لا يعاني العالم من شيء في هذه اللحظة، بقدر معاناته من الإرهاب. هذه الكلمة التي أدَّت إلى مقتل المئات بشكل منتظم في الأشهر الأخيرة، في كنائس مصرية (كما حدث في اليومين الأخيرين) أو في شوارع أوروبا أو في ساحات أميركا، عوضاً عن أثر ذلك في العراق وسورية وغيرها. لا يوجد أحد بمأمن، ووسط هذا يمكن التفكير في وجهة نظر السينما تجاه ذلك، كيف تناولت الإرهاب والإرهابيين في الأعمال السينمائية.
ما قبل 11 سبتمبر وصورة بطل مغوار
يمكن تقسيم "أفلام الإرهاب"، المصطلح السينمائي الذي يشير إلى الأعمال التي يوجد فيها عُنصر يستهدف مدنيين ويقتلهم في سياق غير الحرب، إلى أفلام ما قبل 11 سبتمبر/ أيلول، وأفلام ما بعد 11 سبتمبر. فاللحظة التي شاهد فيها العالم كله، والأميركيون خصوصاً، طائرتين على الهواء مباشرة تخترقان برجي التجارة، قبل أن يتابعوا ببطء تهدّمهما تماماً، كانت لحظة إنسانية فارقة في التعامل مع الإرهاب. لم يعد كافياً أن نشاهد البطل الأميركي أو الأوروبي، وهو يمنع القنبلة من الانفجار قبل ثانية من وقوع الكارثة، أو وهو يطيح بالإرهاب من ناطحة سحاب أو حتى طائرة، تلك الصورة أصبحت بعد 11 سبتمبر ساذجة ومبتذلة جداً، وصار على الجميع التعامل بشكل مختلف، احتراماً على الأقل للضحايا الذين ذهبوا في التفجيرات.
وليس من الإخلال أبداً اختصار صورة الإرهاب قبل 11 سبتمبر في السينما داخل إطار شخصية جيمس بوند، الجاسوس الإنكليزي القوي والمغوار الذي يحمي العالم في كل جزء من السلسلة، في فيلم مثل The Spy Who Loved Me (إنتاج 1977 ويعتبر من أفضل الأجزاء الكلاسيكية)، إذ تختفي غواصات أميركية في المحيط، ويكتشف بوند أن إرهابياً ينوي إطلاق صواريخ نووية نحو بلدان مختلفة لبدء حرب عالمية. وبالطبع، ينجح بوند في إحباط مخططه، كما ينجح دائماً.
صورة البطل نفسها يمكن أن نراها في فيلم مثل Die Hard، من إنتاج 1988، إذ ثمَّة إرهابي ألماني يدعى هانز جروبر يسيطر على مبنى ضخم مع بعض الرهائن، مع طلبات إفراج عن بعض المساجين السياسيين وطائرة خاصة لنقلهم، ومن يُحبط هذا المخطط هو "جون مكلين"، ضابط الشرطة النيويوركي، الذي يخوض مغامرة طويلة ينقذ على أثرها الجميع، ويطيح بالإرهابيين، ضمن واحد من أفضل أفلام الحركة خلال الثمانينيات، ولكن صورة الإرهابي/ المجرم فيه كانت كاريكاتيرية جداً، وتصدير الأمان من خلال البطل كان مباشراً.
في التسعينيات أيضاً ظل الأمر قائماً، بل يمكن أن نذهب أبعد ويكون البطل هو الرئيس الأميركي نفسه كما في فيلم Air Force One (إنتاج 1997)، الذي أخرجه الألماني الكبير وولفرنج بيترسون، ويتناول سيطرة مجموعة إرهابيين روس على الطائرة التي يوجد فيها الرئيس وعائلته ومستشاروه. ويستطيع رجل أميركا الأول الاختباء قبل أن يبدأ في تصفيتهم ببطء وصولاً للحظة ملحمية في النهاية، إذ يطيح فيها بالإرهاب من السماء، لتكون ذروة الصورة المُصدَّرة (والتي ظهرت في عدد آخر من الأفلام أيضاً غير تلك الأعمال الثلاثة) عن أن "كل شيء بخير"، والرئيس الأميركي نفسه يمكن أن يتصدى للإرهاب.
اقــرأ أيضاً
كل شيء تغير بعد 11 سبتمبر
بعد لحظة الانهيار المباشرة للبرجين، بدأ التعامل مع فكرة "الإرهاب" يأخذ شكلاً أكثر نُضجاً، وذلك في محاولة لطرح الأسئلة والفهم، والبحث عن الجذور والأساليب والأثر، وأحياناً فتح الحوار، والسماع حتى لما يفترض أنه "الطرف الآخر"، كإتاحة الفرصة لفيلم "الجنة الآن"، للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، للوصول إلى ترشيح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2004، وهو فيلم يدور حول اثنين من الفلسطينيين على وشك القيام بعملية استشهادية (أو انتحارية حسب منظور المتلقي)، ويقترب من أفكارهم ومشاعرهم في تلك اللحظة. وبغض النظر عن مساحة الخلاف التي يتيحها، فهو صورة مختلفة وغير معتادة قبلها، خصوصاً مع الاحتجاجات الإسرائيلية حول مسألة ترشيحه للأوسكار، والتي منحته شهرة فائقة.
يمتد الخط في التعامل الجدي مع الإرهاب مع فيلم United 93 للمخرج بول غرينغراس عام 2006، والذي يصور (ضمن الزمن الحقيقي للأحداث) اختطاف إحدى طائرات 11 سبتمبر والتي سقطت بفعل تدخل الركاب قبل الاصطدام بهدفها (البيت الأبيض كما قيل). كان الفيلم تتبعاً مُخلصاً لكل المشاعر من قبل الجميع (بمن فيهم الإرهابيون) وتوثيق قاس للحظة الهزيمة الأكبر في التاريخ الأميركي الحديث.
ورغم أن Zero Dark Thirty (إخراج كاثرين بيجالو 2012)، يتناول في المقابل لحظة رد على 11 سبتمبر، وعملية قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلا أنه لم يحتوِ على الاحتفاء والتمجيد الأميركي المعتاد، وامتلك طريقة أكثر نضجاً في التعامل مع الحدث بشكل توثيقي، بما فيها التعامل (وربما فتح حوار) حول عمليات التعذيب للمعتقلين من قبل المخابرات الأميركية من أجل الوصول إلى معلومات تخص القاعدة.
هو السؤال نفسه الذي طرح في فيلم آخر أقل شهرة قبلها بعامين هو Unthinkable (إخراج جريجور جوردن عام 2010)، إذ يدور حول القبض على إرهابي يعرف أماكن 3 قنابل على وشك الانفجار. ويساءل الفيلم أخلاقية تعذيبه وتهديد أسرته وممارسة العنف ضدهم (ومنهم أطفال)، من أجل الوصول لمعلومات توقف العملية وسقوط الأبرياء.
وبين كل هذا، يبدو واضحاً أن جنون العالم بعد 11 سبتمبر جعل السينما أكثر جدية في التعامل مع أمر معقد ودموي ومتداخل سياسياً وإنسانياً كالإرهاب. وربما يطرح الجنون الحالي الذي يكتوي منه الجميع، مزيداً من الأسئلة والأطروحات السينمائية بعيداً عن صورة البطل الذي يوقف القنبلة قبل ثانية من انفجارها.
اقــرأ أيضاً
ما قبل 11 سبتمبر وصورة بطل مغوار
يمكن تقسيم "أفلام الإرهاب"، المصطلح السينمائي الذي يشير إلى الأعمال التي يوجد فيها عُنصر يستهدف مدنيين ويقتلهم في سياق غير الحرب، إلى أفلام ما قبل 11 سبتمبر/ أيلول، وأفلام ما بعد 11 سبتمبر. فاللحظة التي شاهد فيها العالم كله، والأميركيون خصوصاً، طائرتين على الهواء مباشرة تخترقان برجي التجارة، قبل أن يتابعوا ببطء تهدّمهما تماماً، كانت لحظة إنسانية فارقة في التعامل مع الإرهاب. لم يعد كافياً أن نشاهد البطل الأميركي أو الأوروبي، وهو يمنع القنبلة من الانفجار قبل ثانية من وقوع الكارثة، أو وهو يطيح بالإرهاب من ناطحة سحاب أو حتى طائرة، تلك الصورة أصبحت بعد 11 سبتمبر ساذجة ومبتذلة جداً، وصار على الجميع التعامل بشكل مختلف، احتراماً على الأقل للضحايا الذين ذهبوا في التفجيرات.
وليس من الإخلال أبداً اختصار صورة الإرهاب قبل 11 سبتمبر في السينما داخل إطار شخصية جيمس بوند، الجاسوس الإنكليزي القوي والمغوار الذي يحمي العالم في كل جزء من السلسلة، في فيلم مثل The Spy Who Loved Me (إنتاج 1977 ويعتبر من أفضل الأجزاء الكلاسيكية)، إذ تختفي غواصات أميركية في المحيط، ويكتشف بوند أن إرهابياً ينوي إطلاق صواريخ نووية نحو بلدان مختلفة لبدء حرب عالمية. وبالطبع، ينجح بوند في إحباط مخططه، كما ينجح دائماً.
صورة البطل نفسها يمكن أن نراها في فيلم مثل Die Hard، من إنتاج 1988، إذ ثمَّة إرهابي ألماني يدعى هانز جروبر يسيطر على مبنى ضخم مع بعض الرهائن، مع طلبات إفراج عن بعض المساجين السياسيين وطائرة خاصة لنقلهم، ومن يُحبط هذا المخطط هو "جون مكلين"، ضابط الشرطة النيويوركي، الذي يخوض مغامرة طويلة ينقذ على أثرها الجميع، ويطيح بالإرهابيين، ضمن واحد من أفضل أفلام الحركة خلال الثمانينيات، ولكن صورة الإرهابي/ المجرم فيه كانت كاريكاتيرية جداً، وتصدير الأمان من خلال البطل كان مباشراً.
في التسعينيات أيضاً ظل الأمر قائماً، بل يمكن أن نذهب أبعد ويكون البطل هو الرئيس الأميركي نفسه كما في فيلم Air Force One (إنتاج 1997)، الذي أخرجه الألماني الكبير وولفرنج بيترسون، ويتناول سيطرة مجموعة إرهابيين روس على الطائرة التي يوجد فيها الرئيس وعائلته ومستشاروه. ويستطيع رجل أميركا الأول الاختباء قبل أن يبدأ في تصفيتهم ببطء وصولاً للحظة ملحمية في النهاية، إذ يطيح فيها بالإرهاب من السماء، لتكون ذروة الصورة المُصدَّرة (والتي ظهرت في عدد آخر من الأفلام أيضاً غير تلك الأعمال الثلاثة) عن أن "كل شيء بخير"، والرئيس الأميركي نفسه يمكن أن يتصدى للإرهاب.
كل شيء تغير بعد 11 سبتمبر
بعد لحظة الانهيار المباشرة للبرجين، بدأ التعامل مع فكرة "الإرهاب" يأخذ شكلاً أكثر نُضجاً، وذلك في محاولة لطرح الأسئلة والفهم، والبحث عن الجذور والأساليب والأثر، وأحياناً فتح الحوار، والسماع حتى لما يفترض أنه "الطرف الآخر"، كإتاحة الفرصة لفيلم "الجنة الآن"، للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، للوصول إلى ترشيح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2004، وهو فيلم يدور حول اثنين من الفلسطينيين على وشك القيام بعملية استشهادية (أو انتحارية حسب منظور المتلقي)، ويقترب من أفكارهم ومشاعرهم في تلك اللحظة. وبغض النظر عن مساحة الخلاف التي يتيحها، فهو صورة مختلفة وغير معتادة قبلها، خصوصاً مع الاحتجاجات الإسرائيلية حول مسألة ترشيحه للأوسكار، والتي منحته شهرة فائقة.
يمتد الخط في التعامل الجدي مع الإرهاب مع فيلم United 93 للمخرج بول غرينغراس عام 2006، والذي يصور (ضمن الزمن الحقيقي للأحداث) اختطاف إحدى طائرات 11 سبتمبر والتي سقطت بفعل تدخل الركاب قبل الاصطدام بهدفها (البيت الأبيض كما قيل). كان الفيلم تتبعاً مُخلصاً لكل المشاعر من قبل الجميع (بمن فيهم الإرهابيون) وتوثيق قاس للحظة الهزيمة الأكبر في التاريخ الأميركي الحديث.
ورغم أن Zero Dark Thirty (إخراج كاثرين بيجالو 2012)، يتناول في المقابل لحظة رد على 11 سبتمبر، وعملية قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلا أنه لم يحتوِ على الاحتفاء والتمجيد الأميركي المعتاد، وامتلك طريقة أكثر نضجاً في التعامل مع الحدث بشكل توثيقي، بما فيها التعامل (وربما فتح حوار) حول عمليات التعذيب للمعتقلين من قبل المخابرات الأميركية من أجل الوصول إلى معلومات تخص القاعدة.
هو السؤال نفسه الذي طرح في فيلم آخر أقل شهرة قبلها بعامين هو Unthinkable (إخراج جريجور جوردن عام 2010)، إذ يدور حول القبض على إرهابي يعرف أماكن 3 قنابل على وشك الانفجار. ويساءل الفيلم أخلاقية تعذيبه وتهديد أسرته وممارسة العنف ضدهم (ومنهم أطفال)، من أجل الوصول لمعلومات توقف العملية وسقوط الأبرياء.
وبين كل هذا، يبدو واضحاً أن جنون العالم بعد 11 سبتمبر جعل السينما أكثر جدية في التعامل مع أمر معقد ودموي ومتداخل سياسياً وإنسانياً كالإرهاب. وربما يطرح الجنون الحالي الذي يكتوي منه الجميع، مزيداً من الأسئلة والأطروحات السينمائية بعيداً عن صورة البطل الذي يوقف القنبلة قبل ثانية من انفجارها.