تعيش الأغنية العربية الحالية تجديداً في الشكل الغنائي لناحية الكلمات، في محاولة على ما يبدو للحاق بالنجاح والانتشار الجماهيري الهائل لـ"أغاني المهرجانات" التي تعتمد بشكل أساسي على مفردات بسيطة وسهلة يتداولها الناس في حياتهم اليومية من جهة، وعلى الموسيقى الصاخبة من جهة أخرى.
في نظرة سريعةٍ على منصة "يوتيوب"، نجد أن "أغاني المهرجانات" تحقق نسب استماع ومشاهدات مليونية كثيفة، وهي أرقامٌ لا يحققها في الوقت الحالي نجوم كبار لهم تاريخهم الفني. كما تشهد الساحة الفنية صعود أسماء فنية مغمورة سابقاً، صاروا اليوم نجوماً يطلبون للمشاركة في الحفلات والمهرجانات وفي الإعلانات التسويقية، مثل: عمر كمال وحسن شاكوس وعلي قدورة وحمو بيكا ومجدي شطة وآخرون، بعد أن استثمروا بنجاح في فترة الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا وانقطاع نجوم الغناء التقليديين عن طرح أعمالهم، وملأوا الساحة الفنية بأعمالهم.
بعودة الحياة إلى طبيعتها جزئياً مؤخراً، طرح مجموعة من نجوم الغناء أعمالهم، لكنها لم تحقق النجاح المرضي الذي كانوا يتوقعونه، وتباين معدل انتشار أغنياتهم بين الناس بين العادي والمقبول، مقابل تواصل النجاح الساحق لـ"أغاني المهرجانات"، وهو ما دفع عدة فنانين لطرح أغان من روح "المهرجانات" مثل مصطفى قم وأحمد سعد ومحمد فؤاد الذي قدم أغنية بعنوان "في الحفلة" فلم تنجح جماهيرياً عند متتبعي "أغاني المهرجانات"، وقابلها جمهوره بهجمة كبيرة عليه.
ومؤخراً تنبه بعض المطربين العرب إلى "الخلطة السحرية" لهذا الشكل الغنائي في محاولة منهم لركوب الموجه وأخذ القليل من شعلة نجاح أغاني المهرجانات. إذْ عمدوا إلى تقديم أغنيات بكلمات ذات مفردات بسيطة وشعبية، وهو ما لجأ إليه مؤخراً المغني اللبناني وائل كفوري بتعاونه مع سليم عساف في كلمات وألحان أغنية "البنت القوية" التي شكلت انقلاباً في شكل الأغاني الذي تعود عليها الجمهور من كفوري، ومن كلماتها: "يا ويلي من حبا.. سكر على مربى/ إحساسي وأنا جنبا مش معقول". وعلى هذا النمط طرح كفوري "ديو غنائي" مع المغنية المصرية أنغام في أول أيام عيد الأضحى، بعنوان: "برضه بتوحشيني"، من كلمات تركي آل الشيخ وألحان عمرو مصطفى، ومن كلماتها التي تقول: "جربت فراقك مش نافع.. وماحدش نساني/ أنا قلبي في بعدك بقي عايش.. بيقاسي وبيعاني/ أنتي اللي بجد وحشتيني.. وغيابك عني دا علي عيني".
كما طرح المغني المصري، عمرو دياب، بمناسبة عيد الأضحى أغنية "أحلى ونص" من كلمات أيمن بهجت قمر وألحان محمد يحيى ومن كلماتها: "أنا رأي أنت الاحلى ونص.. مبمسكش العصاية من النص/ وإن كان ع الكلام الحلو.. لسه التقيل ورى".
فيما قدم المغني الفلسطيني محمد عساف في ألبومه "قصص عن فلسطين" أغنية من ألحانه لأول مرة وكلمات سامي عفانه بعنوان "ع الحارة"، ومن كلماتها التي تقول: "فلافل والفولي.. بندورة وخيارة/ شاي بمرامية وأكل عالطبلية" في محاكاة للحياة الشعبية عن أهل فلسطين. فيما لجأ المغني الإماراتي حسين الجسمي إلى الشاعر المصري أيمن بهجت قمر، لتقديم أغنية بسيطة المفردات لاسترجاع نجاحات أغنيتي "ستة الصبح" و"الطبطبة"، فغنَّى "حتة من قلبي" وفيها: "من غير كاني وماني.. طبعي بدخل في الموضوع/ انتي صورتك مستلماني كل أيام الأسبوع".
عن هذا التوجه يقول الشاعر والملحن الأردني، ماجد زريقات: "الفنان الذكي هو من يحاكي حاجة السوق الفني بشرط عدم الابتذال، وأجد أن نجاح وانتشار (أغاني المهرجانات) شجعا بعض الفنانين الكبار لخوض التجربة على طريقتهم. فعمرو دياب وكفوري وعساف والجسمي اختاروا المفردات البسيطة وعمدوا إلى مفردة الشارع التي يتناقلها الناس فيما بينهم". لكن زريقات حذر من تكرار تجربة محمد فؤاد في أغنية "في الحفلة"، معلقاً: "ليس سهلاً أن يجد المغني دائماً المستوى البسيط في كلام الأغاني، وبالتالي إصراره على محاكاة (أغاني المهرجانات) بدون حذر، سيوقعه في مطب التقليد والانتقاد".
من جهته يؤكد الشاعر المصري، أحمد المالكي، أن قوة "أغاني المهرجانات" يكمن في إيقاعها السريع، موضحاً: "كوننا نعيش في عصر السرعة يحب الناس هذه النوعية من الأغاني، حيث التركيز يكون فيها على الموسيقى الصاخبة دون التمعق في معاني الكلمات المغناة". ويرى المالكي أن اتجاه كبار المغنين لتقديم أعمال بسيطة يعود لنجاح أغنيتي "3 دقات" و"أنت معلم" أساساً، مضيفاً: "وجد المطربون أن الأغنية (الفرايحي) تسعد الجمهور الذي يطالب بها دائماً، في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي خاصة (تيك توك) و(يوتيوب)، فهما يحققان مردودات مالية عالية وهذا ما يريده صناع الأعمال الغنائية بالدرجة الأولى، كما أن الناس تبحث عن الأغاني التي تناسب أجواء السهر والبحر. لذلك، يلجأ المطربون إلى هذه النوعية من الأغاني، وأنا شخصياً كتبت لتامر حسني أغنية (عايزين نولع الدنيا). كما لدي في الفترة المقبلة أغنيات من هذا النوع، راعيت في كتابتها استخدام المفردة البسيطة والسهلة المتداولة بين الناس".
ويختلف الملحن المصري محمود خيامي مع رأي زميليه زريقات والمالكي، مشدداً على رفضه "أغاني المهرجانات" رغم اعترافه بنجاحها الكبير، مؤكداً: "سهولة تسويقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ساهم في انتشارها ووصولها إلى الجمهور في لمح البصر". ويرفض خيامي القبول بتلحين كلمات هذا الشكل من الأغاني، مؤكداً: "عرض عليّ بالفعل كلام مهرجانات، ورفضت تلحينه، لأنني لا أقبل تقديم أعمال بكلمات متدنية المعنى".