عاشت وسائل الإعلام اليمنية ومراسلو القنوات والوكالات العربية والدولية 4 أيام من العزلة الإجبارية جراء انقطاع خدمة الإنترنت عن اليمن بشكل كامل، في حادثة غير مسبوقة منذ اندلاع النزاع المتصاعد قبل نحو 8 أعوام.
وفي ذروة تصعيد عسكري قياسي منذ بداية العام الجاري، وتحول اليمن إلى حدث رئيسي في وسائل الإعلام الخارجية، تعرضت الساحة الساخنة لعملية تغييب شاملة بعد ضربات جوية للتحالف السعودي - الإماراتي على مدينة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر.
وعادت خدمة الإنترنت إلى العمل في وقت مبكر من فجر الثلاثاء، إلى عموم المدن التي دخلت في عزلة تامة جراء اعتماد الجمهور اليمني في استقاء الأخبار على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل.
ومع توجه السواد الأعظم إلى القنوات الفضائية المحلية التي تبث من الخارج، خلال الأيام الماضية، إلّا أنّ هذه أيضاً باتت منزوعة الجناحين إثر عجزها عن التواصل مع طواقم مراسليها في الداخل.
ومنذ اندلاع الحرب، يعمل الإعلاميون من داخل اليمن في ظروف بالغة الصعوبة إضافة لبيئة عمل غير آمنة وانتهاكات تشارك فيها جميع الأطراف، وتقف الخدمات المتردية من اتصالات وإنترنت كعقبة أخرى أمام العمل الصحافي.
ما الذي حدث؟
منذ اندلاع النزاع اليمني في العام 2015، ظلت جماعة الحوثيين تتحكم بخدمة الإنترنت لكافة المدن الخاضعة لسيطرتها شمالي البلاد، أو تلك الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً جنوبي وشرق البلاد، باستثناء خدمة مستحدثة داخل مدينة عدن فقط تم إطلاقها بعد سنوات من الحرب، لكنّها لا تحظى بانتشار واسع نظراً لكلفتها الباهظة.
استخدم الحوثيون خدمة الإنترنت وقطاع الاتصالات بشكل عام كسلاح رئيسي في المعركة، إذ تم حجب كافة المواقع الرسمية التابعة للحكومة الشرعية ودول التحالف فضلاً عن مواقع صحف ووكالات أنباء دولية، ودائماً ما كانت الجماعة تتحكم بالخدمة صعوداً وهبوطاً بعد تخفيض السرعة عن المدن البعيدة عن سيطرتها تارةً أو قطعها بالكامل تارةً أخرى.
فرضت السلطات الحوثية تعتيماً شديداً على مسألة انقطاع خدمة الإنترنت
منتصف ليل الخميس الماضي، أعلنت السلطات الحوثية عن تعرض البوابة الدولية للإنترنت في مدينة الحديدة لعدة غارات جوية من مقاتلات التحالف الذي تقوده السعودية، وقالت إنّ تلك البوابة هي المسؤولة عن تزويد كافة مدن اليمن وشركات الهاتف النقال بخدمة الإنترنت، لتنقطع خدمة الإنترنت ابتداء من الواحدة من فجر يوم الجمعة الماضي.
أثار الإعلان الحوثي علامات استفهام واسعة، كون الغارات الجوية التي طاولت مقر شركة الاتصالات اليمنية في الحديدة قد حصلت قبل أكثر من 3 ساعات من انقطاع خدمة الإنترنت، وهو ما زاد الشكوك حول إجراء حوثي متعمد لاعتبارات أمنية وكذلك سياسية بهدف تأليب الرأي العام الداخلي والدولي ضد التحالف.
عقب انقطاع الخدمة، عجزت وسائل الإعلام اليمنية والدولية عن تقصي حقيقة ما جرى، أو كشف السبب وراء انقطاع خدمة الإنترنت، وما إذا كانت البوابة الحكومية في مدينة الحديدة هي المزوّد الوحيد للمدن اليمنية بالخدمة أم أنّ هناك كابلات بحرية أخرى من محافظتي المهرة وعدن.
استخدم الحوثيون الإنترنت وقطاع الاتصالات كسلاح
فرضت السلطات الحوثية تعتيماً شديداً على مسألة انقطاع خدمة الإنترنت. وأكد مصدر في المؤسسة اليمنية للاتصالات والإنترنت لـ"العربي الجديد" أنّهم لم يتمكنوا من الحصول على أي معلومة دقيقة حول وضع سيرفيرات التحكم، جراء القبضة الأمنية للحوثيين.
مصدر آخر أكد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ سيرفيرات بوابة الإنترنت في الحديدة لم تتعرض لدمار شامل جراء القصف الجوي، وأشار إلى أنّ الخلل الذي طاول منافذ الخدمة فقط لم يكن يستدعي كلّ هذا العطل الطويل لمدة 4 أيام، وكان بمقدور الفرق الهندسية إصلاحه خلال ساعات.
أكبر المتضررين
كان العاملون في وسائل الإعلام داخل اليمن من أكثر الشرائح تضرراً جراء انقطاع خدمة الإنترنت. وللمرة الأولى منذ العام 2015، تعرضت الحقائق على الأرض لتغييب شبه كامل، فيما بدت قنوات التلفزة اليمنية التي تبث من الخارج شبه معطلة، وتعمل على تكرار أخبار قديمة في شريطها العاجل، بعضها انقضى عليها عدة أيام.
لجأت بعض وسائل الإعلام الخارجية إلى التواصل الهاتفي مع شبكة مراسليها داخل اليمن، من أجل معرفة المستجدات على الأرض، لكنّ هذه الطريقة أيضاً لم تكن مجدية نظراً لشح تدفق المعلومات وانقطاع المصادر المحلية التي كان يُعتمد عليها في السابق.
لجأ المراسلون لخدمة الرسائل النصية لإرسال الأخبار العاجلة
وقال عدد من مراسلي وسائل الإعلام العربية والدولية في أحاديث منفصلة لـ"العربي الجديد"، إنهم عاشوا لحظات قاسية أعادتهم عقدين من الزمن إلى الوراء وجعلتهم يفكرون جدياً باللجوء لخدمة الفاكس، فيما لجأ البعض للاكتفاء بإرسال أخبار عاجلة فقط عبر خدمة الرسائل النصية.
بدا العاملون في حقل الإعلام تائهين من دون خدمة الإنترنت. ووفقاً لصحافي يقطن في صنعاء، لم يشأ ذكر اسمه، فإنّه حتى في حال كان قريباً من الحدث، إلّا أنّ الحقائق كانت ناقصة بالنسبة له، خصوصاً في مسألة الغارات الجوية للتحالف التي استمرت بعد توقف الإنترنت، وقال "كنا نسمع الغارة الجوية ولكن لا نعرف أين موقعها على وجه التحديد، سواء في شمال أو جنوب العاصمة، وأي المواقع استهدفت وهل هناك ضحايا أم لا... كافة هذه التفاصيل كنا نعتمد عليها من الإعلان الرسمي للحوثيين أو من شبكات رصد تنشط في وسائل التواصل".
توجه السواد الأعظم إلى القنوات الفضائية المحلية التي تبث من الخارج
واعتمدت بعض الوسائل المحلية والدولية على مراسليها الموجودين في عدن ويشتركون في خدمة الإنترنت التابعة للحكومة المعترف بها دولياً والتي تسمى "عدن نت"، لكن العاملين من هناك ظهروا عاجزين أيضاً عن نقل حقيقة ما يجري على امتداد اليمن، نظرًا لشحّ تدفق المعلومات من 21 محافظة معزولة كلياً.
وفي ظل المخاوف من سيناريو مماثل في المستقبل، دفع الانقطاع الطويل للإنترنت بعض الصحافيين للتفكير بالاشتراك بخدمة إنترنت عبر الأقمار الصناعية، والتي لم تتأثر خلال أيام الانقطاع، واعتمدت عليه بعض القنوات خصوصاً تلك التابعة للسلطات الحوثية.
وقال محمد السامعي، وهو مراسل وكالة "الأناضول" في اليمن، لـ"العربي الجديد"، إنّه يفكر بالاشتراك في خدمة الإنترنت الفضائي لكن كلفته التي تراوح بين 400 و1000 دولار أميركي، تحول دون اتخاذ القرار في الوقت الراهن، وأضاف "نحن في بلد يعيش حالة حرب متصاعدة وكافة الخدمات مهددة بالتوقف في أيّ لحظة... ما جرى يستدعي أن تمنح الوسائل العربية والدولية وأيضاً القنوات المحلية مراسليها ومكاتبها داخل اليمن خدمة إنترنت لا تتأثر بأيّ عارض ولا تخضع للابتزاز والمساومة السياسية".
وظل الإعلاميون كافة أسرى لحالة من القلق طيلة الأيام الماضية، حيث حضرت هواجس لدى البعض من فقدان وظائفهم في حال لجأت الوسائل التي يعملون بها إلى الاستغناء عنهم والتعاقد مع مراسلين تتوفر لديهم الإمكانيات، فيما كان البعض الآخر يتجه إلى مدن ومقرات خاصة تمتلك خدمة الإنترنت الفضائي.
وقال صحافي يعمل بالقطعة مع وسيلة خارجية، في حديث لـ"العربي الجديد": "صحيح أنّ ما جرى قوة قاهرة خارجة عن إرادتنا، لكن بعض جهات العمل لا تتفهم هذا الشيء وأننا نعمل وسط ظروف بالغة الصعوبة طوال السنوات الماضية، نكافح بشق الأنفس من أجل الوصول إلى المعلومة وتأدية أعمالنا في بيئة معقدة من كافة النواحي".