سجلت التظاهرات في شوارع تونس، الجمعة، اعتداءات على صحافيين تونسيين وأجانب، على يد قوات الأمن التونسية. كما عانى عدد منهم من الاختناق بالغاز المسيل للدموع الذي استعمل لتفريق المتظاهرين.
كانت قوات الأمن التونسية واجهت مئات المتظاهرين، الجمعة، في تونس العاصمة، بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، بعدما خرجوا لإحياء ذكرى الثورة والتعبير عن معارضتهم للرئيس قيس سعيّد، متحدّين قرار منع التجمعات لمكافحة عودة انتشار وباء "كوفيد-19".
وأحكمت قوات الأمن المنتشرة بكثافة غلق كامل شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة، ومنعت المحتجين من الوصول إليه. لكن بعض المحتجين تمكنوا من تجاوز الحواجز، وواجهتهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع والضرب واستخدام خراطيم المياه، كما اعتقلت العشرات منهم وسحلتهم. وأوقف الأمن التونسي صحافيين أجنبيين اثنين على الأقل، وفقاً لشهود.
وأعلنت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أن مراسلها في تونس، ماتيو غالتيي، واجه عنفاً شديداً من الأمن التونسي، كما حجزت بطاقة ذاكرة هاتفه المحمول الذي كان يستعمله في التصوير. وقالت الصحيفة إنها تقدمت باحتجاج رسمي لسفير تونس في باريس، مطالبة بفتح تحقيق في ما حصل ومعاقبة المسؤولين وتمكين مراسلها من استرجاع بطاقة ذاكرة هاتفه.
وقالت "ليبراسيون" إن "ماتيو غالتيي كان يُصوّر بهاتفه الجوّال اعتقال متظاهر حين هاجمه شرطيّ". وأفادت الصحيفة، نقلاً عن مراسلها، بأنه عرّف عن نفسه فوراً بأنه صحافي باللغتين العربية والفرنسية، فيما كان يحاول الشرطي انتزاع الهاتف منه.
وروى غالتيي ما حصل، قائلاً "كانوا يضربونني من الاتجاهات كلها. طُرحت أرضاً، وكنت أصرخ أنني صحافي. أحدهم رشّ الغاز عليّ من مسافة قريبة. ركلوني. في نهاية الأمر، أخذوا هاتفي وبطاقتي الصحافية، وتركوني هناك".
وأشار المراسل إلى أن أغراضه أُعيدت له، بعد أن قدّم له عناصر الفرق الطبية الإسعافات، باستثناء شريحة الذاكرة الخاصة بهاتفه التي كان عليها الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها خلال الاحتجاج.
ونصح الطبيب الصحافي الذي يقطن في تونس منذ ستّ سنوات بـ"الراحة 15 يوماً،" ولاحظ ا"خدشاً قطره عشرة سنتيمترات على الجبين".
كما قالت الصحافية في "دار الصباح" التونسية إيمان عبد اللطيف إنها مُنعت مع عدد من الصحافيين التونسيين من الدخول إلى شارع الحبيب بورقيبة حيث تجمع بعض المتظاهرين.
وأكد رئيس تحرير موقع "بيزنس نيوز" الناطق بالفرنسية، نزار بهلول، أن قوات الأمن التونسي ألقت القبض على أحد المصورين العاملين في الموقع، أثناء تغطيته التظاهرات.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وثّقت تعرّض صحافيين للاختناق والإصابات بخراطيم المياه.
وعبّرت نائبة نقيب الصحافيين التونسيين، أميرة محمد، عن غضبها إزاء ما تعرّض له الصحافيون، وقالت إن "ما حصل من اعتداءات على الصحافيين وعلى المحتجين فضيحة. تغيرت الأسماء على رأس السلطة، لكن الممارسات بقيت على حالها".
وأصدرت "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين"، اليوم السبت، بياناً وصفت فيه الاعتداءات التي تعرض لها صحافيون ومصورون الجمعة بـ"الخطيرة" و"غير المسبوقة".
وأفادت بأن وحدة الرصد في مركز السلامة المهنية، في النقابة، سجلت أكثر من 20 اعتداء على صحافيين ومصورين، على يد قوات الأمن التونسية، رغم ارتدائهم لصدرياتهم المميزة وتأكيدهم خلال الاعتداء عليهم على صفتهم الصحافية.
ووفقاً للنقابة، طاولت الإيقافات 4 صحافيين ومصورين، بسبب تصويرهم للتعاطي الأمني مع المحتجين ولعمليات الايقافات التي استهدفت المحتجين. وتدخلت النقابة لإطلاق سراحهم فور علمها بإيقافهم.
وخلال توثيق الصحافيات للأحداث ولعمليات الإيقافات عبر البث المباشر، صودرت هواتف 3 منهن. وفي إحدى الحالات، خرقت المعطيات الشخصية لحساب صحافية واطُلع على محادثاتها الخاصة، كما مورست رقابة على عمل الصحافيتين الأخريين. وتعرض مراسل مؤسسة إعلامية أجنبية للعنف المادي من قبل أعوان الأمن، خلال توثيقه لعمليات الإيقاف.
كما سجلت النقابة حالات منع من العمل وعدد من المضايقات و"الرقابة اللصيقة للصحافي خلال أدائه لعمله".
ودانت النقابة بشدة "العنف الهمجي" والإيقافات التي مارستها قوات الأمن، واعتبرت الحدث "خطوة إلى الخلف نحو مزيد من التضييق على الحريات العامة، ومن بينها حرية التعبير، وخاصة حرية الصحافة".
ونبهت النقابة إلى أن قمع التظاهرات السلمية واستهداف الصحافيين "مؤشر خطير على انتكاسة حقيقية في مسار الديمقراطية في تونس". وطالبت وزارة الداخلية بفتح تحقيق فوري ضد المعتدين واتخاذ كل الإجراءات التأديبية الضرورية ضد كل من انخرط في أعمال عنف وتضييق على الصحافيين، والاعتذار عن استهداف الصحافيين والصحافيات والمصورين.
وأعلنت النقابة الشروع في رفع قضايا ضد المعتدين على الصحافيات والصحافيين، ودعت ضحايا ما وصفته بـ"العنف البوليسي" أمس الجمعة إلى الاتصال بها، للقيام بكل الإجراءات القانونية الضرورية للتقاضي.
إلى ذلك، ندّد "نادي المراسلين الأجانب في شمال أفريقيا"، في بيان، بـ"أعمال العنف الممارسة من قوات الأمن على الصحافيين الذين كانوا يغطّون الاحتجاجات" في تونس حيث وصل العنف "إلى مستوى غير مسبوق منذ تأسيس نادي المراسلين الأجانب في شمال أفريقيا عام 2014". وطالب نادي المراسلين بتحقيق "من دون تأخير".