الجرذان تغزو العاصمة الفرنسية

20 ديسمبر 2022
عام 2017 أطلقت بلدية باريس 1800 عملية للتخلّص من الجرذان (فريدريك سلطان/Getty)
+ الخط -

خلال مقابلة مع مواطنة فرنسية في الشارع، شعرت بشيء ما يتحرّك أسفل ردائها، عند طرف يدها اليُسرى. حرّكت جسدها يميناً، ثم خلعت نصف سترتها، ونفضت مراراً يدها اليُسرى باتجاه الأرض. وسط دهشة المُذيع من حركتها المفاجئة وسط المقابلة، انتبهت أخرى إلى سقوط فأر في الكيس الكرتوني الذي كان على الأرض، ثم علا صوت من خلف الكاميرا: "سيدتي، يوجد فأر في الكيس". اقترب المذيع من الكيس، وحرّكه بطرف الميكروفون قائلاً: "سيدتي، كان في كمّ ردائك فأر... لا هذا جرذ!". 

هذا الفيديو القصير الذي عرضته قناة سي إن نيوز الفرنسية، لفّ على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوعين الماضيين. يعرف الجميع أن باريس مدينة تُعاني بشكل جديّ من أزمة جرذان. لكن أن يصل الأمر إلى هذا الحدّ، على الرغم من كل الحملات التي أطلقها المسؤولون، فهذا يعني أن الأزمة إلى تفاقم.

وسط الغضب والدهشة من هذه اللقطة، وبعد اكتفاء القناة بالقول إن الفيديو صور في مدينة باريس، خرج كثيرون للاعتراض من مبدأ أن الفيديو لم يُصوّر في قلب العاصمة الفرنسية، بل على أطرافها. لكن المذيع استوقف المرأة فور خروجها من المترو القادم من باريس. ومن المُرجّح أن يكون الجرذ قد تمكّن من الدخول إلى ملابسها أثناء جلوسها في المترو. وهذا الجدل بشأن التفاصيل لا يلغي شيئاً من عيش مدينة باريس أزمة جديّة اسمها "غزو الجرذان للعاصمة".

باريس ومارسيليا على لائحة أكثر عشر مدن تغزوها الجرذان حول العالم. وفقاً لأرقام الأكاديمية الوطنية للطب في فرنسا، يوجد في المدينتين ما بين 1.5 إلى 1.75 جرذ نسبةً لكل فرد. تقدير أعداد الجرذان يختلف من جهة إلى أخرى، ولكن الجميع يتفق على وجود ما لا يقلّ عن أربعة ملايين جرذ في العاصمة الفرنسية التي يبلغ عدد سكانها نحو مليوني فرد.

بلا خوف تتجوّل الجرذان في العاصمة الفرنسية، أسفل وفي محيط برج إيفل، في الحدائق العامة وداخل المطاعم. تمرّ في كلّ مكان قد تجد فيه طعاماً. اعتدنا منذ سنوات على مشاهدة فيديوهات السياح في العاصمة الفرنسية وهم يحاولون التقاط أكوام الجرذان في شوارع وحدائق المدينة. 

نقلت الصحافة الفرنسية مراراً شكوى عمال النظافة في المدينة الذين يخشون من أن تهاجمهم الجرذان خلال قيامهم بعملهم. صحيحٌ أن الجميع يأخذ جرعة طُعم قبل بدء وظيفته، لكن العديدين منهم تعرّضوا للهجوم بمجرّد فتح صناديق الزبالة.

في تحليل لصحيفة لو باريزيان الفرنسية، توجد عدّة أسباب لهذا الانتشار الكبير للجرذان في المدينة، وهي في معظمها تندرج تحت خانة "غياب النظافة". أوّلاً اعتادت الجرذان على العيش في المساحات التي يسكنها البشر، وتجاوزت الخوف من "الجديد" في باريس. أمّا السبب الثاني، فهي سلال القمامة التي انتشرت في المدينة في بدايات عام 2000، وكان الهدف منها محاربة الإرهاب، وهي عبارة عن أكياس شفافة يُمكن لأفراد الشرطة رؤية ما بداخلها بسهولة. لكنها سهلة الوصول بالنسبة للجرذان التي اعتادت على قضمها للوصول إلى ما في داخلها.

أمّا فتح المجال في الكثير من المساحات العامة لتناول الطعام والشراب وللتنزّه، فشرّع الباب لترك بقايا الطعام في هذه المساحات، وهي أكثر ما يشدّ الجرذان، كذلك هي صناديق الزبالة الخاصة بالمطاعم. كميات طعام كبيرة يتمّ رميها سواء داخل عبوات جمع القمامة أو خارجها. وهذا ما يُفسّر الفيديوهات الكثيرة المنتشرة لكميات مخيفة من الجرذان، تتراكم بعضها فوق بعض داخل العبوات الخاصة بنفايات المطاعم. 

ولكن هذه الجرذان سريعة التكاثر، وهذه الأزمة غير مُستجدّة، بل موضوع تناولته الصحافة الفرنسية منذ سنوات، ودقت جرس الخطر. عام 1986، نشرت صحيفة لو ماتان دو باري مقالاً عنوانه "باريس تغزوها الجرذان"، أمّا صحيفة لو باريزيان فعنونت عام 1992: "مليونا جرذ يقضمون العاصمة". وفي عام 2012، كتبت صحيفة لو فيغارو: "النجدة، عودة الجرذان!". 

عام 2016، أطلقت السلطات المحلية في باريس حملة للتخلّص من الجرذان، فأقفلت عدداً من المساحات العامة والحدائق أمام السكان والسياح. وكان الهدف من هذه الخطوة تجميع الجرذان في مكان واحد وتسميمها. لكن هذه الخطوة لاقت اعتراضاً واسعاً، واعتبرت "إبادة جماعية للجرذان" وقصوراً من الإنسان في العيش مع الطبيعة بسلام.  عام 2017 وحده، أطلقت بلدية باريس نحو 1800 عملية للتخلّص من الجرذان في المدينة. جميعها لم تأتِ بنتائج جديّة. حملات عمدة باريس آن هيدالغو مستمرة، وكذلك هي الانتقادات لأدائها تحديداً في هذا الموضوع. 

مع انتشار الفيديو الأخير على وسائل التواصل الاجتماعي عاد الموضوع إلى الواجهة وعادت معه الانتقادات لعمدة باريس. انتقادات طاولت كيفية إدارتها للعمل في العاصمة الفرنسية، ولكن معظمها تمحور حول انعدام النظافة في المدينة.
 

المساهمون