في تلك المدينة المتحفية الفرعونية القديمة، في مصر العليا، التي كانت ولا تزال إحدى أجمل المدن المصرية، والتي تحتوي على ثلث آثار العالم، تُقام الدورة الـ12 (3 ـ 9 فبراير/ شباط 2023) لـ"مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية"، رغم التضخّم الاقتصادي، وانخفاض قيمة الجنيه المصري، المنعكِسَين سلباً على ميزانية المهرجان، خاصة ثمن تذاكر الطيران، التي شهدت ارتفاعاً جنونياً.
تشهد هذه الدورة تحدّياً كبيراً، بعد انخفاض الميزانية عن الأعوام السابقة. لا أحد يعلم هل سيصمد منظّموه في الأعوام التالية، رغم أنّ السيناريست سيّد فؤاد، رئيس المهرجان، والمخرجة عزة الحسيني، مديرته الفنية، والفنان محمود حميدة، الرئيس الشرفي، يجهدون في الحفاظ على مكتسبات ثقافية وسينمائية حقّقوها في 13 عاماً.
من أبرز مميزات هذه الدورة الاهتمام بالصناعة السينمائية، ونشر الوعي بها، لا الاكتفاء بعرض أفلام، وعقد ندوات، وتنظيم تكريمات. في 7 أيام، تُقام الدورة الثانية لـ"مبادرة فاكتوري"، لدعم مخرجي الأفلام القصيرة من مصر، مع 10 مشاريع روائية قصيرة، يُشارك أصحابها في ورشة مكثّفة، في أسبوع المهرجان، يُشرف عليها متخصّصون من مصر والعالم، لمساعدة المخرجين في مراحل التحضير والتطوير والإنتاج، وتجهيزهم فنّياً ونفسياً وإدارياً وفكرياً. ثم تُوزَّع جوائز دعم، تقدّمها شركات "أفلام مصر العالمية" (يوسف شاهين)، و"رَدْ ستار للإنتاج الفني"، و"فيلم هاوس"، و"ورشة الدهشورية"، و"البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير"، و"مؤسّسة سرد مريم نعوم".
ثانية المميزات كامنةٌ في منصّة المنتجين بالأقصر، الهادفة إلى إيجاد حلقة وصل بين شركات إنتاج الأفلام والمنتجين المستقلّين، وأصحاب مشاريع الأفلام القصيرة، الجاهزة للإنتاج، ودعمهم، بإدارة المنتجة إيمان محمود حميدة. فالمنصة تجمع بين شركات إنتاج ومنتجين مستقلين بأصحاب مشاريع، ما يفتح مجالات جديدة للإنتاج والإنتاج المشترك، وتوزيع الأفلام. يؤكّد منظّمو المنصة أهمية المساواة في الفرص بين المخرجين والمخرجات في مجال صنع الأفلام، وعلى تبادل الخبرات، عبر ندوات وورش عمل وعرض أفلام.
إلى ذلك، يُكرّم المهرجان، في دورته الجديدة هذه، المؤلّف الموسيقي المصري هشام نزيه، الذي بدأ مسيرته الفنية مع الموسيقى التصويرية، عام 1992، لأفلام مثل "هستيريا" و"الساحر" و"السلم والثعبان" و"تيتو" و"إكس لارج" و"الفيل الأزرق"، ولمسلسلات "نيران صديقة" و"السبع وصايا" و"العهد"، و"مون نايت" ("فارس القمر"، إحدى شخصيات "مارفل"، قناة "ديزني بلاس")، وموسيقى "احتفالية موكب المومياوات الملكية" (2021)؛ والممثلة المصرية هالة صدقي، التي عاشت بعض أعوام طفولتها في الولايات المتحدة الأميركية، وبرعت في الألعاب الرياضية، فكانت بطلة السباحة. بعد عودتها إلى مصر، اختارها المخرج نور الدمرداش للمشاركة في مسلسل "لا يا ابنتي العزيزة" (1979)، ثم كان دورها المتميّز في "رحلة المليون". تنوّعت أدوارها من الكوميديا الى التراجيديا، فمثّلت في "الهروب" لعاطف الطيب، و"إسكندرية ـ نيويورك" و"هي فوضى" ليوسف شاهين، و"يا دنيا يا غرامي" لمجدي أحمد علي. من الشباب، يُكرّم المهرجان محمد رمضان.
أما من أفريقيا، فيُكرَّم المخرج السنغالي منصور سورا واد، في احتفاء بدولة السنغال أيضاً، تقديراً لأفلامه الفنية القيِّمة، التي عرضت في مهرجانات "كانّ" وبرلين وميلانو وقرطاج. مواليد 1952 في داكار، درس سورا راد في فرنسا، ونال ماجيستر السينما من "جامعة باريس 8". في السنغال، أصبح مدير "الأرشيف السمعي البصري" في وزارة الثقافة (1977 ـ 1985). ثم بدأ إنتاج فيديوهات قصيرة للتلفزيون السنغالي، وأنجز أفلاماً وثائقية وتقارير للقناة الفرنسية TV5.
كما يُكرَّم المنتج بيدرو بيمنتا، المستشار الفني الأول لمشروع اليونسكو للتدريب السينمائي في جنوب أفريقيا، ومؤسّس ورئيس مهرجانات سينمائية عدّة، وعضو "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها". يُذكر أنّ هذه الدورة مهداة إلى أرواح مبدعين عديدين، كالمصري صلاح منصور، والسنغالي عثمان سمبين، بمناسبة مئوية ولادتهما، والجزائرية شافية بودراع، والتونسي هشام رستم. يعرض المهرجان، في برامجه المتنوعة، 65 فيلماً روائياً ووثائقياً، طويلاً وقصيراً، من 28 دولة أفريقية. وتُفتتح دورته هذه بين جدران معبد الأقصر، بعد العودة إليها. أما شعاره، "السينما خلود الزمان"، فـ"يُشير إلى أحد الأدوار الرئيسية للسينما، مشاهد تُخلد صُناعها، كما تُخلد التاريخ، وتنقلنا عبر آلة الزمن، إلى تفاصيل زمن لم نكن لنعرفه لولا السينما" (الملف الصحافي)، وإنْ سجَّل محمود حميدة، في المؤتمر الصحافي، تحفّظَه عليه، لأنّ ما تفعله السينما، برأيه، "تجميد" لحظة معيّنة، وتخليدها.
إلى ذلك، يُقام حوار مع منتجين ومخرجين وممثلين، كسليمان سيسي (مالي)، قبل عرض فيلمٍ لابنته عنه. إضافة إلى دروس في السينما، مع مهندس الديكور فوزي العوامري، والممثل محيي إسماعيل. هناك أيضاً معرضان: الأول ملصقات أفلام المُكرَّمين، والثاني ملصقات أفلام السينما السنغالية. إضافة إلى ندوة رئيسية بعنوان "الحفاظ على التراث السينمائي"، احتفاء بالسينما السنغالية، وأخرى عن 50 عاماً من السينما في مالي. ثم حفلات توقيع كتب.