استمع إلى الملخص
- برامج مثل "الحكاية" تستغل الفقرات الترفيهية لجذب الجمهور، متجاهلة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
- ظهور البودكاست كبديل يقدم نقاشات جادة ومعمقة، يلبي رغبة الجمهور في المحتوى الهادف، مما يدعو لمراجعة النهج الإعلامي لتعزيز الوعي الثقافي.
في الوقت الذي يهتم فيه الباحثون بدراسة أضرار الفيديوهات القصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها السلبي على الانتباه والتركيز، نحتاج أيضاً إلى دراسات عن أضرار مشاهدة البرامج الترفيهية والحوارية في الإعلام المصري في السنوات الأخيرة، وعن تأثير ما تقدمه من محتويات تبدو كأنها تهدف في المقام الأول إلى التشويش على عقل المشاهد والترويج للخرافات، وتسطيح القضايا والنقاشات المهمة.
اتجهت القنوات الفضائية المصرية في السنوات الأخيرة إلى البرامج الترفيهية والحوارية مع الفنانين والمشاهير، تعويضاً عن عن برامج التوك شو والبرامج السياسية والاجتماعية الجادة، بعد احتكار الإعلام المصري وفرض الرقابة الأمنية على جميع المنافذ الإعلامية الرسمية في البلاد. وتنافس في هذا الاتجاه الإعلامية السياسية السابقة منى الشاذلي مع الممثلة والمنتجة إسعاد يونس، في برنامجي "معكم" و"صاحبة السعادة"، إضافةً إلى العديد من البرامج الموسمية الأخرى.
البرامج الترفيهية: زواج فطلاق فزواج
عانى الثنائي السابق أيضاً التدهور بعد فترة من التنافس على تقديم الأفكار الترفيهية، بسبب الهوس المتزايد بالترند، والذي حوّل حلقات البرنامجين إلى جلسات نميمة أيضاً، من خلال التخصص في استضافة الفنانين وأزواجهم، أو الحديث عن حالات الانفصال، ووصلت إلى حد استضافة الفنانين أنفسهم مع كل تطور في حياتهم الشخصية، مثل فترة الخطوبة والزواج، ثم الانفصال. أحدث هذه الاستضافات، كان ظهور ياسمين عبد العزيز في البرنامجين، المرة الأولى للحديث عن زواجها من أحمد العوضي في برنامج "معكم"، والمرة الثانية للحديث عن طلاقها منه في برنامج "صاحبة السعادة".
على الجانب الآخر في فضائية إم بي سي مصر، فإن المنافسة لقنوات الشركة المتحدة، اتخذت الهدف نفسه في البرامج الترفيهية والحوارية، وراحت تروّج للأفكار الرجعية، والتسطيح من قضايا المرأة في المجتمع في برنامج المذيعة ياسمين عز، التي تخصصت في السخرية والاستهزاء بالقضايا النسوية، لدرجة الدفاع عن العنف ضد المرأة في بعض الأحيان. في المقابل، هناك رأس حربة القناة، عمرو أديب، ببرنامجه الرئيسي "الحكاية"، الذي حاول أيضاً، بعيداً عن فقرات البروباغاندا السياسية في برنامجه، أن ينافس زملاءه الآخرين في المحتويات الترفيهية المشوشة.
كان اعتماد عمرو أديب في هذا الأمر على فقرات الأكل في برنامجه، وهي الفقرة الثابتة التي كان يخصصها لتناول أطباق الطعام الفاخرة أمام الجمهور. ولم يتوقف عن تقديمها إلا بعد طلب رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية، تركي آل الشيخ، منه التوقف عن تقديم هذه الفقرة، واقترح عليه تقديم بودكاست "بيج تايم" أخيراً مع أصالة، ومارس فيه عمرو أديب طريقة استفزازية أخرى، من خلال الحديث مع ضيوفه النجوم حول ثرواتهم وطريقة إنفاق أموالهم في بلد يعيش على الأقل ثلث سكانه تحت خط الفقر بفعل الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
ترى هذه البرامج الجمهور أرقاماً فقط في نسب مشاهدة مقاطع الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يفسر الإصرار على تقديم المحتويات الاستفزازية للجمهور، بداية من فقرات الأكل، مروراً بالحديث عن ثروات النجوم وأجورهم، وليس انتهاءً بالحديث عن حياتهم الخاصة، أو ظهور المذيعين والضيوف بأزياء ومجوهرات ثمينة، وهي الأشياء التي تجعل الجمهور يشاهد هذه الفقرات حتى لو كان المحرك هو الهجوم عليها والسخرية منها، في عملية تتم من دون النظر إلى احتياجات الجمهور ومدى رضاه عما يشاهده في البرامج.
البودكاست في مواجهة التلفزيون
أحرجت ظاهرة البودكاست في الفترة الأخيرة البرامج التقليدية، بظهور نماذج فردية قادرة على إجراء نقاشات جادة مع العديد من الشخصيات، وليس الفنانين فقط، وأثبت بعضها أن الجمهور يستطيع مشاهدة ساعات متواصلة من النقاشات الجادة بعيداً عن الأسئلة والإجابات التلفزيونية التقليدية، وهو الدرس الذي لم يفهمه أصحاب هذه البرامج حتى الآن؛ فالسبب الرئيسي وراء اهتمام الجمهور بحلقات البودكاست المختلفة، هو الحاجة إلى متابعة نقاش حقيقي في المجال الذي يمثله الضيف، سواء كان لاعب كرة قدم أم طبيباً أم فناناً. وأصبح التميز هو استضافة فنان وسؤاله عن عمله في الفن ببساطة، والعودة إلى داخل الصندوق، بدلاً من استضافة المشاهير للحديث معهم في كل شيء، عدا مجال عملهم بحجة "التفكير خارج الصندوق".
حاول بعض البرامج تقليد الشكل الخارجي للبودكاست، ولكنها وقعت في أزمة البرامج التلفزيونية نفسها لأنها عرضت على التلفاز من الأساس، مثل تجربة بودكاست "بيج تايم". وهربت هذه التجارب من مأزق المحتويات السطحية إلى فخ الترويج للخرافات والأفكار المضللة، بسبب الإصرار على استضافة غير المتخصصين وادّعاء الجدية، مثل ظاهرة حديث الفنانين عن الأمراض النفسية من دون دراسة، إذ تسبّب ترويج مزيد من المعلومات الخاطئة عن الصحة النفسية، وهي الموجة التي بدأت مع بودكاست رائد الأعمال الإماراتي أنس بوخش، في الحديث مع المشاهير عن طفولتهم وصعوبات حياتهم الشخصية.
وتطورت الظاهرة بإصرار بعضهم على اختلاق قصص المعاناة من أجل الظهور في هذه النوعية من البرامج، أو من أجل تقديم صورة ذهنية مختلفة للجمهور عن أنفسهم، أو الحديث غير العلمي عن الأمراض النفسية كأنها "موضة" أو مجرّد نصائح حياتية، مثل ما قاله أحمد السقا في البودكاست نفسه عن علاجه للاكتئاب بـ"الصفع على الوجه أمام المرأة"، وقد تصل أحياناً إلى الترويج للخرافات مثل حديث شيرين عبد الوهاب في بودكاست "بيج تايم" عن تعرضها لأعمال السحر والحسد، ما سبّب لها أزمات نفسية.