الإيطالي لويجي بورغاتو يكافح لحماية صناعة البيانوهات يدوياً

18 ابريل 2021
ينتج لويجي بورغاتو وزوجته آلتَي بيانو كحد أقصى في العام (فرانس برس)
+ الخط -

قرر لويجي بورغاتو في سنّ الـ 23 عاماً أن يصنع بيانو لنفسه. وبعد عقود، باتت العلامة التجارية الإيطالية المرموقة التي تحمل الاسم نفسه تجذب مشترين من كل أنحاء العالم، لكن جائحة كورونا أدت فجأة إلى تراجع زخم عملها.

ويقول صانع البيانو البالغ 58 عاماً: "توقف كل شيء. لم تعد هناك حفلات ولا اتصالات مع الموسيقيين. من دون مساعدة الدولة، مهنتنا قد لا تصمد حتى نهاية الجائحة".

وفي منزله الريفي في منطقة بورغو فينيتو قرب بادوفا في شمال إيطاليا، كل شيء يذكّر بعالم الموسيقى الكلاسيكية، إذ تتجاور ملصقات لحفلات بينها عروض دار سكالا في ميلانو مع تمثال نصفي لفيردي ورسم عن بيتهوفن.

أما في آخر الصالة، فيتربع بيانوهان ضخمان بطبقتين مع 37 قطعة على دواسة تضم مفاتيح العزف. هذه الآلة التي تشكل منتجاً وسطياً بين الآرغن والبيانو، استعير تصميمها من موزار الذي طلب صنع آلة بيانو بمفاتيح عزف سفلية للقدمين في 1785.

وعندما بدأ لويجي بورغاتو عزف مقطوعة لشوبان، لم يكن راضياً عن النتيجة، وهمس في نفسه: "عليّ أن أتعمق في دراسة الأمر".

وعلى يمين المدخل، أحدث الآلات الوافدة إلى المجموعة، التي قدمها مخترعها سنة 2017 على أنها "بيانو الحفلات الأطول في العالم"، إذ يبلغ طوله 333 سنتيمتراً، أي أكثر بحوالى 50 سنتيمتراً من الآلات التقليدية.

وينتج لويجي بورغاتو وزوجته باولا المكلفة الجانب الميكانيكي في هذه الصنعة، آلتي بيانو كحد أقصى سنوياً، بمساعدة موظف واحد.

"تصنيع يدوي"

ويقول: "نحن الوحيدون في إيطاليا، وحتى في العالم، الذين نصنع بيانوهات حفلات يدوياً بهذه الطريقة"، لكن "مع الجائحة، بات الناس يفكرون مرتين قبل الاستثمار في بيانو".

ويراوح سعر البيانو من نوع بورغاتو بين 291 ألف يورو و486 ألفاً من دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة، تبعاً للنماذج. ويتطلب تصنيع كل قطعة أكثر من 1850 ساعة عمل.

وتقول باولا البالغة 55 عاماً إن بيع أي بيانو يثير لدى الزوجين مشاعر انسلاخ بعد التعب الكبير المبذول في صنعه. وتباع الآلات كلها تقريباً لزبائن خارج إيطاليا. وتضيف باولا: "نفقد دائماً جزءاً جميلاً من حياتنا مع كل قطعة مبيعة".

ويوضح زوجها، قائلاً بأسف: "نحن بلد الفن، لكن مهنة صانع البيانو لا تحظى باعتراف الدولة الإيطالية"، رغم أن إيطاليا هي مهد البيانو، إذ شهدت اختراع آلة "بيانوفورته" التي مهدت لظهور البيانو بشكله الحالي، على يد بارتولوميو كريستوفوري المولود في بادوفا سنة 1698.

بورغاتو : نحن الوحيدون في إيطاليا وحتى في العالم الذين نصنع بيانوهات حفلات يدوياً بهذه الطريقة

وفي أوروبا، بدأت مصانع البيانو تزول تدريجاً لمصلحة شركات كبيرة. لكن هذه الأخيرة باتت أيضاً هدفاً لمجموعات آسيوية عملاقة تسعى إلى شرائها، كما حصل مع مصنعي "بوسندوفر" في النمسا و"سكيمل" في ألمانيا.

"جمال أخاذ"

وفي مشغله، يأخذ لويجي بورغاتو بدقة المقاسات، يقطع ويرسم القوالب ويلصق القطع، باستخدام مواد خاصة نفيسة لإنجاز تفاصيل الآلات، بينها خشب التنوب أو صوف الغنم (ميرينوس).

وبعد بدء مسيرته كمصلح آلات بيانو سنة 1983، اجتاز الحرفي الشاب العالم بصحبة زوجته لزيارة متاحف الآلات الموسيقية ودراسة تاريخ البيانو.

وعلى متن سيارته القديمة، توجه سنة 1985 إلى برلين لزيارة مصنع "بيكستاين" للبيانو للمرة الأولى في حياته. وقد استلهم من ألمانيا أيضاً صنع أول بيانو، بعد زيارته المنزل الذي وُلد فيه لودفيغ فان بيتهوفن في بون سنة 1770.

وعلى غرار آخر آلة للمؤلف الألماني، صنع الشاب الإيطالي حينها آلة بيانو مزودة بأربعة أوتار للنوتات الرفيعة، بدل ثلاثة، وهي فكرة حصل على براءة اختراع لها.

وفي 1991، دشّن العازف الفرنسي البارع جان غيو الذي توفي سنة 2019، هذا البيانو للمرة الأولى في كنيسة القديس أوستاش في باريس، متحدثاً عن "صانع بيانوهات عبقري شاب".

ومذاك، أحيا بعض من أشهر عازفي البيانو في العالم مثل رادو لوبو وفلاديمير أشكينازي وجيروم روز عروضاً موسيقية عزفوا خلالها على آلات من صنع بورغاتو.

ورغم توقف الحفلات، لا تزال التسجيلات متواصلة. وقد أدى عازف البيانو الإيطالي فرانشيسكو ليبيتا على مدى 20 ساعة مقطوعات السوناتا الـ35 لبيتهوفن على بيانو بورغاتو ذي "الجمال الأخاذ" على حد وصفه، بطول 3,33 أمتار.

وقال إن "هذا البيانو ضخم، لكن الصوت الصادر عنه شديد النعومة، وتظهر فيه الفروق الدقيقة... الأمر أشبه بممثل كبير يهمس ويسمعه الموجودون في آخر القاعة بوضوح تام".

(فرانس برس)

المساهمون