- دراسة لمجلة ميديا الفرنسية كشفت عن تراجع تغطية الحرب في أوكرانيا بمعدل ثلاث مرات في الإعلام الفرنسي بعد العدوان على غزة، مع انخفاض الإشارات من 2127 إلى 688 يوميًا.
- مطالبة عشرات المؤسسات الإعلامية والمنظمات بالسماح للصحافيين بدخول غزة لتغطية الأحداث، مشددين على أهمية حماية الصحافيين وحرية الصحافة لضمان تدفق المعلومات والشفافية خلال النزاعات.
في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد نحو شهر من عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح المسلح في حركة حماس، والتي أسفرت عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي واحتجاز نحو مائتي رهينة، صرّح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن "الحرب في الشرق الأوسط" حوّلت الأنظار عن الصراع الدائر بين بلده وروسيا منذ فبراير/شباط 2022.
وفي هذا السياق، حاولت مجلة ميديا الفرنسية، المتخصصة في القضايا الإعلامية وتتبع للمعهد الوطني السمعي والبصري، قراءة التغطية الإعلامية الفرنسية للحرب في أوكرانيا وتأثر حضورها في القنوات الإخبارية، في الفترة التي تلت بدء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
أجريت الدراسة على أربع قنوات إخبارية فرنسية، وذلك في الفترة الزمنية الممتدة ما بين منتصف فبراير/شباط من عام 2022 والتاسع من نوفمبر/تشرين الأول من عام 2023.
بيّنت الدراسة أنّ تغطية الحرب في أوكرانيا تراجعت فعليّاً في الإعلام الفرنسي، وذلك بمعدل ثلاث مرات عن مرحلة ما قبل عملية طوفان الأقصى. في الأسبوع السابق لبدء حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، رصدت الدراسة 2127 إشارة إلى الأحداث في أوكرانيا خلال اليوم الواحد. تراجع هذا الرقم خلال الشهر الأول الذي تلا السابع من أكتوبر، لتنحدر إلى 688 إشارة في اليوم الواحد.
هذا التراجع لا يرتبط حصراً بالتغطية الإعلامية الواسعة للعدوان الإسرائيلي على غزة، بل هو جزء من تجاوز اعلامي مُعتاد لمرحلة الصدمة في التعامل مع الأحداث الكبرى، وفي هذه الحالة الحرب الروسية في أوكرانيا. وقد أشارت الدراسة إلى أن تغطية الحدث الروسي الأوكراني شهدت تراجعها الأول بعد أسبوع واحد من بداية الحرب. ما بين الأسبوعين الأول والثاني تراجعت التغطية الإعلامية بنسبة 22 في المائة. في الأسبوعين الثالث والرابع تراجعت التغطية بنسبة 12 في المائة مقارنة بالأسبوع الثاني.
وخلصت الدراسة إلى أن تغطية الحرب في أوكرانيا، على القنوات الإخبارية الفرنسية الأربع، تراجعت بنسبة 40 في المائة بعد شهر واحد من بدايتها.
هذه التجربة انسحبت أيضاً على التغطية الإعلامية للعدوان على قطاع غزة، ولكن تجاوز الصدمة جاء أكثر سرعةً وكثافة. في الأسبوع الثاني الذي تلا السابع من أكتوبر، تراجعت نسبة تغطية الإعلام الفرنسي بنسبة 41 في المائة.
ومن أجل فهم أفضل للتعاطي الإعلامي الفرنسي بما يتعلق بفلسطين، وتحديداً بغزة، لا بُدّ من العودة زمنياً إلى الخلف، لفهم تحولات الاهتمام الإعلامي الفرنسي بما يجري في المنطقة خلال السنوات الماضية. ومن أجل ذلك، قامت المجلة بدراسة ثانية تركّزت على تغطية قضايا المنطقة في الفترة الممتدة ما بين 1995 ويونيو/ حزيران من عام 2023. بينت الدراسة فقداناً تدريجياً للاهتمام بالحدث الفلسطيني في الإعلام الفرنسي، وتحديداً بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
استعرضت الدراسة الأحداث الثلاثة التي نالت الحصة الأكبر من التغطية الإعلامية في هذه الفترة، وتنقسم على الشكل التالي: الانتفاضة الثانية (2000 – 2005)، وهي الأكثر متابعة من الإعلام الفرنسي على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، والعدوان الإسرائيلي على غزة في يناير/كانون الثاني من عام 2009، والعدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014.
وقد تواصل معدو الدراسة مع مراسل سابق لإحدى القنوات الفرنسية في القدس، لفهم سبب تراجع الاهتمام الإعلامي الفرنسي بالقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة. أرجع الصحافي واحداً من الأسباب إلى بدء إسرائيل في إقامة علاقات ديبلوماسية مع الدول العربية من حولها. هذا التفسير تُظهره بعض الأرقام التي توصّلت إليها الدراسة، فـ6 في المائة من المحتوى الإعلامي عن فلسطين وإسرائيل احتوى على كلمة "ديبلوماسية" أو "مفاوضات"، و3 في المائة تضمّن كلمة "انتخابات"، بينما 11 في المائة تمّ فيه استخدام كلمة "هجمات"، و13 في المائة ورد فيه "الجيش الإسرائيلي".
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن عشرات من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية والمنظمات الفرنسية والفرنكوفونية أصدروا بياناً مطوّلاً نهاية أكتوبر، طالبوا فيه مصر والاحتلال الإسرائيلي بالسماح بدخول الصحافيين والمراسلين والمصوّرين إلى قطاع غزة.
وجاء في البيان الذي نشرته مؤسسات صحافية: "منذ 7 أكتوبر، دفعت الصحافة ثمناً باهظاً. نحن، الصحافيين الفرنسيين، ومعظمنا معتاد على العمل في مناطق النزاع، نطلب من الأطراف المتحاربة حماية الصحافيين وفتح باب الوصول إلى قطاع غزة أمام الصحافة الدولية".
وتطرق البيان إلى الصحافيين الشهداء الذين قتلوا في قطاع غزة، وعدّد ظروف استهداف الاحتلال للصحافيين والمؤسسات الصحافية في غزة وفي لبنان.
وأضاف الموقعون في بيانهم: "نحن، الصحافيين الفرنسيين، الممنوعين من الذهاب إلى هناك (غزة) من قبل الحكومتين الإسرائيلية والمصرية، لا يمكننا أن نبقى عاجزين في مواجهة هذا الوضع. إن حماية الصحافيين تعني حماية حرية الصحافة، وهي ركيزة تهتز باستمرار، ولكنها أساسية للديمقراطيات. في أوقات الحرب، وفي مواجهة العمليات الدعائية من جميع الجهات، تكون المعلومات في قلب المعركة... يشكل قتل الصحافيين عندما لا يشاركون في النزاع جريمة حرب بالمعنى المقصود في أحكام المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فهل تم استهداف أخواتنا وإخوتنا عمداً؟ نطالب بإجراء تحقيق مستقل وشفاف في ظروف وفاتهم. ولم يبق إلا الأحياء، الذين لولاهم لم نتمكن من رؤية أو سماع نتائج القصف الإسرائيلي على قطاع غزة. لو اختفى من هم أعيننا وآذاننا سنصبح صماً وعمياناً، وسيتحول قطاع غزة إلى ثقب أسود للمعلومات، وتعتيم إعلامي تفرضه إسرائيل، على حد تعبير مراسلون بلا حدود".
وكتب الموقعون: "بما أن العديد من وسائل الإعلام دمرت كليًا أو جزئيًا في غزة من قبل القوات الجوية الإسرائيلية، فإن أخواتنا وإخواننا الفلسطينيين يفتقرون بشدة إلى الوسائل اللازمة للقيام بعملهم. ومع حرمانهم من بطاريات كاميراتهم، ومن دون أجهزة كمبيوتر أو وسائل اتصال موثوقة، فقد بعضهم الكثير، واضطر آخرون إلى ترك كل شيء بعدما أمرهم الجيش الإسرائيلي بمغادرة بيوتهم في أسرع وقت ممكن. منذ 28 أكتوبر لم يعد لدى الصحافيين في غزة في أوقات كثيرة أي اتصال بالإنترنت ودقائق معدودة من الكهرباء لإعادة شحن معداتهم".
وطالب الموقعون السلطات الفرنسية والهيئات الدولية أن تدعو بشكل أكثر حسماً إلى "حماية وتأمين حرية تنقل زملائنا". وختموا البيان بالقول: "دعونا ندخل قطاع غزة للقيام بعملنا. نحن نعرف المخاطر".
من أبرز الموقعين على البيان: وكالة فرانس برس، قنوات BFMTV، وفرانس 3، وتي أف 1، وفرانس 24، وأم 6، وصحف ليبيراسيون، ولومانيتيه، ولو باريزيان ومجلات باري ماتش، ولوبس، ولو بوان، وتيليراما، وإذاعات راديو فرانس، وإن أر جي، وغيرها من المؤسسات الفرنسية والفرنكوفونية، إلى جانب عشرات الصحافيين الذين وقعوا بصفة شخصية. كما تضمن البيان تواقيع منظمات عدة، بينها "مراسلون بلا حدود".
هذا وقد أصبحت ظروف الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام في غزة أكثر مأساوية منذ نشر هذا البيان، إذ قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 132 منهم، ودمرت عشرات المقرات التابعة لمؤسسات إعلامية محلية ودولية، واستهدفت البنى التحتية للاتصالات والإنترنت، وهي كلها خطوات هدفها التعتيم على جرائمها.