الإلكترونية، إلا أن الأمر لا يخلو من الثغرات، كما يحمل أيضاً العديد من التحديات أمام تحقيق الهدف من هذه المنصة على الوجه الأكمل.
يتمثل أبرز هذه التحديات في السرية والتغير المستمر في قيمة هذه الأعمال وبيانات مالكيها، إذ يمكن للمالك، مثلاً، أن يتغير عدة مرات في فترات زمنية قصيرة. إلى جانب الحاجة إلى التحديث المستمر للبيانات. ثمة تحد آخر يواجه المشرفين على هذه المنصة، وهو افتقار كثير من هذه الأعمال إلى بيانات ملكية منشورة أو علنية، ما قد يؤدي إلى الالتباس في التفاصيل المتعلقة بالملكية.