عام 1957، أرسل الاتحاد السوفييتي أول قمر اصطناعي إلى المدار يحمل اسم "سبوتنك 1". أما العالم العربي فاحتاج عقدين كي تبدأ مساهمته في مجال الأقمار الاصطناعية. وأنشأت جامعة الدول العربية "عرب سات" عام 1976 بهدف تلبية احتياجات العالم العربي من التغطية والاتصال، ثم تفرّعت التجارب حتى يومنا هذا.
الأقمار الاصطناعية العربية… من التعاون إلى التسابق
يقع مقر "عرب سات" الرئيسي في الرياض، مع محطتين أرضيتين للتحكم بالأقمار في كل من الرياض وتونس. وتمتلك المؤسسة سبعة أقمار صناعية في ثلاث مواقع مدارية، وتحمل ما يزيد على 650 قناة تلفزيونية و245 محطة إذاعية وشبكات التلفزيون المدفوع، تصل إلى عشرات الملايين من المنازل في أكثر من 100 دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا ووسط آسيا، ويتابعها ما يزيد على 300 مليون مشاهد في 21 دولة عربية.
ثم جاءت "نايل سات"، التي تأسست عام 1996 كالأولى من نوعها مصرياً والثانية عربياً، ونجحت في أن تصبح واحدة من الشركات الرائدة في المنطقة في مجال خدمات الأقمار الاصطناعية للاتصالات.
كما نجحت "نايل سات" في الحصول على نسبة مشاهدة تزيد عن 56 مليون أسرة، وما يناهز 270 مليون مشاهد في العالم العربي.
وبعد عام حان دور الإمارات بتأسيس شركة الثريا للاتصالات في 1997، كأول شركة مزودة لخدمات الاتصالات المتنقلة عبر الساتل إم إس إس، وحلول الاتصالات المبتكرة للعديد من القطاعات، بما في ذلك الطاقة والإعلام المرئي والمسموع والنقل البحري والقطاع العسكري ومنظمات النفع العام.
وتمتلك الشركة "الثريا 2 و3"، اللذين يغطيان مناطق أوروبا وأفريقيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط ودول المحيط الهادئ وأستراليا.
وظل أغلب العرب لوقت طويل لا يعرفون إلا "عرب سات" و"نايل سات" ثم "الثريا"، حتى قرّرت دولة قطر إطلاق "سهيل سات".
وتأسست "سهيل سات" عام 2010 في الدوحة كشركة قطرية للأقمار الصناعية لأغراض الاتصال.
الأقمار الاصطناعية العربية… مهام متعددة
ما سُرد أعلاه يركز على الأقمار الشهيرة التي يعرفها كل عربي من خلال قنوات التلفزيون، بسبب مهمتها في إدارة القنوات الفضائية والاتصالات، لكن الحكومات العربية أطلقت أقماراً اصطناعية أخرى لها مهام عدة.
المغرب مثلاً أطلق قمريه "محمد السادس أ وب"، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 و2018، لأهداف استطلاعية تمكن المغرب من مراقبة الحدود ووضع المخططات الطوبوغرافية.
كما يتولى القمران مهام تقوية وتدعيم الجانب الاستخباراتي والمعلوماتي بخصوص محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية.
كذلك أطلقت الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2017 ساتل ألكومسات-1 للاتصالات السلكية واللاسلكية الفضائية، ليوفر خدمات لبث البرامج التلفزيونية والإذاعية وخدمات الإنترنت وأدوات اتصال مختلفة الإشارات. ثم لدى الجزائر، من بين أقمار أخرى، كل من "ألسات 2 أ وب" لتعزيز قدرات التصوير، ومراجعة الخرائط، والبيئة، وتخطيط استخدام الأراضي والموارد الطبيعية، وتخطيط المدن والبنية التحتية الأساسية، والمخاطر.
أقمار بصناعة عربية
وبينما عقدت دول عربية شراكات عالمية لتنفيذ أقمارها، اختارت دول عربية أخرى صناعتها بأيدي أبنائها. ففي مارس/آذار 2021 أطلقت تونس "تحدي واحد"، وهو ساتل من صنع الشركة التونسية تِلنَت المتخصصة في تكنولوجيا الاتصال.
و"تحدي واحد" مختص في إنترنت الأشياء، وسيساعد تونس على تطوير خدماتها في مجال الإنترنت. ومع ذلك انطلق القمر من منصة غير عربية، إذ تكلفت به وكالة الفضاء الروسية، التي أجلت إطلاقه حينها بسبب ظروف مناخية.
وأطلقت الإمارات في 2018 "خليفة سات"، وهو أول قمر اصطناعي إماراتي صنع بالكامل في الدولة، وبأيدي مهندسين إماراتيين بالكامل.
العرب والعالم
تتداخل القضايا عندما يتعلق الأمر بالتعاون العربي العالمي، إذ بينما يتعاون العرب مع العالم أحياناً، يدخلون في مواجهات أو يستعدون لمشاكل محتملة في أحيان أخرى. وتتعاون الجزائر مع الصين، والمغرب مع فرنسا في إنتاج وإطلاق أقمارهما الاصطناعية.
وتعاون لبنان وروسيا بعد انفجار مرفأ بيروت، إذ سلّمت روسيا لبنان صور ساتل التقطت يوم الانفجار للمساعدة في التحقيق في الواقعة.
لكن بعض الأقمار العربية سببت مشاكل في الدول المجاورة. على سبيل المثال عندما قرّر المغرب إطلاق قمره الاصطناعي كتبت صحيفة إل باييس الإسبانية أن "خبراء عسكريين إسبان يحذرون من أن الميزة التكنولوجية التي كانت تميز إسبانيا عن جارتها المغرب قد بدأت بالتقلص".
الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية
في إبريل/نيسان الماضي أعلنت شركة ستارلينك، عن وصول خدماتها للإنترنت عبر القمر الاصطناعي إلى العراق، وقد نشر مدون عراقي أنه حصل على نسخة من جهاز الالتقاط وقدم مقطع فيديو حوله.
لكن ذلك لم يكن سهلاً، إذ أكد المدون على المشاكل المرتبطة بهذه الخدمة، سواء تعلق الأمر بسعره الغالي (100 دولار مقابل الخدمة)، أو صعوبة وصول الجهاز، أو غياب الصيانة، أو مشاكل تتعلق بالتراخيص.
ولم تنطلق الخدمة في العالم العربي، إذ لا وجود لأي دولة عربية في قوائم الانتظار وفقاً للخريطة الرسمية المنشورة في موقع الشركة، ولا تبدو الدول العربية جاهزة لهذه التغطية حتى الآن.
بحر من الأقمار الاصطناعية
انطلاقاً مما سبق، لا تزال المساهمة العالمية للعرب في مجال الأقمار الاصطناعية طفيفة، مقارنة بالتطورات الهائلة التي يشهدها الغرب، والدول الآسيوية. فعام 2022، تكشف الإحصاءات عن وجود ما يقارب 5500 قمر اصطناعي نشط في السماء.
وتتوقع التقديرات إطلاق 58 ألف قمر إضافي بحلول عام 2030 على المستوى العالمي.
وسيتم إرسال 4500 ساتل إضافي إلى مدار أرضي منخفض للسماح بتغطية عالمية من الإنترنت، وأشهر اسم في السوق حالياً خدمة ستارلينك لمالكها إيلون ماسك.
وسينمو الطلب الإجمالي على بيانات الساتل سنوياً بنسبة 30 في المائة حتى عام 2025، يقول موقع شيبين تومورو.
وستلعب الأقمار الاصطناعية أدواراً حيوية في السيارات ذاتية القيادة، وإنترنت الأشياء، وشبكة الإنترنت، والتنقيب في البيانات، والدفاع، والتعامل مع كوارث التغير المناخي مثل الفيضانات والجفاف والحرائق. فهل يساير العرب الركب العالمي؟