الأميرة مونونوكي: بشري يعيد تدمير طبيعة الفيلم بالتكنولوجيا

18 أكتوبر 2024
يتناول الفيلم مخاطر التكنولوجيا على البشر والطبيعة (IMDb)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار مقطع دعائي مولّد بالذكاء الاصطناعي لفيلم "الأميرة مونونوكي" جدلاً بسبب افتقاره للعمق والروح، مما يعكس موقف المخرج هاياو ميازاكي الرافض لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الفنون.
- الفيلم يعرض صراعاً بين الطبيعة والتقدم الصناعي، ويعكس رؤية ميازاكي حول استغلال البشر للطبيعة، مؤكداً على أهمية الحفاظ على البيئة وعدم التضحية بالنظام البيئي.
- لم يعلق ميازاكي أو استوديو غيبلي على المقطع، لكن المعجبين انتقدوا مبتكر الفيديو، الذي دافع عن عمله كتجربة ممتعة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل صناعة الأنمي.

أثار مقطع دعائي مولّد بالذكاء الاصطناعي لفيلم الأنمي "الأميرة مونونوكي" Princess Mononoke (صنعها مُعجب بالفيلم يُدعى بي جيه أتشيتورو) سجالات على الإنترنت. المقطع الذي أُنشئ باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين الصور والأصوات، أثار غضب عشاق الفيلم والمخرج هاياو ميازاكي، إذ رأى الكثيرون أنها تفتقد للعمق والروح التي تميزت بها أعمال ميازاكي، خصوصاً أنه معروف بموقفه الصارم تجاه استخدام الذكاء الاصطناعي في الفنون.

موقف ميازاكي معروف للجميع، وأظهره بوضوح في مقطع نشر عام 2016 ولا يزال يتداول حتى الآن، عندما عُرض عليه نموذج أنميشن للذكاء الاصطناعي لشخصية زومبي. علّق ميازاكي على ذلك: "هذه إهانة للحياة نفسها". وللتخفيف من حدة الموقف أمام مجموعة من الأشخاص الذين كانوا ينتظرون رأيه، قال ميازاكي إن "استخدام الذكاء الاصطناعي يتيح نوعاً من الرعب يتجاوز الخيال البشري"، وأكد أن هذا النوع مناسب لألعاب الفيديو.

هذا الرأي الحازم جعل اختيار أتشيتورو لفيلم "الأميرة مونونوكي" لإعادة تقديمه بالذكاء الاصطناعي أمراً يراه بعضهم استفزازياً، نظراً إلى المواقف المعلنة لميازاكي. ومع ذلك، دافع أتشيتورو عن عمله باعتباره مجرد تجربة ممتعة خاضها محب للفيلم، مؤكداً أن هدفه لم يكن إهانة أو تقويض رؤية ميازاكي.

اختيار فيلم الأميرة "مونونوكي" تحديداً هو ما جعل الموضوع أكثر استفزازاً، فالأمر ليس متعلقاً بأحد أفضل إنتاجات استوديوهات غيبلي البصرية، إنما موضوعة الفيلم نفسها، وهي الطبيعة وتدمير البشر لها. تدور أحداث الفيلم في العصور الوسطى اليابانية، حيث يتعرض الأمير آشيتاكا للعنة قاتلة في أثناء دفاعه عن قريته من روح غاضبة. في محاولة لفهم اللعنة وإيجاد علاج لها، ينطلق في رحلة تقوده إلى غابة غامضة تسكنها أرواح طبيعية وآلهة قديمة. هناك، يتعرّف إلى الأميرة مونونوكي، التي نشأت مع الذئاب وتعتبر نفسها جزءاً من الطبيعة. تعارض الأميرة مونونوكي بكل قوتها البشر الذين يهدّدون الغابة، وخصوصاً مدينة الحديد بقيادة السيدة إيبوشي، وهي امرأة معقدة تسعى للتقدم الصناعي، ولكن على حساب الطبيعة. آشيتاكا يلعب دور الوسيط، إذ يحاول جاهداً إيجاد توازن بين الطرفين المتحاربين، ولكنه يجد نفسه محاطاً بقوى أكبر منه، تتمثل في الأرواح الغاضبة للبشر والطبيعة.

الفيلم لا يقدم حلولاً سهلة؛ الشخصيات جميعها مركبة ومعقدة، فلا السيدة إيبوشي شريرة بالكامل، ولا سان وأرواح الغابة خيرة بالمطلق.

يعرض الفيلم، برمزية، كيف يمكن لجشع الإنسان ورغبته في السيطرة على الموارد الطبيعية أن يدمرا البيئة ويؤديا إلى دمار شامل. مدينة الحديد تمثل الرغبة البشرية في التقدم الصناعي، وهي رؤية ميازاكي للعالم الحديث، حيث يواصل البشر استغلال الطبيعة لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب النظام البيئي. في المقابل، تمثل الغابة وأرواحها القوة الطبيعية التي تدافع عن نفسها، ولكن حتى هذه القوى الطبيعية ليست بلا قسوة، ما يعكس تعقيد العلاقة بين الإنسان والبيئة.

يقدم الفيلم رسالة قوية عن ضرورة الحفاظ على البيئة وعدم الانجراف وراء التقدم التكنولوجي على حساب النظام البيئي. ميازاكي، المعروف بتصريحاته الصريحة حول رفضه استخدام التكنولوجيا في الفن عشوائياً، يعبّر من خلال الفيلم عن موقفه الثابت بأن الطبيعة ليست مجرد مورد للاستغلال، بل هي كائن حيّ يجب الحفاظ عليه.
كذلك يصور ميازاكي كائنات الطبيعة الأسطورية باعتبارها مخلوقات حية لها عدّة أوجه وأشكال، خارجة عن التحديد السهل للطبيعة. جميلة وتزهر الأرض حيث تسير أقدامها، ومرعبة يمكنها الإتيان بالكوارث.

"الأميرة مونونوكي" أكثر أفلام ميازاكي زخماً بالشخصيات الأسطورية التي أصبحت رموزاً للطبيعة، ووشوماً شهيرة لعشاقه.

حتى الآن، لم يعلق ميازاكي أو استوديو غيبلي على الحادثة، لكن المعجبين شنّوا هجوماً على صاحب الفيديو. كانت هذه الحركة المستفزة مفيدة للشركة التي حصلت على دعاية لم تكن تحلم بها، لكن إن تحركت استوديوهات غيبلي، أو ديزني المالكة لحقوق عرض الفيلم، فإن السحر سينقلب على الساحر.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها أفلام استوديو غيبلي محاولات للتعديل أو التغيير. في السابق، خضع بعض أفلام ميازاكي لعمليات تحرير أو تقصير عند توزيعها في الأسواق الدولية. أحد أشهر الأمثلة تعديل فيلم "ناوسيكا: وادي الرياح" في النسخة الأميركية، إذ قُصّر الفيلم وحُذفَت أجزاء منه. هذا الأمر أثار غضب ميازاكي، ودفعه إلى مطالبة الموزعين بعدم المساس بأفلامه مجدداً، وأصبحت جملة No Cuts جزءاً من شروط التوزيع لاحقاً.

كذلك، عند توزيع فيلم "الأميرة مونونوكي" في الولايات المتحدة، كانت هناك محاولة لتقصير الفيلم، لكن ميازاكي رفض بشدة. وقد بعث موزعو "غيبلي" رسالة شهيرة للموزعين الأميركيين تتضمن سيف كاتانا مكتوباً عليه No Cuts، ما يعكس مدى حرص ميازاكي على الحفاظ على نزاهة رؤيته الفنية من دون تدخل خارجي.

مبتكر الفيديو الذي استخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقطع ترويجي لفيلم "الأميرة مونونوكي" علّق على الانتقادات التي طاولت عمله. وصف المقطع بأنه "عمل معجبين" يهدف إلى التعبير عن حبه لصناعة الأفلام واستكشاف الإمكانات التي يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي للفنانين. وذكر أن العلمية كلفته 750 دولاراً فقط.

قد تكون تكلفة الإنتاج هذه هي النقطة الحاسمة في المستقبل في الوقت الذي تخسر فيه شركات الأنمي خسارات كبيرة نظراً إلى تكلفتها الإنتاجية العالية مقابل القرصنة التي توقف در الأرباح، إضافةً إلى مشاكل الأجور المنخفضة للفنانين الذين يقدمون جهداً هائلاً بالرسم اليدوي، وقد بدأ بالفعل استخدام تقنيات حديثة للرسم في كثير من إنتاجات الأنمي، أحدها فيلم سلام دانك الأخير الذي حقق نجاحاً كبيراً رغم رسومه الكومبيوترية المزعجة.

المساهمون