الإعلام في تونس والانقلاب: إسكات وسكوت

26 يوليو 2021
في محيط البرلمان التونسي اليوم (ناصر طلال/الأناضول)
+ الخط -

شكل الظهور الإعلامي للرئيس التونسي قيس سعيد ليلة الأحد وإعلان قراراته الانقلابية بتجميد البرلمان والإطاحة برئيس الحكومة واحتكاره السلطات التنفيذية والقضائية حدثاً كبيرًا كان له انعكاساته على الساحة الإعلامية التونسية والدولية، ظهرت سريعاً عبر السياسة التحريريّة التي انتهجتها القنوات، إذ لاذ أغلبها بالصمت إثر الأحداث، في ظلّ اقتحام قوات أمنية لمكاتب وسائل إعلاميّة في تونس، ما رفع المخاوف حول عودة الاستبداد والتضييق على حرية الصحافة. 

فقد اقتحمت قوات الأمن التونسية مكتب قناة "الجزيرة"، اليوم الإثنين، وأخرجت جميع الصحافيين والموظفين منه، بحسب ما أعلنت الشبكة نفسها. وقال مدير مكتب "الجزيرة" في تونس، لطفي حجي، في تصريح نقلته القناة، إنّ السلطات لم تبلغهم بإشعار مسبق قبل إخلاء المكتب من قبل الأمن. وأكد مراسل "الجزيرة" إنّ قوات الأمن التي بلغ عددها حوالى 20 عنصراً لم تكن ترتدي الزي الرسمي عندما اقتحمت المقر. وقالت القناة إنّ هذا الإجراء يعدّ سابقة في تونس منذ الثورة عام 2011.
وطلبت قوات الأمن التونسية من العاملين في مكتب "الجزيرة" إغلاق الهواتف والحواسيب ونزع التوصيلات الكهربائية "بلا سبب"، قائلةً إنها "تنفّذ تعليمات وزارة الداخلية". ولم يسمح للصحافيين بأخذ أوراقهم فيما سُحبت مفاتيح المكتب من الموظفين وتم منعهم من العمل، دون إظهار أي وثيقة من وزارة الداخلية أو القضاء التونسي، بحسب ما قال مدير القناة في تونس. واعتبر حجي أنّ القرار "تعسفي لمنع الصحافيين من القيام بعملهم".

وأكدت مصادر إعلامية متطابقة في تونس لـ"العربي الجديد" أنّ السلطات التونسية قررت غلق مكتب "الجزيرة" الإخبارية، متهمةً إياه بـ"عدم الموضوعية في نقل ما يحصل في تونس".

قرار غلق القناة أثار ردود فعل غاضبة فورية في الساحة الإعلامية في تونس، حيث اعتبرته  عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين المكلفة بالعلاقات الخارجية، فوزية الغيلوفي، خطوة أولى في طريق الديكتاتورية، وقالت: "الديكتاتورية تنطلق بكتم صوت الإعلام، لن نسمح بتكميم الأفواه ولا أحد له الحق في منع أي صحافي من العمل". كما رأت فيه الإعلامية خولة السليتي أمرا خطيرا جدا حيث كتبت "ما حصل مع مكتب الجزيرة خطير جدا، الدور القادم على أي مؤسسة إعلامية؟". ودانت منظمة "مراسلون بلا حدود" اقتحام قناة الجزيرة وإقحام وسائل الإعلام في الصراعات السياسية. وقال سمير بوعزيز من مكتب شمال إفريقيا في المنظمة، إنّ ما حصل غير مقبول بالمرة، وما حدث مع "الجزيرة" بالنسبة إلى مهامنا المتعلقة بحرية الصحافة والصحافيين، خصوصاً أنه ليس هناك أي إذن قضائي أو مسوّغ قانوني، مؤكداً أن مثل هذه الإجراءات مرفوضة وليس هناك مبرر لاقتحام ومصادرة مكاتب مؤسسات إعلامية، محذراً من انعكاسات هذه الخطوة على وسائل إعلام أخرى في تونس. 

ولم يكن الصحافيون الذين يغطون الأحداث على الأرض بمنأى عن الانتهاكات، فقد تعرض صحافيون ومصورون تونسيون  لاعتداءات ورشق بالحجارة خلال تغطيتهم الاحتجاجات أمام مبنى البرلمان التونسي، الأحد، كان بينهم مصور "الأناضول" ياسين القايدي الذي أصيب بحجر في الرأس. 

إلا أنّ تفاعل وسائل الإعلام التونسية مع ما تمّ إعلانه من رئيس الدولة كان حذراً في أغلب الأحيان، حيث اكتفت المحطات الإذاعية والمواقع الإخبارية الإلكترونية بالمتابعة الإخبارية وحاولت تجنب توصيف ما حصل والاكتفاء بالمتابعة الإخبارية ودعوة مختصين في القانون الدستوري لشرح ما حصل وتأويل الرئيس التونسي للفصل 80 من الدستور التونسي في اتخاذ قرارات وصفها البعض بالانقلابية والتوسع في فهم الفصل 80 وتأويله بما يخدم أهدافه. 

القنوات التلفزيونية المحلية تعاملت مع الحدث، ليل الأحد، بالتجاهل التام ما عدا قناة تلفزيونية وحيدة هي قناة "تلفزة تي في" الخاصة لتلتحق بها يوم الاثنين قنوات أخرى في المتابعة الإخبارية دون توصيف لما يحصل ما عدا قناتي "الزيتونة" و"نسمة تي في" اللتين حمّلتا الرئيس التونسي قيس سعيد المسؤولية عما قد تدخل فيه تونس من اضطرابات من خلال قراراته التي وصفت باللادستورية من قبل رئيس كان من المفترض أن يحرص على احترام الدستور التونسي.

المنظمات النقابية الإعلامية التونسية من جهتها لم تصدر سريعاً مواقف واضحة مما حصل في تونس. وباتصال "العربي الجديد" بنقيب الصحافيين التونسيين، مهدي الجلاصي، أكد أنّ "المكتب التنفيذي للنقابة في اجتماع مفتوح لتقييم ما حصل وإصدار موقف حوله". أما النقابة العامة للإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل فقد اكتفت بالصمت دون أن تصدر موقفا واضحا. وبيّن نائب رئيس النقابة العامة للإعلام، محمد الهادي الطرشوني، في اتصال مع "العربي الجديد" أنّ النقابة ستلتزم بالموقف الذي سيصدره الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الشغلية التي تنضوي النقابة تحتها، مشيرًا إلى أن مكتبه التنفيذي للاتحاد يعقد اجتماعاً منذ ليلة الأحد للإعلان عن موقف واضح مما حصل.

وأكدت الأصداء التي وصلت من غرف الأخبار في عديد المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة أنه لم تصدر إلى حدّ الآن أي تعليمات حول التعاطي الإعلامي مع ما يحصل في تونس وأن كل مؤسسة إعلامية ملتزمة بخطها التحريري، لكن البعض منهم لم يخفِ مخاوفه من فرضية التضييق على حرية الإعلام خاصة وأن الرئيس قيس سعيد معروف بتشدده في التعامل مع الإعلام المحلي حيث لم يجر أي حوار منذ تسلمه مقاليد الحكم مع أي وسيلة إعلام تونسية، في حين أجرى عديد اللقاءات مع وسائل إعلام عربية وأجنبية. كما أن دعواته المتكررة إلى تحرك النيابة العمومية عند التعرض لشخصية رئيس الدولة وكبار المسؤولين ترفع من درجة التخوفات، وهو ما دعا البعض إلى الدعوة إلى ضرورة اليقظة من قبل الصحافيين والهياكل النقابية الممثلة لهم لمجابهة كل انحراف ممكن يهدف إلى التضييق على حرية الصحافة والرأي والتعبير والتجند للدفاع عن أهم مكاسب الثورة التونسية.

تضييق لاحظته مراسلة وكالة الأنباء الفرنسية في تونس كوثر العربي التي كتبت على صفحتها في "فيسبوك" أن بعض الإذاعات التونسية دخلت بيت الطاعة باكرًا من خلال التقرب إلى رئيس الدولة منذ صباح الاثنين وحديثها عن "الصبح الجديد"، وهو ما يشاركها فيه الكثير من الإعلاميين الذين يؤكدون أن حرية الصحافة في خطر خاصة وأنّ الرئيس التونسي سبق له وأن تقدم من خلال مؤسسة رئاسة الجمهورية بشكاوى إلى القضاء العسكري لتتبع مدونين بسبب نشرهم تدوينات تنقد إدارته للشأن العام مثلما حصل مؤخرا مع المدون سليم الجبالي صاحب صفحة "وزير ضغط الدم والسكر" في شهر حزيران/يونيو 2021 بسبب نشره تدوينة في شهر شباط/فبراير2021 اعتبرتها رئاسة الجمهورية فيها إساءة لرئيس الدولة ليزج به في السجن ويحاكم بسبب ما كتب.

الوضع العام في تونس في المجال الإعلامي يكتنفه الكثير من الغموض خاصة في ظل حضور هاجس التجربة المصرية بقوة في المخيال الإعلامي التونسي والخوف من انتكاسة لحرية الصحافة والعودة بها إلى مربع الاستبداد الأول مثلما كان الأمر قبل الثورة التونسية سنة 2011 والإطاحة بالرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي الذي اتسمت سياسته بالرقابة المشددة على وسائل الإعلام التونسية والتضييق على عمل الإعلاميين، بعد 10 سنوات من الحريّة الإعلاميّة التي عاشتها تونس.

المساهمون