الحجر الصحّي وتغيير الحس بالأزياء

01 فبراير 2021
تعرّضت بعض العلامات التجارية مثل H&M لخسائر هائلة (Getty)
+ الخط -

نلاحظ في الأفلام الديستوبيّة، أو تلك التي تلتقط الحياة بعد الكارثة، أن الثياب متشابهة بين الناجين. هي إما شديدة العمليّة أي تساعد على سرعة الحركة وحمل الأشياء، أو تتلاشى بحيث يبقى منها ما يستر العورات المفترضة، فالخطر الذي يحمله "الخارج" يهدد الانتقال والاستقرار سواء كانت الأرض نفسها خطرة، أو الآخرون بوصفهم أعداء محتملين. ما يعني أن الأزياء يجب أن تكون عمليّة، وتساهم في درء الخطر. 

هذا المتخيّل يرتبط بشكل العالم، وما يفترضه من قيود مفروضة على العلاقة مع الآخرين والرغبة بالتشابه أو الاختلاف عنهم، وهذا ما نلاحظه حالياً في ظل الحجر الصحي الممتد، فلا واجهات للمحلات لنتأمل بها ونختار منها ما نريد، ولا أرصفة نتمشى عليها لنشاهد أقراننا وأشباهنا، الجميع في المنزل، أو يركض حول بيته في محاولة للحفاظ على صحته ضد سياسات اللاحركة التي نتجت عن الوباء.  نطرح هذه التساؤلات بسبب الصفعة التي تعرضت لها صناعة الأزياء، خصوصاً أننا كأفراد، نقضي معظم أوقاتنا في المنزل، والعلاقة مع الآخرين تتحرك بين الشاشة وبين محلات اللوازم الأولية من طعام ودواء. وحسب تصريحات الكثير من العاملين في الأزياء: "لا أحد يريد أن يشتري ثياباً جديدة كي يرتديها في المنزل".

هذا العزوف عن الأزياء وشراء الثياب لا يمكن تعميمه، إذاً كيف يتكون الذوق حالياً؟ يمكن القول إن المصدر الرئيسي الآن هو المسلسلات والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ. مع ذلك بحث سريع في المقالات على "غوغل" يكشف أن الميل الآن يتجه إلى الثياب المريحة والفضفاضة، تلك التي تتلاءم مع جو المنزل الذي يفترض الراحة، فلا "آخرين" لنؤدي أمامهم أو نستعرض ذواتنا عنهم. يرتبط هذا الميل بالعمل من المنزل، إذ لا داعي للرسميّة المفرطة. اللازم فقط ارتداء ما هو لائق، وهذا ما انعكس على الأزياء السريعة التي تعرضت لخسائر هائلة، مما دفع بعض العلامات كـ H&M، لتخفيض أسعارها بشدة وتغيير مواسمها. وهذه الإشكالية يشير لها البعض، فغياب المواسم والإنتاج المرتبط بها، ترك الكثير من الأزياء التي لم تعد على الموضة مكدّسة. خصوصاً أن الناس الآن تركز على صحّتها، لا على استهلاك الأزياء.

الميل الآن يتجه إلى الثياب المريحة التي تتلاءم مع جو المنزل

 
هذا الانتقال من كيف نظهر أمام الآخرين إلى كيف نكون صحيين، جعل الثياب الرياضية هي الأكثر تداولاً. والأهم في ظل شح الأموال وفقدان فرص العمل، تحرر الأفراد من ثقافة القطيع والتشابه وملاحقة الموضة، وتم التركيز على الحس الفردي بالجمال، والرغبة بالراحة. وهذا ما أعاد الثياب المستدامة إلى الواجهة، وأصبحت الحياكة المنزلية وإعادة تدوير الثياب هي الأكثر انتشاراً. 

لايف ستايل
التحديثات الحية

أكثر ما انتشر إثر الجائحة هو الأقنعة، وتنويعاتها المختلفة. الماركات الكبرى أنتجت تلك الخاصة بها، وأيضاً هناك خياطون لا مصممون عمدوا على إنتاج أقنعة ملونة وملفتة للنظر. كل هذه التنويعات الجمالية تشكل العلامة الفارقة حالياً بين الأفراد. كل قناع يحكي عن فرد لا فقط على المستوى الجمالي بل العقائدي، فالأقنعة المنزلية والتابعة للماركات غير صالحة طبياً، والكثير من مساحات العمل ترفض استخدامها، وتصر على القناع الطبّي. ولن ندخل في نظريات التشكيك في جدوى القناع، لكن الأزياء هنا تظهر كشكل من أشكال مقاومة التشابه الذي تفرضه السلطة، والتأكيد على الفردانيّة المهددة، والتي تحولت إلى محاولة نجاة من الاكتئاب وأعراض الحجر الصحي. 

الموضوع الآن هوياتي أكثر من ارتباطه بالذوق، فغياب التجمهر والتجمع جعل البحث عن الأشباه أسير الشاشة، واستعراض الذات والافتخار بها، تم ابتلاعه من قبل وسائل التواصل الاجتماعي، أي لا أثر في الفضاء العام. مجرد شيفرات يتم تناقلها ومشاركتها، دون آخرين يتم لمسهم واكتشافهم والتحديق بهم، بل ومحاولة تقليدهم للتطابق معهم. مجرد ساعات من التحديق بالشاشة.

المساهمون