الجمهور الإيراني يفضّل الأفلام الكوميدية على الأعمال الدرامية الناجحة في المهرجانات

19 مايو 2024
نجح فيلم "هتل" في جذب 6.2 ملايين مشاهد (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- السينما الإيرانية تحظى بشعبية دولية بأفلامها الدرامية، لكن داخل إيران، الأفلام الكوميدية تجذب الجمهور أكثر، مع 28 مليون تذكرة بيعت في العام الفائت، ما يعكس تفضيل الإيرانيين للكوميديا كوسيلة ترفيه وهروب من الواقع.
- الأفلام الكوميدية تعالج قضايا اجتماعية ببساطة وتقدم شخصيات نمطية تمثل فئات مختلفة في المجتمع، مما يوفر للجمهور فرصة للضحك والتسلية، وتعد الخيار الأول للترويح عن النفس في دور السينما.
- على الرغم من نجاحها، تواجه الأفلام الكوميدية انتقادات من المحافظين لترويجها لقيم متعارضة مع المبادئ الرسمية، لكن المخرجين يستغلون الكوميديا لانتقاد النظام السياسي بطريقة مبطنة، مع الحفاظ على القيود الثقافية.

تُحقق أفلام الدراما الاجتماعية النجاح للسينما الإيرانية في المهرجانات الدولية، على غرار ذلك الذي يُقام راهناً في مدينة كانّ الفرنسية، لكنّ جمهور الفن السابع في الجمهورية الإسلامية يفضّل الأفلام الكوميدية.

ويشكّل ارتياد صالات السينما البالغ عددها نحو 750 في عموم البلاد، أحد الأنشطة الترفيهية المفضّلة للإيرانيين في نهاية الأسبوع، إذ يجدون فيها متنفساً يروّح عنهم ويُنسيهم ضغوط الحياة اليومية الصعبة غالباً.

واحتلت أفلام كوميدية المراكز الستة الأولى في ترتيب إيرادات شبّاك التذاكر في الجمهورية الإسلامية خلال العام الفائت الذي انتهى في مارس/ آذار وفقاً للتقويم الإيراني، والذي بيعت خلاله 28 مليون تذكرة سينما.

ولاحظ الناقد السينمائي الشهير هوشنك لمكاني في حديث لوكالة فرانس برس أن "هذه الأفلام تتميز بحبكة وبنية بسيطتين تجعلانها في متناول الجميع".

وتتسم أحداث هذه الأفلام بالسلاسة وعدم التعقيد، وتتمحور حول شخصيات تشكّل نماذج نمطية معبّرة عن فئاتها، كالنساء الجذّابات، والشباب الساعين لحياة أفضل، والرجال الوسماء وأولئك المتدينين ذوي التصرفات الخرقاء.

وقال ميلاد، وهو تاجر في السابعة والأربعين، في تصريح أمام إحدى دور السينما في طهران: "نحن بحاجة إلى الضحك، لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي صعب. عندما أذهب إلى السينما، أنسى مشاكلي لبضع ساعات".

وشرحت الممرضة البالغة 24 عاماً، إلهه كارغار، أنها تختار الكوميديا "عفوياً" لرغبتها في "قضاء وقت ممتع" في السينما.

ومن أبرز الأعمال التي استقطبت جمهوراً كبيراً في الأشهر الأخيرة الفيلم الكوميدي "هتل" (فندق) الحافل بالمواقف المضحكة القائمة على سوء التفاهم، وتتناول قصته رجلاً يخفي خطيبته عن طليقته لكي يتمكن من اقتراض المال من عمة الأخيرة. وصُوِّر هذا الفيلم في جزيرة كيش في الخليج التي يهوى الإيرانيون تمضية عطلاتهم في أجوائها المريحة بعيداً عن صخب الحياة اليومية.

حنين

ورغم نجاح "هتل" في جذب 6.2 ملايين مشاهد، فقد حلّ في الترتيب وراء "فسيل" الذي بيعت 7.5 ملايين تذكرة لحضوره، وبات الفيلم الأكثر استقطاباً للمشاهدين في تاريخ السينما الإيرانية.

ويتناول هذا الفيلم الكوميدي مغامرات مجموعة من الموسيقيين قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وبعدها، التي حظرت بعدها موسيقى البوب لأكثر من عقدين.

ويلعب هذا الشريط على وتر الحنين إلى العصر الذهبي للأغنية الشعبية، إذ يستعيد عدداً من الأغنيات الناجحة المعروفة، يؤديها ممثلون يشبهون نجوم المرحلة الممتدة من خمسينيات القرن العشرين إلى ثمانينياته، الذين غادر أكثرهم إيران وانتقلوا إلى الولايات المتحدة.

وقال موظف في سينما "آزادي" في طهران طلب عدم ذكر اسمه: "عندما عرضنا فيلم فسيل، كانت الصالة تمتلئ باستمرار. أعاد هذا الفيلم إحياء السينما التي شهدت ركوداً بسبب جائحة كوفيد. وحتى لو أعدنا عرضه الآن، ستكون الصالة ممتلئة".

ولم يَرُق "فسيل" المحافظين المتشددين، واتهمته صحيفة كيهان بالترويج لثقافة عهد الشاه و"الاختلاط" و"التغريب"، ودعت المسؤولين إلى "التصدي للتأثير الثقافي للأعداء" في جيل الشباب.

وتعتمد الأفلام الكوميدية على السخرية لتوجيه انتقادات مبطّنة لسيطرة النظام السياسي في إيران على الشباب.

ففيلم "ديناميت" مثلاً يتناول المفارقات التي يتعرض لها اثنان من طلاب الحوزات العلمية يصبحان بعد انتقالهما إلى شقة جديدة جارين لبائع حشيشة واثنتين من نجمات "إنستغرام".

دعم الأفلام الكوميدية على حساب الدرامية

ويراعي المخرجون القيود التي تفرضها السلطات الإيرانية، إذ تضع النساء الحجاب في الأفلام، ولا يلمس الرجال والنساء بعضهم بعضاً، ولا إظهار للكحول.

لكنّ ذلك لا يمنعهم من الاستهزاء بـ"القيم التي تروّج لها الثقافة الرسمية"، مثل "حماية الأسرة بأي ثمن"، بحسب الناقد هوشنك لمكاني، مع أن الأفلام في نهاية المطاف لا تسيء إلى هذه القيم فعلياً.

وتتسامح السلطات مع الأفلام الكوميدية لكونها "تلبّي احتياجات السكان"، على قول الخبير.

وللجمهور خيارات محدودة بسبب قلة عدد الأفلام الأجنبية المعروضة في دور السينما، إذ تخضع إيران لعقوبات دولية.

وتمكّن من مشاهدة أفلام لمخرجين إيرانيين عُرضت في الخارج، ومنها "جدا نادر از سمن" (انفصال نادر وسيمين) لأصغر فرهادي الحائز جائزة أوسكار، و"متر شش و نم" (المتر بستة ونصف) لسعيد روستايي.

ولكن لم يتسنّ للجمهور فرصة مشاهدة ثلاثة أفلام أثارت إعجاب النقاد العالميين، هي "برادران ليلا" (إخوة ليلى) و"جنك جهاني سوم" (الحرب العالمية الثالثة)، و"شب، داخل، دوار" (الليل، الداخلي، الجدار).

أما الفيلم "دانه انجر مقدس" (بذرة التين المقدس) الذي يشارك في مسابقة مهرجان كانّ السينمائي، فلا يتوقع عرضه في إيران بعد الحكم بالحبس خمس سنوات على مخرجه محمد رسولوف ومغادرته إيران سراً إلى الخارج.

ورأى كلمكاني أن نجاح الأفلام الكوميدية يدفع المنتجين إلى تفضيل تمويلها بدلاً من دعم الأفلام الدرامية الاجتماعية التي "يتم تهميشها بشكل متزايد" في "زمن ترتفع فيه كلفة" الإنتاج، مبدياً خشيته من أن "يؤثر الإفراط في إنتاج الأعمال الكوميدية على الجودة العامة" للسينما الإيرانية.

(فرانس برس)

 

 

المساهمون