الثنائي أوباما يُنتج استعادة عادية لشخصية مهمّة

24 نوفمبر 2023
رُسْتن بايارد: الحقوق الفردية الشخصية جزءٌ أساسيّ من الحقوق المدنية (Getty)
+ الخط -

 

مناضل من أجل الحقوق المدنية للسود في أميركا، في خمسينيات القرن الـ20 وستينياته تحديداً، تُروى حكايته في فيلمٍ جديد، تُنتجه Higher Ground Productions، لصاحبيها باراك أوباما (الرئيس الأميركي الأسبق) وزوجته ميشيل. الفيلم، الذي يكتفي عنوانه بذكر الاسم الثاني للمناضل (رُسْتن، Rustin)، يختار سرداً مُبسّطاً لمحطّات ولحظات ونفسيّات، فردية غالباً، كما لأحوال سياسية ونقابية، ولنزاعات داخلية في مؤسّسات وجمعيات معنية بشؤون الأفروأميركيين، مع اشتغال عادي فنياً وتقنياً ودرامياً، يغلب عليه "تهريجٌ" ما في أداء ممثل، يُؤدّي دور الشخصية الرئيسية رُسْتن بايارد (1912 ـ 1987)، أي الممثل والمخرج الأميركي كولمن دومينغو. أو هكذا يوحي أداؤه، على الأقلّ.

تولّي الزوجين أوباما إنتاج فيلمٍ، يستعيد فصلاً من حقبة تاريخية مهمّة في سيرة الأفروأميركيين، غير مُفاجئ. هناك رغبةٌ في نبش ماضٍ، بعض مؤثّرين فيه "مُغيَّب" تاريخياً، لتقديمه سينمائياً: "بايارد رُسْتن مَنسيّ (كثيراً) في الصراع من أجل الحقوق المدنيّة"، يكتب فريديريك فوبير (18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) في الموقع الإلكتروني لـ"بروميير" (مجلة سينمائية شهرية فرنسية)، مُضيفاً أنّ باراك أوباما "يعمل من أجل ذريّته"، فبعد 10 أعوام على منحه "وسام الحرية" (2013)، يُنتج فيلماً عنه عبر شركته الإنتاجية. "بعد بقائه في ظلّ التاريخ بسبب لون بشرته ومثليته الجنسية"، يُمنح "الناشط الذي لا يتعب (رُسْتن)" فيلمَ سيرة حياتية "مُعتنى به، وملتهب غلياناً، وحيوي"، كما في مقالة سيسيل موري (17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023)، المنشورة في "تيليراما" (مجلة أسبوعية فرنسية، تُعنى بشؤون ثقافية وفنية).

لكنّ المفاجئ بهتانُ "رُسْتن" (2023)، للأميركي جورج سي. وولف، بل ذاك الاشتغال العادي للغاية، الذي يحول أداء دومينغو دون تواصل أسلم وأعمق مع شخصيته، ومع تساؤلات مطروحة، وأحداثٍ حاصلة، وأناسٍ معروفين، أبرزهم الأفروأميركي مارتن لوثر كينغ جونيور (البريطاني أمِل أمين)، علماً أنّ الشخصيات الأخرى، الأساسية منها على الأقلّ، معروفة في تلك الفترة أيضاً، أي في التحضيرات السابقة لإحدى المسيرات المشهورة، الحاصلة في 28 أغسطس/آب 1963، "إلى واشنطن". فلرُسْتن بايارد، صديق لوثر كينغ جونيور ومستشاره (بين عامي 1953 و1968، لـ"تنظيم أعمال غير عنفية")، دورٌ كبير في إنجاح المسيرة، رغم عراقيل يُسبّبها بعض كبار المسؤولين الأفروأميركيين، أبرزهم روي ويلْكِنز (الأميركي كريس روك)، صاحب النفوذ الكبير في "الرابطة الوطنية لتقدّم الملوّنين".

 

 

عراقيل كتلك ناتجة، أيضاً، من سلطات أميركية، يتواطأ ويلْكِنز مع بعضها، قبل مشاركته في التحضيرات المذكورة. هناك أيضاً آدم كلايتون باول جونيور (الأميركي جيفري رايت)، "أول أفروأميركي يُصبح مؤثّراً في الكونغرس"، الذي له حسابات سياسية تختلف عن حسابات "جماعة" مارتن لوثر كينغ جونيور. لكنّ هذا مرويّ، سينمائياً، بسلاسة غير جمالية، كأنّ هناك من يُلقِّن آخر درساً أو أكثر في تاريخٍ واجتماع وعلاقاتٍ، وفي هذه الأخيرة المثلية الجنسية لبايارد، ومدى تأثيرها على راهنٍ.

لبايارد ماضٍ، كأي شخصٍ آخر. وبعض هذا الماضي مرتبط بالشيوعية، إذْ ينتسب إلى "رابطة الشباب الشيوعيين" (1937)، لـ"انجذابه إلى التزامها المساواة في الحقوق المدنية". لكنّه ينفصل عن "الحزب الشيوعي الأميركي" عام 1941، بسبب "تخلّيه" عن مسألة الحقوق المدنية. هذه تحضر في اجتماعٍ، يُذكَّر فيه بالميل الشيوعي لرُسْتن فقط (التفاصيل الأخرى غير مذكورة في الفيلم)، في لحظة مواجهة هادئة، لكنّها مليئة بغضبٍ وغليان وكره. دفاعٌ عنه من أطراف فاعلة ومؤثّرة في "الرابطة الوطنية لتقدّم الملوّنين"، يُتيح له إطلاق التحضيرات اللازمة للمسيرة المنتظرة، مع نساء وشباب، بعضهم بيض البشرة، يعملون جميعاً بحماسة وإقدام ووعي بأهمية اللحظة. سيكون رُسْتن المحرِّك الحيوي لكلّ شيءٍ، وللجميع. ضحكة ساخرة غالباً، وتدخين شره، واحتساء خمرة، والأهمّ: حركة دائمة، إذْ تندر رؤيته جالساً إلى مكتبه، والجلوس النادر يظهر، في أوقاتٍ مختلفة، في منزله.

إذْ يوحي أداء كولمن دومينغو بافتعال وبشيءٍ من تهريج، لشدّة السخرية التي يمارسها غالباً مع الجميع، فإنّ كريس روك بارعٌ في تأدية تلك الشخصية الصارمة (روي ويلْكِنز)، والشيب يطغى قليلاً على الرأس، والصرامة ظاهرة في كلامٍ ونبرة وإيقاع حكي، وحركة جسد، ونظرة عينين أيضاً.

تعريف "ويكيبيديا" الفرنسية بـ"رُسْتن" مختصر وواضح: "بايارد رُسْتن، مثلي الجنس وناشط في الحقوق المدنية، يتغلّب على سلسلة عقبات، ويُعدِّل مسار التاريخ الأميركي بتنظيمه مسيرة 1963 إلى واشنطن". السيناريو (جوليان بريس وداستن لانس بلاك، عن قصة لبريس) غير ملتزم خطّاً واحداً كهذا، فتفاصيل عدّة يُبيّنها، خاصة الجانب العاطفي في شخصية رُسْتن، أي علاقاته المثلية. جوانب قليلة في شخصيات أخرى تظهر أيضاً، إنْ مواربة (تصرّفات وسلوك وأنماط تفكير، مثلاً)، أو مباشرة (العلاقات العائلية، الحبّ، الصداقات... إلخ.).

أهمية "رُسْتن" (نتفليكس) كامنةٌ في تذكيرٍ، وإنْ يكن ضعيفاً (أو عادياً) سينمائياً، بشخصية مغيّبة، وبمعنى النضال الميداني من أجلّ حقوق مهدورة، من دون عنف. كلامٌ يقوله بايارد، ردّاً على تساؤلات أو تعليقات، ينصبّ في مسألة شخصية، لكنّها متوافقة مع المبدأ الأساسي للنضال الأفروأميركي: حرية الفرد وحقوقه.

المساهمون