منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الحالي، تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى إحدى الساحات الأساسية للصراع بين دولة الاحتلال ومؤيديها من جهة والفلسطينيين ومناصري القضية الفلسطينية من جهة أخرى.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز، الأحد، عن موقعٍ "يفضح" الموظفين في شركات عالمية، ممّن عبروا عن دعمهم أو تضامنهم مع الفلسطينيين من خلال منشوراتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، داعياً إلى طردهم من أعمالهم.
ومنذ 12 أكتوبر، نشر موقع يحمل اسم "موظفون معادون لإسرائيل" (anti-israel-employees.com) أكثر من 17 ألف مشاركة، تهدف إلى كشف موظفي الشركات الذين قد يعبّرون عن "مشاعر من المحتمل أن تكون داعمة للإرهاب"، بحسب ما قاله أحد مموّليه إيتان ليبتز للصحيفة الأميركية.
وأدرج الموقع أسماء ومعلومات آلاف الأشخاص حسب أماكن عملهم، بسبب تعليقاتهم على الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزّة، في محاولةٍ فجّة لإخضاعهم ومنعهم من التعبير عن رأيهم.
وأوقف الموقع لمدّة يوم قبل أن يظهر من جديد مواصلاً نشر أسماء وبيانات موظفين في شركات كبرى مثل "أمازون" و"ماستركارد"، ومشاركة صورهم وحساباتهم الشخصية على موقع لينكد إن الموجّه للمهنيين والموظفين.
وقال ليبتز إن هدفهم الأساسي كان "فضح الأشخاص الذين يدعمون حماس علناً"، مضيفاً أنّه "لن يشعر بالأمان إذا كان أصدقاؤه على لينكد إن يحتفلون ويشيدون بحماس".
لكن في الواقع، تحوّلت هذه المنصة إلى أداة للضغط العلني والتحريض على أيّ موظفٍ في شركة عالمية يعبّر عن تضامنه مع الفلسطينيين. بحسب "نيويورك تايمز"، فإنّ كثيراً من التعليقات المنشورة لم تكن تتضمن أي إشارة إلى حركة حماس.
على سبيل المثال، استخدم البعض وسوماً مثل غزة تحت القصف، أو كتبوا منشورات متنوعة سعياً للفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية المروعة التي يعيشها سكان قطاع غزة. كذلك، دعا الموقع مستخدميه إلى إرسال منشورات لأشخاص يعتقدون أنه ينبغي "فضحهم".
وبالفعل، نجحت محاولة الإخضاع والإسكات هذه في دفع بعض الأشخاص الذين سلّط عليهم الموقع الضوء لحذف منشوراتهم وحساباتهم عن "لينكد إن".
وعلى الرغم من أن ليبتز ادّعى في حديثه مع "نيويورك تايمز" أنّ الموقع سيلغي المنشورات التي تشهّر بأشخاص لم يعبّروا عن دعم "حماس"، فإنّ ذلك لم يحدث حتّى الآن.
وحظي الموقع، بحسب ليبتز، على شعبية واسعة بعد انتشاره بين مناصري إسرائيل على مجموعات "واتساب"، لكنّه اختفى عن الإنترنت السبت الماضي، قبل أن يظهر مجدداً الأحد.
وتتبع النسخة الجديدة للموقع نطاقاً إسرائيلياً، ويشرف عليها محامٍ إسرائيلي يدعى غاي أوفير، الذي قال إنّهم اضطروا إلى نقل الموقع إلى نطاق جديد بعد تلقيهم تحذيراً قانونياً من شركة لينكد إن.
وقال متحدث باسم "لينكد إن" إنّ الشركة توصلت إلى أن الموقع استخدم برامج آلية لاستخراج المحتوى من المنصة، وهي طريقة تعرف باسم scraping، وتعد انتهاكاً لقواعدها.
من جهته، نفى ليبتز وأوفير الاتهامات الموجهة من الشركة، واعتبر الأخير أنّ "لينكد إن" تحاول "انتهاك حقّه في حرية التعبير" مؤكداً أنّه "لن يزيل" موقعه.
وبحسب "نيويورك تايمز"، تحوّل الموقع الإسرائيلي إلى موضع نقاش في شركة ميتا، مالكة "فيسبوك" و"إنستغرام"، بعد أن أعرب موظفون عن قلقهم بشأن التأثير المخيف والسيئ لهذا الموقع على حرية التعبير عبر الإنترنت.
وكتب موظفٌ في "ميتا" في مذكرة داخلية اطلعت عليها الصحيفة الأميركية الأربعاء الماضي: "يقوم الناس بأخذ منشورات مؤيدة لفلسطين عن موقع لينكد إن ويضيفونها إلى قاعدة بيانات داعمي الإرهاب". كذلك، عبّر موظفون آخرون في الشركة عن "عدم تصديقهم" أن التعبير عن دعم فلسطين بات معادلاً لدعم الإرهاب.
ولا تعدّ هذه المرّة الأولى التي يعمد فيها الاحتلال ومناصروه إلى ملاحقة الفلسطينيين ومناصريهم من خلال تتبّع منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي.
وبعد أسبوع على انطلاق "طوفان الأقصى"، فتحت هيئة البث البريطانية (بي بي سي) تحقيقاً مع عدد من الموظفين في خدمتها العربية بسبب تغريدات ومنشورات "بدا كأنها تحتفي بالهجوم الذي أسفر عن مقتل حوالي 1300 إسرائيلي". كان ذلك نتيجة تحريض من موقع كاميرا، المناصر للاحتلال، والمتخصّص بتتبع ورصد تغريدات ومنشورات الصحافيين العرب العاملين في المؤسسات الغربية، ومن ثمّ التقدم بشكاوى بحقهم بحجة أنّهم "معادون للسامية".