يتعرض الإعلام المصري للموت البطيء؛ تتوقف عن الصدور صحيفة أو مجلة، أو كلتاهما، شهرياً. توقفت مجلة طبيبك الخاص، التابعة لدار الهلال، عن الصدور، ومعها مجلة الكواكب الفنية العريقة، في مايو/أيار الماضي، بعدما أمر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بدمجهما في مجلة حواء وإنشاء موقع إلكتروني لكلّ منهما، كما حصل مع صحيفة المساء الورقية التي تصدر منذ 70 عاماً قبلهما، وكذلك مع صحيفة الأهرام المسائي التي أكملت عامها الثلاثين وصحيفة الأخبار المسائي التي لم تعش أكثر من 10 سنوات.
وسط حالة التردي المهني والاقتصادي التي يمر بها الإعلام المصري، نظم المجلس الأعلى للصحافة، بين 3 و5 يوليو/تموز الحالي، معرضاً لـ"الصناعات الوطنية" تحت عنوان "معرض صنّاع بلدنا". تمكّن أكبر تجمع للصحف المملوكة للدولة، الذي يضم مؤسسات الأهرام وأخبار اليوم والجمهورية، أن يحشد في المعرض عشرات المصانع والشركات. لا علاقة تربط "صنّاع بلدنا" بمهنة الصحافة والإعلام. الشركات التي حضرت دفعت ثمن الاشتراك وإعلانات في الصحف، وقيمة حجز أرض المعارض الجديدة. كشف الحشد الذي ضم 5 وزراء، منهم وزراء قطاع الأعمال والمالية والشباب، وممثلو الشركات، ومن خلفهم رؤساء مجالس الصحف الثلاث، ورئيس المجلس الأعلى للصحافة، عن الهدف المبتغى من وراء معرض لا يقدم جديداً للشركات أو الجمهور الغائب، أو لمهنة الإعلام، فكل ما يرجونه التواجد في هوجة احتفالات النظام بــ3 يوليو التي أقصت الرئيس المنتخب، محمد مرسي (1951 ــ 2019)، عن السلطة.
ولم تستطع أخبار المعرض أن تعلو فوق أخبار الرئاسة التي أمرت راعيه، رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بتركه لحضور افتتاح خط القطار الكهربائي للعاصمة الإدارية. ونافسها في النشر ضجيج رئيس المجلس الأعلى للإعلام كرم جبر الذي نظم في مكتبه مؤتمراً صحافياً لوزير التموين علي المصيلحي، ليفسر فيه مشروعاً لاقى سخرية إعلامية، بعدما اقترح إنتاج الخبز المدعوم من البطاطا، لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار القمح.
تعاني الصحف والقنوات المصرية من تدهور عوائد الإعلانات، منذ سنوات. يرجع خبراء في صناعة الإعلام أسباب هذا التدهور إلى "ضعف المستوى المهني، وتحولها (المنصات الإعلامية) إلى نشرات رسمية لسلطة جعلت من الصحف نسخاً عن بعضها". لم يعد الإعلام يعبّر عن المجتمع، بل أداة من أدوات ملاحقة الخصوم وتأليب الرأي العام على المعارضين، ولهذا انفض الناس عنه، وسعوا لبدائل يجدونها في قنوات عربية أو صحف أو مواقع إلكترونية. لم تفلح السلطة في منع الجمهور من متابعة المواقع المحجوبة التي تزيد عن 660 موقعاً. وعلى الرغم من موافقة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الشهر الماضي، على إنشاء مواقع جديدة، وتدشينه حفلاً كبيراً للإعلان عنها، فإن وقوعها تحت سطوة القبضة الأمنية، المعروفة باسم" إعلام السامسونغ"، جعلها نسخاً متكررة من الموجودة، لا سيما أن إمكاناتها الفنية والمادية متواضعة للغاية.
ضعف مستوى الأداء الإعلامي يدفع كثيرين من أنصار النظام للمطالبة بتغييره، منهم أستاذ العلاقات الدولية والخبير الإعلامي سعيد صادق الذي يدعو الحكومة إلى السماح بإطلاق حرية الإعلام والتعبير، من منصة مدينة الإنتاج الإعلامي، وأقمار النايل سات المملوكة للدولة، بدلا من تركها تهاجم النظام من الخارج. وبرر سعيد صادق مقترحه بحاجة الدولة إلى إعلام قوى، يمارس دوراً مهنياً، منافساً على الأقل للقنوات العربية الخليجية التي استقطبت جمهوراً واسعاً على المستويين المحلي والعالمي، بينما اختفى دور الإعلام المصري كقوة ناعمة، كانت حاضرة بفاعلية، في العقود الماضية.
ويطلق أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، أيمن ندا، لقب "إعلام السبوبة" على الإعلام المصري الحالي، بعد تخليه عن دوره المهني، واكتفائه بخدمة النظام وإرضاء المتحكمين فيه من الجهات السيادية التي تحرّك الجميع عبر رسائل من هاتف "سامسونغ"، وترسل المعلومات بالبريد الإلكتروني، وتخضع الكلّ للرقابة من خلال لجان أمنية، تشارك فيها قيادات صحافية ومجموعة من قدامى الصحافيين.
أشار المرصد المصري للصحافة والإعلام، في تقرير أصدره بمناسبة الاحتفال بيوم الصحافي في 10 يونيو/حزيران الماضي، إلى أسباب تراجع الأداء المهني ودور الإعلام في السنوات الأخيرة، بعد قفزة حققها على مستوى الانتشار والمهنية، أثناء ثورة 25 يناير، وحتى انقلاب 3 يوليو 2013، حينما وضع تحت القبضة الأمنية المشددة. لفت المرصد إلى وجود قيود شديدة على حرية الصحافة، واستمرار الحكومة في حجب المواقع الإلكترونية لصحف محلية ودولية كبرى وأخرى لمؤسسات تابعة للأمم المتحدة، ولدول داعمة للنظام. وأكد أن السلطات استهدفت إحكام قبضتها على المعلومات، وإخفاء البيانات، مع منع مقالات من النشر، واستمرار القبض على الصحافيين بتهم فضفاضة كإشاعة أخبار كاذبة. تأتي الانتهاكات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي رصدها التقرير من أخطر الانتهاكات التي تلاحق الصحافي الذي "يقع بين شقي رحى، حكومة تضيق عليه مساحة الحرية وحقه في التعبير عن رأيه، وحجز مستحقاته، أو فصله تعسفياً". ورَصد 17 حالة للفصل التعسفي و22 حالة للفصل التعسفي وحجب الحقوق المالية، خلال الربع الأول من العام الحالي.
وأشار تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود، في 30 مايو/أيار الماضي، إلى أن مصر تواصل تراجعها في مؤشر الحريات الصحافية، للعام الثامن على التوالي. وأكدت المنظمة، في تقرير أحدث، أن الصحف المصرية التابعة للدولة أو أجهزة المخابرات أصبحت أداة من أدوات ملاحقة المواطنين والصحافيين المعارضين للنظام.
كما يشير خبراء إلى عدم تورع الإعلام الرسمي عن ملاحقة شخصيات من داخل النظام أو داعمة له، لمجرد صدور تعليمات لهم بذلك. ذكر البرلماني السابق أنور السادات أنه أصبح ممنوعاً من الإطلالات الإعلامية، بعد إعلانه تشكيل تيار معارض لأجندة "الحوار الوطني" الذي دعت إليه الرئاسة. ويدافع القائمون على الصحف والإعلام عن سياسة " الصوت الواحد" التي يطبقونها بأن الدولة هي المالك وأن النظام يدفع لهم الرواتب والنفقات، وأن الحكومة التي تخلت عن الاستثمار في مشروعات صناعية وزراعية في "وثيقة الاستثمار" الجديدة، تعهدت باستمرار دعمها المالي للصحف والإنتاج التلفزيوني والسينمائي.