الإنتاج الدرامي المصري: في انتظار ما سيحدث في الموسم المقبل

25 سبتمبر 2023
نجح مسلسل "ريفو" رغم عرضه خارج موسم رمضان (فيسبوك)
+ الخط -

هدأت الصراعات الأخيرة بين العاملين في صناعة السينما والمسلسلات في مصر مع الكيانات الإنتاجية، بعد فترة مشتعلة شهدت العديد من الاجتماعات والبيانات من أجل تحسين ظروف العاملين، ورفض خطط تقليل الأجور. وانتهت شبه الانتفاضة من العاملين، من دون نتائج حقيقية على أرض الواقع، ومن دون أن نعرف إجابة عن السؤال: هل انتهت الأزمات الإنتاجية في صناعة الفن؟ وهل زيادة الأجور أو الإبقاء عليها هما الحل؟ ماذا ينتظر الموسم الدرامي المقبل بعد الانتفاضة الأخيرة؟
انفجرت أزمة العاملين في سوق الإنتاج الفني في مصر، من مخرجين ومؤلفين وفنيين، بسبب تسريب لائحة الأجور الجديدة، التي صُدّرت من مجهول وصدمت العاملين بسبب تصنيفهم إلى فئات. يأتي عدد من النجوم في مقدمتها بحصولهم على أجور مليونية ومفتوحة، ويأتي البقية بأجور أقل من المتعارف عليها. ورغم نفي جهات الإنتاج بعد ذلك علاقتها بلائحة الأجور المسربة، إلا أن القصة كشفت عن الصراع الخفي والحقيقي داخل السوق، وشعور العاملين بالغضب، ما يفسر رد فعلهم الجماعي والسريع والغاضب تجاه اللائحة، وكذلك كشفت عن قلة حيلة شركات الإنتاج في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

مقابل مسلسلات كثيرة

تذكرنا الأزمة الأخيرة في السوق الفنية في مصر، بما حدث بعد عام 2016 من محاولات الشركة "المتحدة" لاحتكار هذه السوق. ونتج عن هذا الاحتكار، خروج عدة شركات إنتاج خاصة من المنافسة، إضافة إلى احتكار القنوات الفضائية وشركات الإعلانات، ما دفع العاملين والفنانين حينها إلى الشكوى عبر منصات التواصل الاجتماعي من قلة العمل والفرص بسبب تقلص حجم الإنتاج والمنافسة. ولجأت وقتها "المتحدة"، برئاسة تامر مرسي، إلى سياسة تقشفية تعتمد على مبدأ "أجور قليلة مقابل مسلسلات كثيرة"، من أجل احتواء أكبر عدد من العاملين في الصناعة، من دون الاعتماد على منتجين من خارج مظلة "المتحدة".
صُدرت وقتها قرارات بعدم شراء القنوات الفضائية أي مسلسل يتجاوز حجم إنتاجه 60 مليون جنيه، ما تسبب في خفض أجور النجوم في تلك الفترة. ولكن، مع مرور المواسم ودخول منصة "شاهد" إلى المنافسة، وخروج المنتج تامر مرسي من المعادلة، عاد الوضع القديم في صناعة المسلسلات بحصول النجوم على أجور مليونية تجاوزت الـ 40 مليونا لدى بعضهم، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من أزمة اقتصادية، ظهرت آثارها بشكل كبير في الموسم الدرامي الماضي بسبب تراجع حجم الإعلانات على القنوات الفضائية وزيادة ميزانية المسلسلات، وتحايلت المتحدة على الأزمة بإنتاج مسلسلات عديدة من 15 حلقة فقط.

موسم رمضان 2024

بعد موسم رمضان 2023، توجه عدد من المنتجين إلى السينما التي تحيا فترة انتعاش بسبب العروض الجماهيرية في السعودية، في الوقت الذي تحقق فيه المسلسلات خسائر متزايدة، لدرجة إعلان المنتج جمال العدل عدم إنتاج أي عمل درامي للعام المقبل، والاكتفاء بالسينما. دفعت هذه التطورات الشركة المتحدة إلى تذكر السياسات القديمة، وعقدت اجتماعا مع المنتجين لإطلاق ما يسمى "اتحاد منتجي مصر"، الذي ترتب عليه إطلاق اللائحة المسربة للأجور وما بعدها من صراعات، وذلك لرغبة الشركة المتحدة في الحفاظ على نفس عدد المسلسلات كل عام، مقابل تخفيض الميزانية لتراجع حجم الإعلانات على القنوات الفضائية، دفع هذا المنتجين إلى التفكير في تقليل الأجور مرة أخرى بعد موسم 2016، ولكن هذه المرة يصعب تطبيقه لوجود منافسين خارجيين ولوجود أزمة مالية تخنق الجميع.
انتهى موسم رمضان 2023، ولم يعرض أي مسلسل جديد على قنوات المتحدة، على عكس الأعوام الماضية، ووصل الفقر الإنتاجي إلى عرض مسلسل "ريفو" على الشاشة بعد عرضه على منصة "ووتش إت"، ويتبقى أيضاً ما يقارب نفس المدة على موسم رمضان 2024، ولم تتضح ملامح خريطة المسلسلات حتى الآن. وتتجه جميع المؤشرات إلى أن آثار الأزمة الاقتصادية ستعصف بالموسم الجديد، فإصرار العاملين والنجوم على عدم تقليل الأجور، يعني عدم قدرة المنتجين على الإنتاج، لعدم قدرة القنوات على شراء المسلسلات لتقلص حجم الإعلانات.

قلة حيلة

كل الطرق أصبحت تؤدي إلى ضرورة التخلي عن سياسة الاحتكار في صناعة الدراما، وأثبتت التجارب الأخيرة فشل هذه السياسة في توفير إنتاج ضخم وفرص عمل لجميع العاملين في الصناعة أو حتى إشباع الجمهور، الذي أصبح يعتمد بشكل كبير على مسلسلات منصة "شاهد" طوال العام، وأصيبت الشركات الخاصة بقلة الحيلة الإنتاجية لأنها لا تجد أي منفذ آخر لبيع مسلسلاتها سوى قنوات "المتحدة" التي تعاني من الخسائر، وتظل الأزمة الحقيقية في سوق الإنتاج في غياب التنافسية بين الشركات والقنوات الفضائية، وعدم وجود منصات إلكترونية قوية في مصر تستطيع إنتاج وعرض مسلسلات للجمهور طوال العالم.

سينما ودراما
التحديثات الحية

تحتاج صناعة المسلسلات ثورة حقيقية على الطريقة التقليدية في إنتاجها وعرضها، فحتى الآن ما زالت الشركات تعتمد على الفضائيات بدرجة كبيرة في إنتاج المسلسلات، لدرجة بيع المسلسلات للقنوات قبل تصويرها من الأساس، على العكس من المنصات الرقمية، التي تعتمد على نسب المشاهدة بعد العرض، والتي تحدد على أساسها إمكانية إنتاج حلقات ومواسم أخرى من نفس المسلسل أم لا، وكذلك تعطي الفرصة أمام العديد من النجوم الجدد بعيداً عن حسابات المعلنين والقنوات الفضائية. وأثبتت الأعوام الأخيرة نجاح المواسم الدرامية خارج موسم رمضان والأمثلة عديدة، وأحدثها مسلسل "سفاح الجيزة". و"موضوع عائلي" و"ريفو".
حصرت الشركة المتحدة المسلسلات في مصر بموسم رمضان فقط، وعلى دائرة ضيقة من النجوم الموجودين كل موسم بأجور ضخمة، لذلك يبقى الصراع كما هو عليه إلى الموسم المقبل، وربما يتجدد مرة أخرى لأن الأزمة أكثر تعقيداً من أجور الفنيين والعاملين أو من عدد المسلسلات في شهر رمضان فقط، وقد نصدم بحلول موسم رمضان من دون مسلسلات في حال زيادة خسائر شركات الإنتاج وعدم قدرتها على مواصلة الإنتاج التلفزيوني في المستقبل القريب.

المساهمون