يشكّل الإنترنت قضية جدل مستمرة في إيران، من انقطاع الشبكة إلى ارتفاع الأسعار، أو حجب مواقع التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى جودة الشبكة والسرعة المنخفضة. أخيراً، عرفت البلاد فصلاً جديداً من فصول هذا الجدل. فبعد تحضير وتمهيد عبر تسريبات لتوجه حكومي لرفع أسعار الإنترنت وباقاته المختلفة، الأرضية والمتنقلة، أعلنت وزارة الاتصالات الإيرانية، في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رفع الأسعار بنسبة تصل إلى 30 في المائة.
يقول الخبير التقني الإيراني محمد جواد تبحري، لـ"العربي الجديد"، إن التحضير لرفع أسعار الإنترنت بدأ منذ إبريل/نيسان الماضي، مشيراً إلى أن الخطوة جاءت أيضاً بعد أسبوع تقريباً من تقديم شركات التزويد بخدمة الإنترنت في البلاد رسالة إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الاتصالات عيسى زارع بور، طالبت فيها بزيادة تعرفات الإنترنت.
ذكرت شركات الإنترنت الإيرانية في رسالتها، وفق تبحري، أنه رغم الارتفاع الهائل في الإنفاقات والتكاليف ظلت الأسعار ثابتة منذ خمس سنوات، لذا طالبت برفع الأسعار بنسبة 100 في المائة، نتيجة تصاعد مطرد لسعر الدولار والتضخم الشديد في البلاد، ما تسبب في تراجع شديد للاستثمارات وضخ الأموال لتطوير البنى التحتية والتقنيات الحديثة للإنترنت الثابت والمتحرك، خاصة في ما يتعلق بالجيل الخامس.
يوضح تبحري أن رفع الأسعار جاء في ضوء تراجع حاد في جودة الإنترنت في البلاد وامتعاض المستخدمين من ذلك، لافتاً إلى أن وزارة الاتصالات أكدت صحة هبوط جودة الإنترنت، مع الوعد بتحسينها قريباً.
ارتفاع الأسعار يشمل الباقات التي تزيد عن 2 جيغا في الشهر، وفق تبحري الذي يضيف أن الحكومة الإيرانية قد حددت جملة شروط لشركات الإنترنت، تمثلت في تحسين السرعة والجودة أيضاً في ثلاث مراحل حتى مارس/آذار 2025، فضلا ًعن العمل على تطوير الجيل الخامس 5G بحيث يغطي البلاد بنسبة 10 في المائة مع نهاية مارس/آذار 2026.
رغم الإعلان أن الأسعار قد ارتفعت بنسبة 30 في المائة، لكنها على أرض الواقع زادت أضعاف ذلك، فعلى سبيل المثال، باقة 50 جيغا إنترنت لشركة "همراه أول" (الجوالات) كانت تباع بـ119 ألف تومان (2.5 دولار) لكن سعرها بعد رفع الأسعار قبل نحو أسبوع زاد بنسبة 156 في المائة، إذ ارتفع إلى 300 ألف تومان (6 دولارات)، وفق صحيفة فرهيختغان. كما أن سعر باقة تحتوي على 10 جيغا من شركة "إيرانسل" (شركة أخرى للجوالات) أيضاً ارتفع بنسبة 111 في المائة من 36 ألف تومان (75 سنتاً) إلى 76 ألف تومان (1.5 دولار).
يقول الصحافي الإيراني داود حشمتي، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الإيرانية عزت رفع أسعار الإنترنت إلى الحاجة الماسة لشركات تقديم الخدمة لذلك، بسبب ارتفاع التكاليف والإنفاقات، وكذلك لأجل تحديث وتطوير قدراتها التقنية، ورغم أنه لا يمكن تجاهل هذا العامل، إلا أن الحكومة تتحمل مسؤولية هذا الوضع.
يوضح حشمتي أن الحكومة الإيرانية من خلال حجبها شبكات التواصل الاجتماعي سببت زيادة نفقات شركات الإنترنت، مشيراً إلى أن خطوة رفع الأسعار أيضاً جاءت لتوفير تلك النفقات على حساب المواطنين. وعن تبعات رفع أسعار الإنترنت في إيران، يشير حشمتي إلى أن عدداً كبيراً من الإيرانيين على احتكاك بالعالم الافتراضي ويعملون من هذا الفضاء الإلكتروني، ففي حين أن أدنى الأجور في المؤسسات الحكومية تبلع نحو 150 دولاراً، هناك من يتمكن من توفير هذا الدخل شهرياً بسهولة عبر أعمال على الإنترنت. ويضيف أن أحد أسباب تراجع الطلب على الوظائف الحكومية هو وجود فضاء افتراضي لتحقيق دخل أفضل للشباب، قائلاً إن رفع أسعار الإنترنت سينجم عنه تراجع استخدامه، وبالتالي سيؤثر على مدخول الكثيرين.
ويلفت حشمتي إلى أن رفع أسعار الإنترنت وأسعار برامج فك التشفير (في بي إن) يحمّل الطبقات الضعيفة في المجتمع تكاليف ورسوماً إضافية إلى جانب تزايد تكاليف الحياة اليومية، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بعض الأسر إلى خفض استخدامها للفضاء الافتراضي. غير أن تراجع الاستخدام هذا "لن يكون دائماً، لأن عالم الإنترنت في حالة تقدم وتطور مستمرين يوميا"، وفق حشمتي الذي يلفت إلى أنه اذا ما دخل الإنترنت المتوفر عبر الأقمار الصناعية إلى البلاد، فذلك سيكون على حساب السلطة، ويشكل تهديداً لها.
حسب تقرير نشرته صحيفة دنياي اقتصاد في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فإن 89.2 في المائة من المستخدمين الإيرانيين يستعملون الإنترنت الدولي من خلال برامج فك الحجب. والمفارقة أن عدداً كبيراً من المسؤولين الإيرانيين يملكون حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي المحظورة وفي مقدمتها "إكس"، وينشرون عليها رسائل شبه يومية.
وكشف تقرير لمركز إيسبا الإيراني لقياس الأفكار والاستطلاعات، في مايو/ أيار 2022، عن أن 78.5 في المائة من سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي. ويشير التقرير إلى أن منصة واتساب هي الأكثر شعبية في إيران، إذ يستخدمها 71.1 في المائة من مستخدمي الشبكات الاجتماعية، ثم "إنستغرام" بـ49.4 في المائة وثم "تليغرام" بـ31.6 في المائة.
وكان حظر منصتي واتساب وإنستغرام خلال سبتمبر/أيلول 2022 قد دفع عشرات الآلاف إلى النزوح صوب منصة تليغرام المحظورة أيضاً، لأن الوصول إليها أسهل من باقي المنصات. وتفيد تقارير إيرانية بأن عدد مستخدمي تليغرام في إيران يبلغ حالياً نحو 50 مليون شخص.