- منظمة تروثاوت تنتقد الإعلام لتجاهله قضايا غزة وتعتبر ذلك نابعًا من عنصرية تشوه التغطية الإخبارية، بينما تظهر وسائل التواصل الاجتماعي كأداة فعالة لنشر الوعي.
- وسائل التواصل تعزز الانقسام بخوارزميات تفضل المحتوى المتوافق مع آراء المستخدمين، وتواجه الأصوات الفلسطينية رقابة من شركات مثل ميتا، لكن تأييد القضية يتصاعد بين الشباب العالمي.
يتفادى الإعلام الأميركي تغطية الاحتجاجات التي تسعى إلى لفت الانتباه إلى القضية الفلسطينية، بالرغم من أنها احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، ومستمرة منذ أشهر. في المقابل، يتباين دور مواقع التواصل الاجتماعي في انتشار الوعي بالقضية الفلسطينية بالتزامن مع عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
أغلق المتظاهرون المؤيدون للشعب الفلسطيني، الاثنين الماضي، جسر غولدن غيت في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وعطلوا حركة المرور على جسر بروكلين في مدينة نيويورك، وحتى أوقفوا حركة المرور إلى مطار أوهير الدولي في شيكاغو. ومع ذلك، حظيت الاحتجاجات بتغطية موجزة في نشرات الأخبار المسائية في الولايات المتحدة، وخُصّص كثير من التغطية الإعلامية الرئيسية للمحاكمة الجنائية للرئيس السابق، دونالد ترامب، في مانهاتن، وتداعيات الرد الإيراني على إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع.
عنصرية ضمنية وعلنية
تجاهل الإعلام الأميركي مأساة الفلسطينيين في قطاع غزة وقصصهم وحياتهم وخساراتهم المتراكمة، سواء خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أو خلال عقود من تغطية القضية الفلسطينية، وذلك في سياق سياسة عامة تعاملت مع الاحتلال الإسرائيلي بوصفه صاحب حق، فلم تكن الانتقادات الموجّهة إليه سوى ملاحظات هامشية لا ترتقي إلى مستوى النقد الحقيقي، أو الموقف الرافض لممارساته الاستعمارية.
في هذا السياق، أشار تقرير لمنظمة تروثاوت الأميركية غير الربحية إلى أنه "من المؤكد أن التعتيم الكبير الذي تمارسه وسائل الإعلام الكبرى على غزة وسكانها ترجع جذوره إلى عنصرية ضمنية، وعلنية في بعض الأحيان. وهي العنصرية التي تشوّه قسماً كبيراً من التغطية الإخبارية لقضايا الشرق الأوسط عموماً، وفلسطين خصوصاً".
أثناء ذلك، تدفّقت الصور ومقاطع الفيديو للاحتجاجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "الأمر الذي أظهر أنه أكثر فعالية بكثير في نشر الأخبار إلى الجماهير"، وفق تقرير نشرته مجلة فوربس. لكن التقرير نفسه نقل عن المحاضرة في كلية أننبرغ للاتصالات والصحافة، جوليانا كيرشنر، أن هذا المحتوى يصل "إلى الجماهير التي من المرجح أن تتقبلها". وتنبّه كيرشنر إلى أن منصات التواصل الاجتماعي لا تستطيع فعل الكثير لتغيير الأفكار أو للإقناع، نظراً إلى تصميمها الخوارزمي، فـ"الأشخاص الذين كانوا مستعدين بالفعل للموافقة على المشاعر التي عبّر عنها المتظاهرون سيتأثرون أكثر بمثل هذا المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي".
بيئة غير صالحة للنقاش
وفي مقال نشره موقع ذا كونفيرسيشن، ذكّر أستاذ الفلسفة ومدير مركز الأخلاقيات التطبيقية في جامعة ماساتشوستس في مدينة بوسطن الأميركية، نير إسكوفيتس، بأن مواقع التواصل الاجتماعي هدفها تحقيق أقصى قدر من التفاعل. شرح إسكوفيتس أن خوارزميات هذه المنصات صُمّمت للتأكد من أن المستخدمين يقضون كثيراً من الوقت عليها. وأفضل الطرق لتحفيز التفاعل، هي إما أن تُظهِر للأشخاص الذي من المرجح أن يتفقوا معه، أو أن تعرض لهم محتوى من شأنه أن يثير غضبهم ويصدمهم. ونتيجةً لذلك، فإن المحتوى الذي سيواجهه المستخدم بتكرار على وسائل التواصل الاجتماعي، إما أنه يعكس وجهات نظره الخاصة أو يزعجه، أو كلاهما.
كذلك، تسود مواقع التواصل الاجتماعي أخبار كاذبة بالتزامن مع آلة إعلامية إسرائيلية قوية تروّج لسردية الاحتلال، مستعينة بشبكات واسعة مترامية داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية، وبعضها تموّله دولة الاحتلال نفسها، أو جهات مرتبطة بها، مثل بعض اللوبيات الصهيونية. وقالت كيرشنر إن "محتوى الوسائط الاجتماعية يميل إلى أن يكون مجانياً للجميع، إذ يقدم المستخدمون أكثر الادعاءات بشاعةً من أجل الحصول على المزيد من المشاهدات والإعجابات والمشاركات".
ولا تكتفي مواقع التواصل الاجتماعي بنشر المحتوى الضار بالقضية الفلسطينية وحسب، بل تضيّق على الصوت الفلسطيني. تحجب شركة ميتا جزءاً كبيراً من المحتوى المتضامن مع الشعب الفلسطيني عبر منصتيها "فيسبوك" و"إنستغرام"، واشتكى الباحثون الذين يدققون محتوى وسائل التواصل الاجتماعي حول عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة من صعوبة التحقق من المعلومات وتتبّع انتشار المواد المضللة، بسبب تضييق شركات الإنترنت نفسها. فيما يُسمح للمحتوى التحريضي ضد الفلسطينيين بالانتشار بلغاتٍ عبرية وأجنبية، وصادرة عن المستويات الإعلامية والشعبية الإسرائيلية.
ومع ذلك، وبالرغم من الحصار الإعلامي والرقمي ضد المحتوى الداعم للشعب الفلسطيني، يتصاعد تأييد القضية الفلسطينية بين الشباب حول العالم، وعلى الخصوص في الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ يؤيد 68 في المائة من الأميركيين وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو المطلب الرئيسي في التظاهرات الحاشدة التي تنتفض ضد العدوان في أنحاء الولايات المتحدة، ومختلف بلدان العالم.