يواجه جهازا الاستخبارات الدنماركية بقسميه المدني والعسكري "بيت" و"إف آي" موجة انتقادات واسعة بسبب "زيارات تخويف" لكبرى وسائل الإعلام الدنماركية مؤخراً.
وكشفت صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية أنّ قائدا الجهازين الأمنيين قاما بزيارة رؤساء تحريرها وصحيفتي "بيرلنغكسا" و"يولاندس بوستن" وهيئة البث العام، وتلفزيون "دي آر"، مقدمين تخويفاً أو تهديداً مبطناً عن أنّ "نشر وسائل الإعلام لأسرار الدولة الحساسة والعميقة قد يكلّف الحبس لسنوات".
ودعيت رئيسة الحكومة الدنماركية ميتا فريدركسن، إلى اتخاذ موقف رافض لطريقة التهديد المبطن.
ولم تصرح فريدركسن بأي موقف حيال ما ذكره مديرو وسائل الإعلام تلك، والذين اعتبروا، مع نقابتهم، الزيارات بمثابة "تهديد وترهيب".
وأدانت منظمات صحافية دنماركية بشدة جولة قادة أجهزة الاستخبارات الدنماركية، على وسائل الإعلام المستقلة "للتأثير على عملها".
وفي ذات السياق كشفت "بوليتيكن"، اليوم الأحد، عن أنّ رئاسة حكومة يسار الوسط ما تزال ترفض الإجابة عن الأسئلة التي وجهها مقرر شؤون الإعلام في البرلمان عن حزب "اللائحة الموحدة" اليساري، سورن سوناغورد.
ووجه سوناغورد إلى فريدركسن، التي تعد دستورياً مسؤولة عن حرية الإعلام والصحافة، سؤالاً مباشراً حول ما إذا كانت تعلم مسبقاً بتك الجولة، التي جرت بشكل سري قبل بضعة أسابيع.
وحوّلت رئاسة الحكومة في كوبنهاغن، الصحافيين والبرلمانيين إلى وزارة العدل الدنماركية، للإجابة عن قانونية ما قامت به الاستخبارات.
وعلى الرغم من أنّ الدنمارك تشهد الآن إجازة أعياد الميلاد، وينصب جهدها على محاصرة تداعيات جائحة كورونا، إلا أنّ المستوى الإعلامي والسياسي ينظر بخطورة إلى محاولة الأجهزة الأمنية التدخل في حرية الإعلام.
وكشف النقاب عن أنّ التهديد المبطن، بحسب وصف اليسار الدنماركي وبعض وسائل الإعلام، احتوى على إمكانية رفع شكوى بحق وسائل الإعلام التي تقترب من أسرار الدولة العميقة وفقاً لمادة قانون العقوبات 109، والتي من الممكن أن يحكم بموجبها من يفشي أسراراً بالسجن 12 عاماً.
وتساءل، اليوم الأحد، حزب "اللائحة الموحدة" ما إذا كانت الحكومة الدنماركية متورطة في توجيه التحذير للصحف ووسائل الإعلام. وتعود خطورة الزيارة، من وجهة نظر مسؤولي تلك الوسائل الإعلامية التي جرى تحذيرها، إلى أنها "تسيء إلى حرية الصحافة وإلى الديمقراطية عموماً".
وكشف النقاب للمرة الأولى عن تلك الزيارات الأمنية، في 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي.
واعتبرت مسؤولة نقابة الصحافيين الدنماركيين، تينا يوهانسن، أنّ استجواب اليسار لرئيسة الحكومة ووزارة العدل "هي نفس الأسئلة التي نطرحها، ونأمل أن يجيب طرف حكومي عليها".
وأكدت يوهانسن، في تصريحات صحافية، اليوم الأحد، أنه "من الأهمية بمكان أن تخرج السلطة التنفيذية بتوضيح حول هذه الممارسة، وهل قبلت بتطبيقها؟".
وعبّرت مسؤولة نقابة الصحافيين عن قلقها "من قيام الاستخبارات الدنماركية بما يسمى زيارات وقائية للصحافة، فهي لا تعبير آخر لها سوى أنها تندرج في مستوى التأثير على التصرفات، وبات ملحاً أن تقدم وزارة العدل أجوبة على العديد من الأسئلة لكشف الملابسات".
وتوجهت "مؤسسة المطبوعات الدنماركية" برسالة احتجاج إلى وزارة العدل ووزيرة الدفاع، ترين برامسن، مؤكدة أنّ "المؤسسة تنظر إلى ما جرى بخطورة بالغة، وتعتبره أمراً خطيراً حين تتدخل الاستخبارات في عمل الصحافة ووسائل الإعلام في البلد"، بحسب ما ذهب مدير المؤسسة، مادس براندستروب، اليوم الأحد.
وأكد براندستروب، في تصريح له، أنه "يجب أن يكون واضحاً أنها المرة الأولى والأخيرة التي تتوجه فيها الاستخبارات الدنماركية لأية وسيلة إعلامية، وهذا التصرف لا يفهم منه شيء غير أنه يوجه تحذيراً، وهو مرفوض تماماً".
وحذر أيضاً من أنه إذا لم يحصل المستوى الإعلامي على أجوبة شافية "فإنّ قضية سترفع بحق الحكومة والوزيرة المسؤولة عن حرية الصحافة (رئيسة الحكومة، فريدركسن بحكم قوانين السلطة التنفيذية)".
ورفضت رئاسة الجهازين الأمنيين ووزراء الحكومة المعنيون، الإجابة عن أسئلة الصحافة الدنماركية حتى صبيحة اليوم الأحد.
وتتعلق قضية التحذير الأمني بتسريبات تتعلق بتصرفات رئيسة الحكومة فريدركسن، وهي مثار بحث لجنة متخصصة، عن قراراها بإعدام نحو 15 مليوناً من حيوان المنك بسبب كورونا في العام الماضي. فلجنة البحث في القرار المتعلق بالمنك، لم تستطع الوصول إلى مراسلات الرسائل النصية لرئيسة الحكومة مع الموظفين المسؤولين عن القضية، حيث جرى تبرير مسح النصوص "للحفاظ على أسرار الدولة العميقة".
وما زاد الشكوك بأنها تصرفات غير قانونية أنّ الاستخبارات الدنماركية لم تساعد المحققين على استرجاع النصوص المحذوفة، ما عدته الصحافة وقوفاً مع السلطة السياسية.
وإضافة إلى تلك القضية يبدو أنّ ثمة انزعاجاً استخباراتياً دنماركياً من انكشاف إعلامي لفضيحة التجسس على هواتف السياسيين المحليين والأوروبيين، التي كشفت في وقت سابق من العام الحالي، والتي أظهرت تعاوناً استخبارياً دنماركياً مع الاستخبارات الأميركية.
وكان الأمن الدنماركي قد كشف، الأسبوع الماضي، عن "3 مسربين من داخل الاستخبارات لمعلومات حساسة للصحافة"، وطالب بحبسهم 11 يوماً على ذمة القضية، وجرى إطلاق شخص وتحفظ القضاء على اثنين آخرين، من دون الكشف عن هوياتهم بسبب عملهم في الاستخبارات.
ويثير أي تدخل سياسي أو أمني في عمل الصحافة في الدنمارك حساسية خاصة، إذ يرفض الدنماركيون أن يُمس بالسلطة الرابعة تحت أي ظرف كان. ورغم أنّ الدنمارك تحتل مكانة متقدمة في حرية الصحافة إلا أنّ بعض الممارسات أرجعتها في السنوات الأخيرة من المرتبة الأولى إلى الرابعة عالمياً، حيث تقدمت عليها فنلندا والسويد والنرويج.