الاحتلال يروج سرديته: السينما ذراع دعائية محشوة بالكذب والادعاء

28 فبراير 2024
من تظاهرة تضامنية في سان فرانسيسكو (تايفون كوسكون / الأناضول)
+ الخط -

من خلال تسييس تخصيص الأموال، والتهديد بمنع صانعي الأفلام اليساريين من الحصول على المنح، ووضع المشاريع تحت الإشراف السياسي، تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى تحويل صناعة السينما إلى ذراع دعائية.
وبينما تضيق إسرائيل على الأعمال السينمائية التي تنتقدها، وتقلّص تمويلها، فإنها تروج سرديتها على الصعيد العالمي، مستغلةً أموالها ونفوذها والمنحازين في العالم، وخصوصاً في أميركا موطن هوليوود.
في عام 2000، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قانون السينما الجديد لضمان وتأمين المزيد من التمويل للسينما الإسرائيلية. ويعمل صندوق الأفلام الإسرائيلي على تمويل صناعة أفلام إسرائيلية.
تعتمد الثقافة والصناعة الإبداعية في إسرائيل على المساعدة الحكومية في إنتاجاتها. وتقدم صناديق عدة، إلى جانب اليانصيب الوطني، منحاً لصانعي الأفلام.
في إسرائيل، هناك ستة صناديق أفلام بارزة تمول وتدعم الإنتاج الإسرائيلي، وهي صندوق الأفلام الإسرائيلي، والصندوق الجديد للسينما والتلفزيون، ومؤسسة ماكور للسينما والتلفزيون الإسرائيليين، وصندوق القدس للسينما والتلفزيون، ومؤسسة يهوشوا رابينوفيتش للفنون، وصندوق غيشر للأفلام متعددة الثقافات.
لكن هذه التمويلات تشهد تسييساً من خلال التهديد بمنع صانعي الأفلام اليساريين من الحصول على المنح، ومن خلال وضع المشاريع تحت الإشراف السياسي.

الاحتلال لا يحبّ النقد

في مقال رأي له عبر صحيفة نيويورك تايمز، يحكي مخرج الأفلام الوثائقية والصحافي الذي سبق أن خدم في الجيش الإسرائيلي نعوم شيزاف كيف أُلغي فيلمه الذي يفضح تصرّفات الاحتلال في مدينة الخليل المحتلة.
ألغي مجلس مدينة تل أبيب عرض الفيلم بحجة غريبة مفادها أن الأماكن العامة لا يمكنها استضافة أحداث مثيرة للجدل سياسياً، وهدّد أعضاء مجلس مدينة القدس بخفض ميزانية "سينماتك القدس" إذا عرضت الفيلم.
كما قدّم ائتلاف نتنياهو مقترحات من شأنها أن تجعل الصحافة النقدية والعمل الوثائقي أقرب إلى المستحيل. يحظر أحد مشاريع القوانين بث التسجيلات التي تُجرى من دون موافقة المشاركين، في حين يحظر آخر تسجيل الجنود أثناء القتال، أو حتى مشاركة مقاطع فيديو كهذه عبر الإنترنت.
يقول شيزاف إن المشهد الوثائقي الإسرائيلي المزدهر ظلّ مكاناً رئيسياً لتعريف الجمهور بالواقع في الأراضي المحتلة، بما في ذلك أعمال حائزة على جائزة إيمي وأخرى ترشّحت لجائزة أوسكار، إذ سلّطت الضوء على الممارسات القاسية التي تستخدمها إسرائيل في الضفة الغربية، وأثارت نقاشات عامة حادة، وبعضها تناول، نقدياً، السرد الرسمي لجذور الصراع العربي الإسرائيلي.
يضيف: "ليس من المستغرب أن تثير هذه الأفلام الوثائقية الانزعاج ورد الفعل العنيف. والآن يرى اليمين الإسرائيلي، الذي سعى منذ مدة طويلة إلى نزع الشرعية عن انتقاد الاحتلال أو حتى تجريمه، فرصة لإيقاف مثل هذه الأفلام".
يسعى وزير الاتصالات الجديد شلومو كارهي إلى إغلاق هيئة البث العامة الإسرائيلية، وهي واحدة من أكبر المستثمرين في المحتوى الأصلي في إسرائيل. ووفقاً للتقديرات الشائعة في الصناعة، فإن نية الحكومة تتمثّل في تحويل جزء على الأقل من ميزانية "كان" إلى الشبكات التجارية، وخاصة إلى قناة إخبارية صغيرة يمينية متشددة يُنظر إليها على نطاق واسع أنها ناطق بلسان السيد نتنياهو وأنصاره.
ويُعيّن في المؤسسات الأعلامية أنصارُ اليمين المتطرف من معلِّقين وصحافيين، ما حرّف النقاش حول العدوان على قطاع غزة، وقوّى خطاب اليمين المتطرف، وقلّل الوعي بالوضع الحقيقي في القطاع.
تناسل عدد كبير من منابر اليمين المتطرف الجديدة، وأبرزها القناة 14، التي أصبحت تبث دعاية اليمين المتطرف بشكل لم يسبق له مثيل في التلفزيون الإسرائيلي، ولا تتوانى عن بثّ أخبار كاذبة، وتحظى بدعم رسمي كبير، وهي وسيلة لترويج الخطاب الدعائي والأيديولوجي لحكومة اليمين المتطرف الحاكمة في تل أبيب، حتى إن شركات سحبت إعلاناتها منها.

بروباغندا فقط

في مقال رأي له نشرته صحيفة ذا غارديان، يشرح الكاتب والمساهم في صحيفة هآرتس إيتان نيشين أن لاستيلاء اليمين المتطرف والمستوطنين على الإعلام أهمية كبيرة من ناحيتين. أولاً، الاستهداف، بقوة، آخر معاقل الصحافة الحرة والليبرالية، سعياً ليس فقط إلى تطبيع المشروع الاستيطاني، بل أيضاً إلى إخفاء الجرائم المرتكبة للحفاظ عليه. ثانياً، في سياق العدوان، لا يظهر للجمهور الإسرائيلي المدى الكامل للهجوم على قطاع غزة.
بدورها، نظّمت الممثلة الإسرائيلية غال غادوت عرض فيلمٍ دعائيٍ لدولة الاحتلال حول عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، بحسب مجلة نيوزويك الأميركية.
ويأتي الفيلم الدعائي، الذي يدوم 47 دقيقة وقدمه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، مثالاً على تمرير الاحتلال سرديته حول القضية الفلسطينية في هوليوود، كخطوة طبيعية لاستخدام تأثيرها في أكبر مركز سينمائي في العالم.
وكان المخرج الإسرائيلي الحائز على جائزة أوسكار غاي ناتيف قد أكّد تقديم غادوت وزوجها يارون فارسانو المساعدة في الجهود التي قادها بهدف عرض الفيلم في الولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب وكالة أسوشييتد برس، فقد سبق لجيش الاحتلال أن عرض الفيلم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أمام الصحافة الأجنبية.

بدورها، تتعاون المسؤولة السابقة في شركة ميتا وإحدى أكثر النساء نفوذاً في سيليكون فالي شيريل ساندبرغ مع إسرائيل لترويج الادعاءات حول حصول اعتداءات جنسية خلال عملية طوفان الأقصى، رغم عدم تقديم أي دليل فعلي عليها حتى الآن. تعمل ساندبرغ على الفيلم مع شركة الإنتاج الإسرائيلية كاستينا كوميونيكيشنز، التي أنتجت مسلسلات تلفزيونية إسرائيلية شعبية، وتعمل أيضاً على ثمانية أفلام إضافية عن العدوان على غزة من وجهة نظر الاحتلال.

المساهمون