صعد إلى طائرة مدنية فارغة، وتقدم حتى المقاعد الأمامية، ثم نظر إلى الكاميرا، وقال وقد اعتلت وجهه ابتسامة ساخرة: "هذه المقاعد محجوزة للنواب العرب في الكنيست في طريقهم إلى أوروبا". هكذا ظهر النائب الإسرائيلي إيتمار بن غفير، زعيم الحركة الكهانية الدينية المتطرفة، في فيديو نشره على حسابه على موقع تويتر أخيراً، في إطار ترويجه لمشاريع القوانين التي تشرّع طرد الفلسطينيين والتي تعهد بتمريرها إن شاركت حركته في الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
نشر الفيديوهات على حساباته على "تويتر" و"تيك توك" بات مركباً رئيساً من مركبات حملة بن غفير الانتخابية، في سعيه لمراكمة التأييد لحركته التي تجاهر ليس فقط بالدعوة إلى طرد الفلسطينيين الذين "يحرضون" على إسرائيل، بل تتعهد بتمرير قوانين تجيز فرض أحكام الإعدام على المقاومين.
بن غفير الذي تتوقع استطلاعات الرأي أن تحل حركته في المرتبة الثالثة، بعد حزبي الليكود ويِش عتيد، بعدما كانت هامشية وتحظى بدعم متدن جداً، اكتشف الطاقة الكامنة في مواقع التواصل الاجتماعي، كوسيلة رئيسة لمراكمة التأييد. وبمجرد أن تحدث عملية للمقاومة، سواء في الداخل الفلسطيني أو في الضفة الغربية، ينشر فيديو على حسابه على "تويتر" من ساحة العملية، يهاجم فيه حكومة يائير لبيد، ويتعهد بسن قوانين الطرد والإعدام، فضلاً عن التزام تخفيف القيود على إطلاق النار، ليتمكن جنود الاحتلال من استهداف الفلسطينيين من دون محاسبة قانونية أو تأديبية.
وزير المواصلات السابق وزعيم حركة الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، المتحالف مع بن غفير، لا يفوت فرصة نشر فيديوهات على حسابه على "تويتر"، لمهاجمة الحكومة أيضاً، واتهامها بالتقصير في مواجهة عمليات المقاومة، والتعهد بإحداث تحوّل كبير في سياسات الحكومة المقبلة التي يزعم أن المعارضة ستشكلها.
ويخرج النائب سيمحا روتمان، الذي يحتل المكانة الثالثة في حركة الصهيونية الدينية، عن طوره في محاولة نيل الدعم من الجمهور الإسرائيلي، عبر استفزاز الفلسطينيين بالفيديوهات التي ينشرها على حسابه على "تويتر". صباح الأحد الماضي، نشر للمرة الثانية في أقل من أسبوع فيديو وهو ينفخ في البوق عند الحائط الشرقي للمسجد الأقصى، وهذا السلوك يشي بتوجه التيار الذي ينتمي إليه لتهويد الأقصى.
وقد كان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مادة للمواجهة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين ممثلي الحكومة والمعارضة. إذ وجد رئيس الحكومة يائير لبيد نفسه مضطراً إلى الرد عبر "تويتر"، على تغريدات زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الذي اتهمه بالتفريط بـ"حقوق إسرائيل" من خلال هذا الاتفاق.
لكنّ توظيف سياسيي إسرائيل مواقع التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية لا ينحصر في القضايا السياسية، بل يركز أساساً على القضايا الاقتصادية. ففي فيديو نشره نتنياهو على "تويتر"، ظهر وكأنّه يلتقي مزارعاً صدفة في محل لبيع الفواكه والخضار، حيث يبادره زعيم المعارضة بسؤال عن أوضاع المزارعين. واستغل نتنياهو شكوى المزارع في مهاجمة السياسات الاقتصادية للحكومة، وتعهد بإصلاح "الخلل" حال شكل الحكومة المقبلة.
ويحاول بعض سياسيي إسرائيل تسويق أنفسهم انتخابياً من خلال إظهار الفروق الشخصية بينهم وبين خصومهم. وهذا ما يعكف عليه وزير الأمن بني غانتس الذي ينشر أخيراً على حسابه على "تويتر" فيديوهات توثق عدوه مسافات طويلة، وبعد ذلك يعرض مقطع لنتنياهو وهو بالكاد يتمكن من المشي السريع، ليبرر السخرية من لياقته.
وأظهر استخدام مواقع التواصل التباين بين المعسكرات المنضوية في إطار التيار الديني الحريدي الذي يتبنى اجتهادات فقهية متشددة تحرم استخدام الهواتف الذكية. ففي الوقت الذي يلتزم نواب حركة يهدوت هتوراه، التي تمثل التيار الديني الحريدي الغربي، مقاطعة مواقع التواصل، فإن ممثلي التيار الديني الحريدي الشرقي باتوا يستخدمونها على نطاق واسع في الترويج لحملاتهم الانتخابية. وبرزت بشكل خاص على "تيك توك" فيديوهات وزير الداخلية السابق الحاخام أرييه درعي، زعيم حركة شاس التي تمثل التيار الحريدي الشرقي وتهاجم فشل الحكومة في حل مشاكل السكن وارتفاع الأسعار.
لكنّ تجارب بعض السياسيين الإسرائيليين مع مواقع التواصل لم تكن ناجحة. اضطرت مثلاً وزيرة الداخلية اليمينية المتطرفة، أيليت شاكيد، إلى حذف فيديو نشرته على "تيك توك" يظهرها وهي تحاول شراء سندويش من محل شاورما في القدس المحتلة، بعدما فشلت في التعامل مع الجهاز الذي يودع فيه ثمن السندويش، ما أثار سخرية الذين علقوا على الفيديو.